سليديرمقالات

الانتقال الطاقي: مفتاح تونس نحو مستقبل بيئي واقتصادي مستدام

رجاء الدريدي – كوسموس ميديا

التغيرات المناخية الكبرى والإنبعاثات الغازية وتلوث المحيط.. كلها عوامل فرضت على جل بلدان العالم أن تغير سياستها الطاقية وأن تتأقلم مع المستجدات التي فرضها العصر الراهن. فكيف يجب أن تستعد تونس خاصة والعالم العربي عموما لكل هذه التحديات؟

هذا ما تطرق إليه البرنامج الحواري “حارسات الأرض” مع مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوري هايتايان والتي أكدت أهمية الانتقال الطاقي في المحافظة على البيئة من جهة ومكانته الاقتصادية من جهة أخرى.

لوري هايتايان

الانتقال الطاقي في تونس

يُعرّف “معجم المناخ والتحول في مجال الطاقة”، الصادر عن “مبادرة نقلة“، الانتقال الطاقي على أنه التحول من اعتماد أنظمة الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر متجددة بنسبة 100٪. وكثيرًا ما يستخدم المصطلح ليعني “استبدال الوقود، أي استخدام مصدر للطاقة المتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري. أما “تحول الطاقة ” فيأخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل كفاءة الطاقة وكفايتها عند تصميم أنظمة الطاقة لعصر ما بعد الوقود الأحفوري.

وتعتبر المغرب من البلدان العربية الرائدة في مجال الانتقال الطاقي نظرا لإمكاناتها المادية التي تجعلها مناسبة للاستثمار في هذا المجال وللاعتمادات الهائلة التي تسخرها الحكومة في المراهنة على الاعتماد على الطاقات البديلة والمتجددة، تليها الأردن ومصر وتونس بدرجة أقل، وفق ما أكدته مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية لوري هايتايان.

ولا تزال هناك بعض التحديات التي تواجه تونس في مسار الانتقال الطاقي لعل أبرزها نقص التمويل لأن مثل هذه المشاريع تتطلب اعتمادات كبيرة ومناخ استثماري ملائم إلى جانب البنية التحتية، وغياب الاستقرار السياسي خاصة في فترة ما بعد الثورة.

وبالعودة إلى الأرقام يمكن الإشارة إلى أن تونس تعتزم التخفيض من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى 46 بالمائة في قطاع الطاقة إضافة إلى إنتاج 35 بالمائة من الكهرباء عن طريق الطاقات المتجددة أي ما يعادل 8350 ميغاواط و إدراجها في المزيج الطاقي وتقليص الكثافة الطاقية بنسبة 3،6 بالمئة سنويا أي ما يقارب 30 بالمائة في أفق 2030.

الشركات البترولية الوطنية

أفادت ضيفة “حارسات الأرض” لوري هايتيان بأن “الشركات البترولية الوطنية لها ما يكفي من الموارد اللازمة للعب دورها بشكل فعال في مجال الانتقال الطاقي. لكنها تظهر تباينًا فيما يتعلق بالانتقال الطاقي، فبعضها تعارضه وتعرقله وتعتبره تهديدًا لأعمالها ومستقبلها، بينما تتكيف بعض الشركات الأخرى معه من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقات المتجددة. وهناك شركات تقود الانتقال الطاقي بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وتعليق الاستثمار في مشاريع الوقود الأحفوري.

دور وسائل الإعلام

ترى لوري هايتايان أن الإعلام يقوم بدور كبير في زيادة الوعي حول أهمية الانتقال الطاقي بين أفراد المجتمع، من خلال نقل المعلومات حول التحديات والفوائد والأهمية الخاصة بهذا النوع من الانتقال، معتبرة الإعلام جسرًا بين المواطنين والمسؤولين، حيث يمكنه تبادل الآراء والمعلومات بين الجانبين، ولذلك يجب أن يكون الإعلام ملمًا بالموضوع بشكل كامل وشامل ليؤدي دوره التوعوي والتثقيفي بفعالية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لوسائل الإعلام، وفق ذات المتحدثة، مراقبة تقدم الانتقال الطاقي والمطالبة بالمساءلة، سواء كانت للحكومات أو الشركات، من خلال متابعة درجة التزامها بالأهداف والتدابير المتعلقة بالانتقال الطاقي.

ويمكن أيضًا لوسائل الإعلام أن تلعب دورًا كبيرًا في ضمان عدالة الانتقال الطاقي وشموله، من خلال تسليط الضوء على التحديات والمشكلات التي قد تواجه فئات معينة في عملية الانتقال، وتعزيز الحوار والنقاش المجتمعي حول كيفية تحقيق العدالة والشمول في هذا السياق.

الوعي المجتمعي ضروري

تؤكد لوري هايتايان على أهمية الوعي المجتمعي والرؤية المستقبلية من جانب الدولة في ظل التحولات السريعة التي يشهدها العالم، معتبرة أنه من الضروري وجود رؤية واضحة للدولة يتم تبنيها بفعالية ومشاركتها مع المجتمعات والمواطنين.

كما تشدد هايتايان على ضرورة توفير الإطار المؤسساتي اللازم لتنفيذ الخطط والسياسات المتعلقة بالانتقال الطاقي، بالإضافة إلى تعزيز التفاعل المجتمعي وتوجيه الجهود نحو تحقيق الأهداف المستقبلية، داعية الدول إلى الأخذ بعين الاعتبار الوعي المجتمعي والتفاعل الفعّال مع المواطنين في وضع السياسات وتنفيذها، وذلك لبناء مستقبل مستدام ومستند إلى مبادئ العدالة والشمولية.

تكريس مبدا الشفافية

أكدت لوري هايتايان على مبدا الشفافية كأحد أهم العوامل لضمان نجاح عملية الانتقال الطاقي، فمن خلال التواصل الفعال مع المواطنين وتوفير المعلومات بشكل واضح وسهل الفهم، يمكن للحكومة بناء الثقة وكسب دعم المجتمعات، معتبرة أن غياب مبدأ الشفافية قد يؤدي إلى شعور المواطنين بالقلق والريبة من التغيرات المجهولة، مما يخلق لديهم شعورا بالرفض والمقاومة والمعارضة مثلما وقع في الشوارع التونسية خلال احتجاجات “وينو البترول؟؟”.

وأشارت ضيفة كوسموس ميديا ضمن البرنامج الحواري “حارسات الأرض” إلى نموذج المملكة العربية السعودية كنموذج يمكن اعتماده في خطط الاتصال الحكومية، حيث تحولت السعودية من اعتمادها على النفط والغاز إلى اقتصاد متنوع يعتمد على السياحة، معتبرة أن الحكومة السعودية نجحت في التواصل مع المواطنين وشرح التغييرات الاقتصادية، مما ساهم في بناء الثقة وكسب دعمهم.

وأكدت أهمية مثل هذه الأساليب في جعل المواطن يشعر بالشفافية والمساواة مع الطبقة السياسية، بهدف استمالته ليكون الداعم الأكبر للمشاريع المستقبلية.

ماذا حقق معهد حوكمة الموارد الطبيعية لتونس؟

فيما يتعلق بجهود معهد حوكمة الموارد الطبيعية بتونس أشادت لوري هايتايان بالتزامه بتعزيز مبدأ الشفافية في الصناعات الاستخراجية وتقديم الدعم الفني للحكومة في مجال الطاقات المتجددة، موضحة أن المعهد يلعب دوراً هاماً في مساعدة المجتمع المدني وتعزيز قدراته لفهم القطاع، بهدف تحقيق نتائج إيجابية وتحقيق دور فعال في مجال الانتقال الطاقي والعدالة البيئية، وذلك لدعم تونس في الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة والرائدة في هذا المجال.

رغم الجهود التي تبذلها تونس في مجال الانتقال الطاقي إلا أنها تبقى مبادرات دون المأمول نتيجة لعدة عوامل ويبقى الاستثناء العربي للمغرب وبعض بلدان الخليج. كما يبقى الانتقال الطاقي مطمح عديد البلدان لدفع عجلة التنمية ونمو الاقتصاد والقفز إلى مصاف الدول المتقدمة والقطع نهائيا مع الاقتصاد التقليدي المعتمد بدوره على الطاقة التقليدية المتسببة في الانبعاثات الكربونية واهتراء طبقة الأوزون وتغير المناخ.

 

زر الذهاب إلى الأعلى