تحقيقاتسليدير

الصمود على جبهة المناخ.. حصاد الأمطار لتعزيز الأمن المائي والغذائي في جبل الغرة بتونس

نجاة فقيري – كوسموس ميديا

“نحنا ماعادش عارفين، قطرة الماء لي جايبينها نشربوها ولا ندوشو ونغسلو منها ولا نسقو بيها الأرض…يا ويل لي ما عندوش ماء” لم تكن الخالة دليلة تعتقد أنها ستكون معنيّة بالتغيرات المناخية وتداعياتها وهي القاطنة على التلال الخصبة لثالث أعلى قمة بتونس 1206 كلم، بمنطقة الغرة من معتمدية غار الدماء ولاية جندوبة شمال غرب تونس، المنطقة الريفية التي تتمتع بتساقطات هامة شتاء و بغطاء جبلي فريد من نوعه ومساحات كبيرة وشاسعة من الزراعات الكبرى، أين اعتادت على زراعة مساحة هامّة من سانيتها كل موسم بالخضار المعدة للاستهلاك المنزلي ما يحقّق لها الاكتفاء الذاتي ويساعدها في توفير الغذاء مستعينة على ذلك بـ”حصاد الأمطار” وفق طرقها الخاصة وإمكانيتها البسيطة المتاحة.

هنا، في هذه الربوع الخصبة، بدأت آثار تغير المناخ وتراجع معدل التساقطات وطول مواسم الجفاف يخيّم على المنطقة ويلقي بظلاله على سكانها. ففي هذه المنطقة لا يوجد تدخّل ملموس للدولة لإيجاد حلول للسكان وتوفير مياه شربهم سوى عين مشتركة وحيدة تبعد كيلومترات عن الخالة دليلة، في دوار آخر من القرية الكبيرة، ما جعلها تعتمد على مواردها الخاصّة وتستقدم عين جبلية مع جارها لتأمين مياه الاستخدام اليومي كالغسيل والاستحمام والزراعة أما مياه الشرب فتقوم بجلبها من جارها الميسور الذي استقدم بدوره ماء منبع عين من الجبل الصخري بالمنطقة ما يجعل من الماء عذبا وصالحا للشرب. أما المياه المستقدمة (التي يتم جلبها) من العين الجبلية الغابية، غابات الزان والفرنان، فعادة ما تكون ممزوجة بالتربة حمراء اللون غير صالحة للشرب.

دوّار الخالة دليلة بجبل الغرة

تقول الخالة دليلة بحسرة ” مطر مارس ذهب خالص (مثل شعبي) نحنا توا في مارس وينها المطر، السخانة تقولش أوسو” مؤكّدة أن المشهد تغيّر كثيرا فلم تعد مواسم الأمطار متواصلة كما غابت الثلوج “معادش فما ثلوج كي قبل، الثلج هو ملح الأرض، الأرض لاعاد فيها ملح لا ماء كيفاش باش تثمر” وتؤكد أن الربيع في قريتها تمتدّ خضرته وعطاؤه “والندوة” قطرات الندى الصباحية، قبلا، إلى أواسط شهر جوان ما يساعد الخضر الصيفية على الثبات والإيناع على عكس وقتنا الحاضر الذي يبدأ فيه الإحترار مبكرا مع بداية الربيع.

فمنذ ما يفوق الخمس سنوات قلّصت الخالة دليلة مساحتها الزراعية إلى الربع تقريبا، وتخلت عن المساحة القديمة الشاسعة واستبدلتها بمساحة صغيرة، نتيجة النقص الفادح في الماء، خاصة صيفا، لتوفير كل احتياجاتها اليومية من غسيل واستحمام وتنظيف وشرب، حيث تفكر ماليا في التخلي عن الغراسات الصيفية المتمثلة أساسا في الفلفل والطماطم والإكتفاء بالغراسات الشتوية المرتكزة على الخضر الورقية والثوم والبصل والجلبان والفول.

سانية الخالة دليلة القديمة/ والمساحة الصغيرة الجديدة

تقول الدكتورة الباحثة في الغابات والمياه سندس فقيري أن الخالة دليلة ومنطقة الغرة عيّنة صغيرة عمّا يعانيه أهالي الأرياف رغم أهميّة التساقطات بهذه المناطق والتي يمكن أن تتجاوز ال 1000 مم سنويا بأغلب أرياف ولاية جندوبة، لكن السكان يعانون من الجفاف كغيرهم من ولايات ومناطق الجمهورية التونسية. تؤكد سندس الفقيري، معتمدة على أبحاثها ومعاينتها للمنطقة، أنه مثلا، يعاني سكان عين رميلة أحد دواوير الغرة، صيفا من نقص فادح في الماء المتأتي من عين مشتركة تم بناؤها وتهيئتها سنة 2005 بعد أن كانت ماجل حفره واستغله الإستعمار الفرنسي، موضحة أنها صورة نمطية باتت متكرّرة وواضحة في معظم الأرياف التونسية.

وتوضح الباحثة أن ساعات انتظار السكان (بالدور) لملء دلو سعته 20 لتر تصل إلى 24 ساعة كاملة، بينما يستغرق ملؤه قرابة الساعة على عكس الشتاء الذي لا يتطلب ملء الدلو فيه إلا خمس أو 10 دق وتؤكد أن المنطقة تزخر بينابيع عيون جبلية كثيرة منها 26 عين مستغلة.

من جهته، يوضّح متقاعد بمصلحة الغابات( رفض التصريح عن اسمه) أن هذه العيون غير مهيّأة كما يجب وأن دور الجهات المختصة يقف عند حدود الترخيص سابقا حين كانت التراخيص تمنح من مصلحة الغابات لتصبح حاليا تابعة لمصلحة المياه والتربة ما جعل من إجراءات وتصاريح استغلال العيون تغدو معقدّة وطويلة الأمد ما ساهم في عزوف الأهالي عن استغلالها.

وفق الدكتورة الباحثة سندس فقيري، يمكن دعم عين رميلة بينابيع محاذية لها وحفرها باستخدام الوسائل المتطورة إلى أعمق مما هي عليه حاليا ما يجعلها تكفي منطقة بأكملها. مؤكّدة على ضرورة التوجيه والإرشاد من المصالح المختصّة، والعودة إلى الوسائل التقليدية كالماجل وتجميع مياه الأمطار والعيون المشتركة خاصّة وأن الموارد الأساسية متوفرة (التساقطات المهمة وينابيع العيون الجبلية) لمحاربة العطش وسقي الخضروات المنزلية ما يضمن الأمن الغذائي للمنطقة أمام المدخول المحدود للكثير من أهاليها.

يقول الخال ناصر أحد متساكني المنطقة أنه قام باستقدام الماء من العين الجبلية منذ سنة 1985، بإمكانيات ومجهودات فردية حيث تم حفر منبع العين يدويا بفأس على عمق متر واحد فقط، ثم مدها عبر قنوات بسيطة من البلاستيك القابل للاهتراء بفعل الشمس والأمطار، على امتداد قرابة 1000 متر من التضاريس الصعبة والصخور والمرتفعات وصولا إلى منزله موضحا إنه لا يتم تغطية الأنابيب لأن ذلك يتطلب يدا عاملة مكلفة وشهورا من العمل الشاق فتترك الأنابيب البلاستيكية عارية ما يجعلها عرضة للتهرئة والتلف كما أن الخنزير البري يدمرها باستمرار.

الموارد المائية في تونس.. بين الإجهاد والفقر

بلغ الإجهاد المائي في تونس 119.299 بالمائة سنة 2021 (آخر إحصائية متاحة)، كما تراجع مخزون المياه إلى 586.4 مليون متر مكعب حتى 6 أكتوبر 2023 مقابل 787.9 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من عام 2022 كما بلغ 784.9 ملیون متر مكعب سنة 2021 مقابل 1043.2 ملیون متر مكعب 2020. وتراجع المخزون العام من المياه في مجمل السدود التونسيّة بنسبة 30 بالمائة وقدّر إلى حدود يوم 7 نوفمبر 2023 ب533،103 مليون متر مكعب مقارنة بمعدل الفترة خلال السنوات الثلاث الأخيرة (762 مليون متر مكعب) بينما شهد تحسن طفيف حتى 8 مارس 2024، إذا بلغ 856 مليون متر مكعب، أي بنسبة امتلاء 37 بالمائة، وزيادة بـ14 بالمائة مقارنة بيوم 8 مارس 2023، وفق آخر الإحصائيات للمرصد التونسي للفلاحة.

رسم بياني لمخزون المياه بالسدود التونسية خلال الخمس سنوات الأخيرة ومعدل الإجهاد المائي

يفيد البنك الدولي أن الزراعة تعدّ أكثر قطاع مستهلك للمياه في تونس، حيث تمثل أكثر من 75 بالمائة من إجمالي استخدام المياه عندما لا يكون الاستخدام الزراعي مقيدا. ويؤكد البنك الدولي أن القطاع الزراعي مهم للاقتصاد الوطني التونسي، إذ ساهم بنسبة 9.6 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022، كما أنه قام بتشغيل 14بالمائة من السكان القادرين على العمل في عام 2019، فضلا عن مساهمته في تحقيق الأمن الغذائي.

أرقام تبدو مفزعة لبلد يرزخ تحت خط الفقر المائي منذ سنوات، بل ويعتبر من أكثر الدول الإفريقية والعربية تهديدا بالجفاف وشحّ المياه وفق بيانات البنك الدولي، حيث يبيّن البنك في أحد تقاريره أنه وبحلول عام 2050، سيشكّل شح المياه 71 بالمائة من الخسائر من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي المرتبطة بالمناخ وهو ما دعمته بدورها تقارير منظمة غرينبيس.

أنفوغراف يبيّن العلاقة بين الزراعة والمياه في تونس وفق تقارير البنك الدولي

يحذّر الخبراء باستمرار أن تونس ستواجه مواسم جفاف حادة على مدى السنوات القادمة وهو أمر تفاقم وفاق التوقعات ما جعل البلاد تدخل في موجة أرقام جفاف قياسية السنة الماضية 2023، وفق المعهد الوطني التونسي للرصد الجوي، فكان شهر مارس 2023 ثانية الأكثر جفافا منذ عام 1950 و شهر جويلية الأعلى حرارة منذ 1950، كما صنّف خريف 2022 الأكثر جفافا منذ عام 1950 حيث بلغ معدل هطول الأمطار الموسمية التراكمية (في 27 محطة رئيسية) 1557 ملم، أي 50 بالمائة فقط من المعدل التراكمي الموسمي المرجعي لنفس المحطات (3112 ملم)، وهو عجز مسجل في جميع المحطات باستثناء باجة وجندوبة.

لم تكن بداية العام 2024 مبشّرة بدورها، بل تواصلت موجة الأرقام القياسية ليكون شهر جانفي 2024 أكثر دفء بفارق +2.3 درجة مئوية عن المعتاد (1991-2020). ليكون بذلك الأشد حرارة بدوره منذ 1950، مسجّلا خسارة هامة في معدّل التساقطات بنسبة 60 بالمائة مع تفاوت ملحوظ بين الأقاليم، وفق البيانات المحيّنة للمعهد الوطني للرصد الجوي.

رسم بياني عن المعدلات القياسية للحرارة والجفاف بتونس وفق المعهد الوطني للرصد الجوي

أكد رضا قربوج كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية المكلف بالمياه في تصريح رسمي يوم 22 مارس، أن مخزون المياه في تونس سجّل تحسنا مقارنة بالسنة الماضية بنسبة 18بالمائة موضحا أنه رغم ذلك لم تتجاوز تعبئة السدود 37 بالمائة لافتا الى أن هذه النسبة دون المعدل المطلوب و بعيدة جدا عن المعدل السنوي (29% فقط). وأكد قربوج في تصريحات إعلامية، أن التزوّد بالمياه لن يكون سهلا خلال فصل الصيف وأن الانقطاعات ستتواصل نظرا لأن المخزون لم يتحسن (37 بالمائة نسبة امتلاء السدود وهي نسبة تحت المعدل).

وبيّن أنه سيتم العمل على بعض الحلول قريبا مثل دخول بعض محطات التحلية حيز الاستغلال قريبا وضبط مخطط كامل في أفق سنة 2050. إضافة إلى تحويل المياه المعالجة من مناطق الإنتاج الكبرى إلى المناطق الداخلية لاستغلالها في المجال الفلاحي وإعادة تأهيل الشبكات المتقادمة والعمل على توسعة 30 سدا وتعلية 8 أخرى. كما اتخذت السلطات التونسية إجراءات لترشيد استعمال واستهلاك المياه عبر قطع المياه الصالحة للشرب لمدة محددة ليلا ومنع الفلاحين من استعمال مياه الري في المناطق السقوية.

من جهة أخرى، كشف رضا قربوج مؤخرا في تصريح صحفي، أن مشروع مجلة المياه الجديدة جاهز وسيعرض قريبا على رئاسة الحكومة التونسية للمصادقة عليه قبل إحالته على مجلس نواب الشعب. وللإشارة فقد تمّ إيداع مشروع مجلة المياه بالبرلمان التونسي سنة 2019، وتعطلت عملية المصادقة عليها طيلة السنوات الماضية.

أنفوغراف لتصريحات كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة والموارد المائية المكلف بالمياه رضا قربوج

قدّم قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والإجتماعية مقترحا مفصّلا لمشروع مجلة المياه سنة 2021، يشدّد أساسا على ضرورة اعتماد الدولة لاستراتيجية واضحة وملزمة لتجميع وتخزين مياه الأمطار من أجل استدامة الموارد المائية إضافة إلى تشريك المجتمع المدني في إعداد مخطط جهوي ووطني لمجابهة الجفاف ومحدودية المياه مع وجوب نشره للعموم وبناء سياسات مائية من منطلق الاعتراف بوضع الإجهاد المائي الذي تعيشه تونس والعمل على تفادي حالة الطوارئ المائية.

بدوره أصدر مكتب مؤسسة هاينريش بول بتونس الذي يشتغل على السياسات البيئية والتنمية المستدامة، قراءة لمشروع مجلة المياه بسّطت تعديد المفاهيم وتحدثت عن الوضعية الحالية للمياه في تونس والتحديات المطروحة إضافة إلى شرح لمستجدات المشروع الجديد لمجلة المياه ونقائصه مقدّمة مقترحات وملاحظات هامة.

وفي هذا السياق دعت الخبيرة الدولية في مجال التصرف المندمج في الموارد المائية والتكيف مع تغيّر المناخ، روضة قفراج، إلى التعجيل بالمصادقة على مجلة المياه بعد عملية تنقيح ومراجعة دامت لسنوات وإلى وضع مخطط وطني يتم تقييمه دوريا للتعامل مع أزمة المياه، التي أصبحت واقعا ملموسا في تونس.

وأوضحت قفراج، في حوار صحفي لوكالة تونس افريقيا للأنباء، أن مراجعة مجلّة المياه استغرقت وقتا طويلا، منذ سنة 2008، مؤكدة ضرورة أن تصاحب المجلّة النصوص التطبيقية، فور المصادقة عليها، وتعبئة الموارد المالية اللازمة لتنفيذ ما جاء فيها وإرساء المؤسسات، التي تنص على إحداثها، على غرار المجلس الأعلى للمياه والهيئة التعديلية وغيرها، إلى جانب تنظيم تدخلات مختلف الفاعلين في مجال المياه.

أنفوغراف لتصريحات الخبيرة الدولية في مجال التصرف المندمج في الموارد المائية والتكيف مع تغيّر المناخ، روضة قفراج

بدوره شدّد المهندس البيئي والمختص في الشأن المناخي حمدي حشاد، على ضرورة التفكير في بدائل أكثر استدامة داعيا السلطات التونسية إلى اتخاذ تدابير سريعة ومستعجلة مفيدا بأن مئات الهكتارات لم يقع برمجتها في هذا الموسم الزراعي. معتبرا أن الخطط الموضوعة من قبل الدولة التونسية “متخبطة” وغير مستدامة وضعيفة في مواجهة هذه الحالة المناخية الاستعجالية. أكد حمدي حشاد أن الكلمة المفتاحية في التعامل مع التغيرات المناخية هي المرونة المناخية والصمود المناخي للمجتمعات الهشة وهي مصطلحات يراها بعيدة عن السياسة المعتمدة بتونس.

وأوضح أن تونس تسجّل هذا العام السنة الثامنة على التوالي جفافا، باستثناء سنة مطيرة 2018، في تكرّر مخيف لسيناريوهات الجفاف وتسجيل أرقام دون مستوى المعدلات العادية، مفيدا أن نقص التساقطات والموارد المائية يلقي بظلاله على القطاع الفلاحي المرتبط بالأمن الغذائي الذي بدوره يرتبط السيادة الغذائية ارتباطا وثيقا وهو ما يمكن أن يساهم في أزمة اقتصادية عميقة بتونس.

تهتم بعض الدراسات الجامعية في تونس بواقع الجفاف وندرة المياه ويسلط بعضها الضوء على أهمية محاولة التكيف والصمود الزراعي أمام التغيرات المناخية نظرا للارتباط الوثيق بين الماء والأمن الغذائي خاصة في قطاع الحبوب بدراسة فرص تعزيز الأمن الغذائي والمرونة الزراعية.

تفيد التقارير الأممية مثل تقرير منظمة الأغذية والزراعة “Unjust Climate“ أن تأثير التغيرات المناخية على النساء قد يكون متعدّد الجوانب حسب الظروف الجغرافية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. كما تؤثر على الصحة الجسدية للمرأة مثل الإجهاد الحراري وزيادة الإصابة بالأمراض خاصّة لدى النساء الريفيات وفي المناطق الأفقر في ظل صعوبة الوصول إلى الموارد. كما تهدّد الكوارث المناخية كالجفاف والفيضانات الأمن الغذائي للنساء والأطفال بالأساس.

ووفق اليونيسيف فإن التغيرات المناخية تؤثر على الحمل والأمومة خاصة مع تغير نظم الغذاء والمياه ما رفع نسب الإجهاض والوفيات. كما يعتبر الوصول إلى المواد الأساسية وفق الأمم المتحدة مثل المياه والطاقة والغذاء في العديد من المجتمعات، خاصة الفقيرة منها، مسؤولية المرأة ما يزيد عبء المسؤوليات اليومية عليهن في إدارة الموارد الأسرية، ويكرس العنف المسلط على النساء.

رسم بياني للعاملات في النظم الزراعية والغذائية وفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة واليونيسيف

تؤكد الإحصاءات الدّيمغرافيّة بتونس، وفق وزارة المرأة والأسرة، تطوّر عدد النّساء في المناطق الرّيفيّة إلى 1.78 مليون امرأة أي 32 بالمائة من مجموع النّساء و50,4 بالمائة من إجماليّ سكّان الرّيف في تونس. كما تمثّل النّساء في الوسط الرّيفي 70 بالمائة من مجموع اليد العاملة في القطاع الفلاحي، إلا أنّهن لا يمثلنّ سوى 15 بالمائة من القوّة العاملة القارّة و 8 بالمائة من عدد المشغّلين. ولتجنيب النّساء والفتيات في الوسط الرّيفي من التّبعات السّلبيّة للتّغيّرات المناخيّة وضعت وزارة الأسرة والمرأة بالشّراكة مع وزارة البيئة، الخطّة الوطنيّة حول المرأة والتّغيّرات المناخيّة في أوت 2022 لضبط أولويّات التّدخّل ومجالاته لفائدة هذه الفئة من النّساء التي تتأثر أكثر من غيرها بالتّغيرات المناخيّة، وفق بيان صادر عن الوزارة في 15 أكتوبر 2023.

رسم بياني عن النساء العاملات في القطاع الفلاحي بتونس وفق بيانات وزارة المرأة والأسرة

قدمت الإسكوا، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، دليلا تدريبيا” حصاد مياه الأمطار في المستجمعات الصغرى التخطيط والتصميم والتنفيذ”، يمكن تطبيقه في تونس، مشدّدة خلاله على أن حصاد مياه الأمطار يقلّل من المخاطر التي تهدّد النّظم المطرية، ويساعد كذلك على إعادة تأهيل النّظم الزراعية الرعوية المتدهورة في المنطقة العربية. وحفزت على استخدام هذا الدليل لتدريب المزارعين على اعتماد أنظمة حصاد مياه الأمطار، وذلك لمساعدتهم في تخطي فترات الجفاف الطويلة عبر توفير مياه إضافية لمحاصيلهم تمكنهم من تحقيق إنتاج زراعي ذي جدوى اقتصادية.

لم تقرأ الخالة دليلة (أمية)، دليل الإسكوا ولا تقريرها، ولم تسمع حتى عن هذه المنظمة يوما، لكنها انتهجت طرقا مستدامة للتكيف مع التغيرات المناخية ونقص المياه، فمنذ سنة 1996 قامت رفقة جارها باستقدام نبع عين جبلية، مقتدية بأحد جيرانها الذي استقدم أقدم عين بالمنطقة منذ سنة 1985، عبر أنابيب بلاستيكية من أعالي جبل الغرة، مستغلة بذلك التساقطات الهامة بالمنطقة “حصاد الأمطار” إما بجمع مياهها مباشرة في خزانات أو استغلال العيون المتكونة من المياه الجوفية المخزنة بفضل التساقطات الهامّة بالمنطقة. فكانت تجربتها ناجحة لسنوات طويلة لكن المشهد بدأ يتغير ويصبح أكثر قساوة وباتت المياه شحيحة صيفا حيث يتطلب ملء خزان سعته 1م³ ليلة كاملة.

الخالة دليلة أمام خزان الماء في مساحتها الزراعية الجديدة الصغيرة

لم تكن هذه أول تجربة ناجحة للخالة دليلة للتكيف والفلاحة الريفية المستدامة لضمان الاكتفاء الذاتي، بل تم نشر تقرير، في إطار مشروع أورومتوسطي Landscape resilience knowledge alliance for agriculture and forestry in the Mediterranean basin، عن تجربتها في تجديد التربة والحفاظ عليها بزراعات مستدامة تعتمد أساسا على إدخال البقوليات من أجل ضمان مرونة الإنتاج الزراعي في مجابهة التغيرات المناخية، دون أن تتلقى أي توجهات أو إرشاد من أي مصلحة أو طرف، هي فقط محاولات فردية لضمان غذائها ومجابهة التغيرات المناخية، وتحدي صعوبات الوصول إلى الموارد التي تواجهها معظم النساء الريفيات. لتبقى بذلك المرأة الريفية خاصة والمرأة عامة في صفوف “المقاومة ” الأولى لتحدي التغيرات المناخية.

تؤكّد الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، في تقرير لها، أن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن المرأة هي أفضل المحاربين على هذه الجبهة (جبهة المناخ)، “في جميع أنحاء العالم، تعمل النساء والفتيات كقائدات وصانعات للتغيير، ويحشدن الجهود من أجل التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره. كما أنهن يقدن مبادرات الاستدامة، وتسفر مشاركتهن عن تطبيق نهج مشترك ومنسق للعمل المناخي.”

دراسة منجزة عن الخالة دليلة وطريقتها في تجديد التربة / تصريح للأم المتحدة عن دور النساء في التكيف مع التغيرات المناخية

تنويه: “تم إنتاج هذا المنشور بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. محتوياته هي مسؤولية <نجاة فقيري> وحدها ولا تعكس بالضرورة آراء الاتحاد الأوروبي”.

زر الذهاب إلى الأعلى