سليديرمقالات

الري الذكي في خدمة الفلاحة التونسية

تقنيات حديثة لمستقبل أخضر و مستدام

تصمد تونس أمام تحديات متزايدة في إدارة مواردها المائية والزراعية في ظل التغيرات المناخية والضغط على الموارد الطبيعية.

وفي هذا الصدد، نظمت مدينة بنزرت ورشة عمل ختامية لمشروع “التكيف مع تأثيرات تغير المناخ من خلال الري الذكي في منطقة غار الملح”، وهو مشروع نموذجي يجمع بين التكنولوجيا والحوكمة البيئية لتحقيق استدامة زراعية.

تهدف هذه المبادرة، التي نفذتها منظمة الشراكة العالمية للمياه بالمتوسط، بالتعاون مع المعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس، وتحت إشراف وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التونسية، وبالشراكة مع المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية ببنزرت، إلى تحسين كفاءة استخدام المياه، وتعزيز الإنتاجية الزراعية، من خلال تقنيات الري الذكي والطاقة المتجددة.

وقد تم تمويلها بشكل مشترك من قبل وزارة الشؤون الخارجية والأوروبية والتجارية المالطية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

دور الري الذكي في تعزيز الاستدامة الزراعية

يعتبر هذا المشروع نموذجا تطبيقيا لمقاربة WEFE Nexus التي تقوم على التكامل بين المياه، الطاقة، الغذاء، والأنظمة البيئية. وقد مكن المشروع أربعة مزارعين في منطقة غار الملح من استخدام تقنيات ري ذكي تعتمد على أنظمة الاتصالات الحديثة، مما ساهم في تقليل استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 20% و54%، إلى جانب زيادة الإنتاج الفلاحي بنسبة 25% إلى 50%.

كما أسهم في خفض التكاليف الطاقية عبر تشغيل أنظمة الري بالطاقة الشمسية، مما عزز من الجدوى الاقتصادية والاستدامة الزراعية.

أكد الخبراء المشاركون في الورشة أن الطاقة المتجددة تلعب دورا محوريا في تقليل الفاتورة الطاقية للمزارعين. فالاعتماد على الألواح الشمسية لتشغيل مضخات المياه ساهم في خفض التكاليف التشغيلية وتحقيق استخدام أمثل للموارد المائية.

وفي هذا السياق، صرح علي الساحلي، أستاذ باحث بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية بتونس،  لمنصة كوسموس ميديا قائلا:” يمكن للطاقة المتجددة أن تسهم بشكل كبير في خفض تكاليف الطاقة في القطاع الفلاحي، مما يساعد المزارعين على تقليص الأعباء المالية. كما تعزز كفاءة أنظمة الري وترفع مستوى الإنتاجية، مما يجعلها عنصرا أساسيا لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية “.

تحديات تنفيذ مشروع الري الذكي: التمويل ودعم الفلاحين

رغم النجاحات التي حققها المشروع، إلا أنه واجه تحديات أساسية، أبرزها التمويل ودعم الفلاحين في تبني التكنولوجيا الحديثة. فقد شكلت التكاليف الأولية لاعتماد أنظمة الري الذكي والطاقة المتجددة عقبة أمام العديد من الفلاحين، ما استدعى البحث عن حلول تمويلية أكثر مرونة.

وفي هذا الإطار، أوضح الخبير في الحوار السياسي للمشروع، الأستاذ قيس عيّاد، في مداخلة مع منصة كوسموس ميديا، أنه ” تم تنظيم لقاءات مع الفاعلين الرئيسيين، من فلاحين وصناع قرار، بهدف جمع المعلومات حول أدوارهم ومسؤولياتهم في العملية الزراعية، من خلال مراجعة شاملة لفهم التحديات والفرص المتاحة “.

وأضاف أن ” المشروع لم يقتصر على توفير الحلول التقنية، بل بادر إلى تنظيم ورش عمل لتشخيص الصعوبات الفعلية التي يواجهها المزارعون، مما ساهم في تطوير خطة عمل مشتركة بينهم وبين صناع القرار. ويهدف هذا النهج إلى إرساء إطار مؤسساتي مستدام يدعم تبني هذه التقنيات على المدى الطويل “.

التجربة الميدانية: شهادات المزارعين حول تأثير المشروع

أكد المزارع أمين بوعجيلة، أحد المستفيدين من المشروع، لمنصة كوسموس ميديا، أن استخدام الري الذكي والطاقة الشمسية حسّن من كفاءة استهلاك المياه، مما أدى إلى تقليل التكاليف والمصاريف المرتبطة بالري.

مضيفا بالقول:” لاحظت زيادة في الإنتاجية وتحسن جودة المحاصيل. كما ساعدت هذه التقنية في الحد من الأمراض الزراعية مثل مرض ‘الميلديو’ الذي يهدد صحة الزراعات “.

بدوره، عبّر الفلاح توهامي بوعجيلة عن التحديات التي واجهها عند الانتقال من الطرق التقليدية إلى الري الذكي، حيث قال في تصريح لمنصة كوسموس ميديا:” كان من الصعب فهم التكنولوجيا الحديثة وكيفية تركيب الأنظمة الذكية. كما كانت هناك تحديات في التكاليف الأولية للمشروع، حيث تطلب الأمر تقييم العوائد المالية على النطاق الواسع “.

واستخلص الفلاح لطفي كوكي تجربته في عبارة شاركها مع منصة كوسموس ميديا قائلا ” الري الذكي يجلب الخير الوفير”.

كما يعمل كوكي على تشجيع المزارعين على تبني الري الذكي نظرا لكونه يرى أنه من الضروري على الفلاحين تطوير مكتسباتهم العلمية والتأقلم مع مستحدثات القطاع الفلاحي.

وفي هذا الإطار، أكدت الدكتورة سندس نجومي منسقة المشروع لمنصة كوسموس ميديا، أنهم عملوا على توعية الفلاحين من خلال تقديم تدريبات حول كيفية استخدام التكنولوجيات الحديثة. كما وفروا دعم فني مستمر من قبل فريق تقني لمساعدتهم في الاستخدام الفعّال لهذه الأنظمة. وأشارت إلى أن أحد أبرز التحديات التي واجهها المشروع هو تأمين الدعم المالي للمزارعين، نظرا لارتفاع تكاليف اعتماد التقنيات الحديثة.

في ظل سعي تونس إلى تعزيز سياسات أكثر صرامة في إدارة المياه والطاقة، يمثل هذا المشروع خطوة محورية نحو تعميم تقنيات الري الذكي وتعزيز التعاون بين الحكومة، القطاع الخاص، الأكاديميين، والمزارعين لتحقيق أمن غذائي ومائي مستدام.

ويعد الاستثمار في البنية التحتية الذكية، والتدريب المستمر، وتوفير الدعم المالي عاملا رئيسيا في توسيع نطاق هذه التجربة، مما يعزز قدرة القطاع الفلاحي التونسي على مواجهة تحديات التغيرات المناخية وضمان استدامته.

ميساء زعيره / كوسموس ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى