سليديرمقالات

تحديات شجرة الزيتون في ظل التغيرات المناخية: تأثيرات متعددة.. وحلول مستدامة

رجاء الدريدي – كوسموس ميديا

تتزايد التحديات التي تواجه القطاع الفلاحي لا فقط في تونس بل على الصعيد العالمي، ومن بين هذه التحديات، تبرز شجرة الزيتون بوصفها رمزا حضاريا واقتصاديا في مناطق البحر الأبيض المتوسط.

تشهد شجرة الزيتون، المعروفة بمتانتها وقدرتها على التكيف، على تأثيرات لا يمكن تجاهلها ناتجة عن التغيرات المناخية. في هذا السياق، يتعين علينا فهم كيفية تأثير التغير المناخي على شجرة الزيتون في ظل تزايد درجات الحرارة وتقلباتها، وكذلك تغيرات نمط هطول الأمطار وكمياتها، فضلا عن التحديات المائية المتزايدة.

هل ستستمر شجرة الزيتون في الصمود على مدى التحولات المناخية الحادة؟ وما هي الابتكارات الزراعية والاستراتيجيات التي يمكننا اعتمادها للمحافظة على هذا الموروث الثقافي والاقتصادي؟

سنستكشف في هذا المقال تأثيرات التغيرات المناخية على ديناميات نمو وإنتاج شجرة الزيتون، وكيف يمكن للفلاح أن يستجيب بفعالية لتلك التحديات، بغية الحفاظ على تراث قرون وضمان استمرارية إنتاج زيت الزيتون أو ما يطلق عليه “الذهب الأخضر”.

أثر التغيرات المناخية

يشير الأستاذ بالمعهد العالي للبيوتكنولوجيا بصفاقس محمد بوعزيز في حديثه لـ“كوسموس ميديا” إلى أن آثار التغير المناخي تظهر بوضوح من خلال ارتفاع درجات الحرارة وتكرار سنوات الجفاف وقلة التساقطات، مسلطا الضوء على ارتفاع درجات الحرارة خلال شهر نوفمبر، التي أصبحت مرتفعة، مما يؤثر سلبًا على شجرة الزيتون وأدائها الإنتاجي.

ويتابع محمد بوعزيز: “بفعل التغيرات المناخية تأثرت دورة حياة شجرة الزيتون مما أدى إلى تراجع المردودية نظرا لتقلبات الطقس التي تواجهها الشجرة”.

وبالعودة إلى الأرقام، يظهر أن إنتاج تونس من الزيتون قد شهد انخفاضًا خلال موسم 2022-2023، حيث بلغ حوالي 900 ألف طن. ويترتب على هذا الانخفاض توفير نحو 180 ألف طن من زيت الزيتون، بالمقارنة مع الموسم السابق الذي شهد إنتاجًا يصل إلى 1.2 مليون طن من الزيتون و240 ألف طن من زيت الزيتون، وفقا لتقارير المرصد الوطني للفلاحة، التي تم نشرها في مارس 2023.

طرق التكيّف…

تواجه تونس تحديات كبيرة في مواجهة نقص المياه، الأمر الذي دفع وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري إلى اعتماد سياسات تقشف في استهلاك المياه، بما في ذلك تطبيق نظام الحصص لتوزيع المياه، وتبنت شركة استغلال وتوزيع المياه سياسة تقليل كميات المياه المستخدمة، بما في ذلك توقيف ضخ المياه لفترات تصل إلى سبع ساعات خلال الليل. بالإضافة إلى ذلك، قامت الوزارة بفرض قيود صارمة على استخدام المياه الصالحة للشرب في أغراض أخرى، مثل الري الزراعي والمساحات الخضراء، وتنظيف الشوارع والأماكن العامة، وغسل السيارات.

وتوضح الوثيقة التوجيهية تونس 2035، التي أصدرتها وزارة الاقتصاد والتخطيط في صيف 2022، أن تونس تواجه ضغوطًا متزايدة على مواردها المائية. ففي عام 2019، بلغ معدل الإجهاد المائي 107.9%، مقارنة بنسبة 79.1% في عام 2010. ويُعزى هذا الارتفاع إلى استغلال الموارد المائية بشكل مفرط وعشوائي، حيث وصلت نسبة الاستغلال في بعض المناطق إلى أكثر من 188%.

وفي هذا السياق، يتبين أن هناك حاجة ملحة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، للتفكير في حلول عملية للحد من تأثيرات التغيرات المناخية على القطاع الزراعي بشكل عام، وعلى قطاع الزيتون بشكل خاص.

وعلى هذا الأساس حث محمد بوعزيز على اعتماد حلول تتناسب مع الواقع الحالي، مثل استخدام المياه المستعملة في ري أشجار الزيتون. يأتي هذا بناءً على الاعتبارات البيئية والاقتصادية، حيث تحتوي هذه المياه على مواد عضوية تسهم في تحسين تركيبة التربة، وبالتالي تحقيق إنتاجية ممتازة.

دور الجامعات والبحوث العلمية

أكد الأستاذ بالمعهد العالي لدراسات البيوتكنولوجية بصفاقس على الدور الفعال والبارز للجامعات والبحوث العلمية في تكوين الفلاحين وتوجيههم نحو تطوير مهاراتهم من خلال تقديم برامج تعليمية متخصصة في الزراعة مما يمكنهم من فهم احتياجات القطاع الزراعي والمشكلات التي يمكن أن يواجهها الفلاحون.

تبقى التغيرات المناخية تشكل تحديًا كبيرًا لشجرة الزيتون، يتطلب التصدي لها اتخاذ إجراءات فعالة وتبني سلوكيات مستدامة للمحافظة عليها وضمان استمرار إنتاجها.

زر الذهاب إلى الأعلى