في قلب الجنوب التونسي، وتحديدًا في الفترةالممتدة بين 31 ماي و3 جوان 2025، عاشت ولاية قابس على وقع الدورة السادسة من المهرجان الدولي للسينما البيئية، الذي نظمته الجمعية التونسية للبيئة والطبيعة.
تظاهرة بيئية و فنية جمعت بين الصورة والرسالة، وجعلت من السينما منبرا للتوعية، وصرخة في وجه التلوّث والنسيان.
بين الإبداع البيئي والتحدّي الفني
استقبل المهرجان نحو 70 فيلما بيئيا من تونس والعالم العربي، لكن لجنة الانتقاء لم تحتفظ إلا بـ17 فيلمًا، وِفق ما أكّده مدير المهرجان فؤاد كريم، الذي أشار إلى “أن الأفلام المختارة تميزت بجودة تقنية عالية، وجرأة في الطرح، وارتباط وثيق بالقضايا البيئية المعاصرة، خاصة تلك التي تمس الواقع المتضرر بشدة من التغيرات المناخية والصناعات الكيميائية.
ورغم محدودية الإمكانيات، أكّد كريم أن “رسالة المهرجان تظل نبيلة: خلق وعي بيئي جماعي وتعزيز العدالة البيئية من خلال الفن السابع”.
السياحة البيئية: رهان تنموي جديد
ضمن فعاليات المهرجان في اليوم الثاني انتظمت زيارة ميدانية بمرافقة المندوب الجهوي للسياحة بقابس إلى مدينة مطماطة التي تحولت إلى فضاء مفتوح للاستكشاف.
في هذا السياق، أكّد المندوب الجهوي للسياحة بقابس،بشير القديري أن المشاركة في المهرجان تمثّل جزءًا من استراتيجية دعم السياحة البيئية بالجهة، قائلاً:”سعينا من خلال مشاركتنا إلى إعطاء قيمة حقيقية للسياحة البيئية، باعتبار أن البيئة عنصر أساسي من عناصر الجذب السياحي. فلا يمكن الحديث عن سياحة دون التطرّق إلى البُعد البيئي.”
وأضاف أن المندوبية تعمل على دعم مثل هذه التظاهرات التي تساهم في تعزيز صورة قابس كوجهة سياحية بيئية واعدة.
الورشات التدريبية تعلم وإبداع
لم يقتصر المهرجان على العروض فقط، بل احتضن ورشة تدريبية قيّمة تناولت صناعة الفيلم الوثائقي التي قدمها المخرج المصري أكرم مصطفى. وقد اعتبرها المشاركون، من نشطاء واعلامين و صناع أفلام، مساحة للتعلّم والتجريب.
و في هذا السياق أوضح الناشط بالمجتمع المدني عياض الرباعي أن الورشة ساعدتهم على اكتساب مهارات تقنية وفنية قائلاً:”تعرّضنا إلى مفاهيم أساسية حول العناصر التركيبية للفيلم الوثائقي، وتعرّفنا على كيفية التعامل معه كوسيلة لنقل قضايا المجتمع والبيئة بعمق وتحليل.”
أما قدس مشيري، إحدى المشاركات، فوصفت التجربة بأنها مهمة و مفيدة منحتها أدوات تعبير جديدة، كما تعلّمت من خلالها آليات تساعد على إيصال الفكرة بطريقة نقدية.
انطباعات وشهادات من قلب المهرجان
أثارت بعض الأفلام التونسية اهتمام الإعلاميين والضيوف العرب و المتفرجين.
وفي هذا الإطار عبّر الصحفي الدولي حاتم الصكلي عن إعجابه بالتجربة التي قدمها المهرجان، حيث قال: “تعرّضنا خلال المهرجان إلى أفلام ذات قيمة موضوعية، تواكب التهديدات البيئية العالمية. اعتدنا أن تكون السينما مساحة لطرح قضايا اخرى، لكن هذه أول مرة أتابع سينما بيئية ذات طابع آني مهم.”
وفي حديثه عن الأفلام، نوّه الصكلي بفيلمَي “الأراضي الرطبة” و”زريعة”، مشيرًا إلى أن الأول جذب انتباهه من حيث الإمكانيات التقنية وطرح الفكرة، بينما تميز الثاني بجرأته في التطرّق إلى مسألة البذور الأصلية والسيادة الغذائية.
ومن جهتها اعتبرت الممثلة اليونانية التونسية هيلين كاتزارس ، التي حضرت العروض والنقاشات، ان المهرجان فرصة لمناصرة البيئة من موقعها الفني، في ظل المعاناة التي تعيشها قابس، من الضروري دعم مثل هذه المبادرات. على أمل أن تتكرّر هذه التظاهرات لأنها تفتح المجال لطرح الإشكاليات البيئية والمطالبة بحق قابس في بيئة سليمة،على حد تعبيرها.
أما المتفرجة سبأ تلمودي فقد اختارت أن تعبّر عن إحساسها تجاه الأفلام من زاوية الانتماء، قائلة:”جميع الأفلام كانت ممتازة، لكن لفتني بشكل خاص أفلام تونسية مثل “برباشي” و”زريعة”و”يا حسرة”، إلى جانب الفيلم العماني “الأراضي الرطبة”. هذه الأعمال سلطت الضوء على معاناة بيئية نعيشها يوميا، في قابس التي كانت تُعرف بالجنة، لكنها اليوم تقاوم من أجل البقاء.
معايير دقيقة ورسائل متنوّعة
أكد رئيس لجنة التحكيم في المهرجان، خالد بوزيد، أن عملية تقييم الأفلام ارتكزت على معايير دقيقة وشاملة، شملت جودة الصورة، المونتاج، طرح الفكرة، والإخراج. وأوضح بوزيدي أن الأفلام تم تصنيفها إلى فئتين رئيسيتين: أفلام روائية وأفلام وثائقية، مما ساهم في إظهار تنوع المواضيع والأساليب الفنية التي ميزت المهرجان.
وأضاف بوزيد:”أنا سعيد بتنوع الأفلام وموضوعاتها، حيث تناول كل فيلم قضية بيئية مهمة، سواء حول التنوع البيولوجي البحري أو المناطق الرطبة التي كثيرًا ما تُغيب عن الأنظارو نغفلها أحيانًا في الإعلام.”
وشدد على أهمية التوعية منذ الطفولة من خلال توزيع بعض هذه الأفلام في المدارس لتعزيز وعي الأجيال الصغيرة بالقضايا البيئية لبناء جيل واعٍ قادر على حماية بيئته وحمايتها مستقبلاً.
جوائز تُتوج قضايا ملحّة
وفي ختام الدورة السادسة من المهرجان الدولي للسينما البيئية، التقى الفن بالاعتراف، حيث توجت الأعمال المتميزة بجوائز تقديرًا لجهود صُنّاعها والتزامهم بقضايا البيئة، مؤكدة مكانة قابس كركيزة رئيسية في خريطة السينما البيئية.
من بين الأفلام الفائزة، نذكر فيلم “ياحسرة” للمخرج محمد المولدي عبد الجواد، الذي وثّق تدهور الثروة السمكية في خليج قابس، قائلاً:”كان البحر مصدرًا للخيرات، لكنه اليوم يفقدها بفعل المجامع الكيميائية والتلوث.
مضيفا: “أردت أن أوصل هذه الحقيقة بالصوت والصورة رغم التحديات العديدة،لكن تبقى الرسالة أقوى من كل عائق”.
وفيما يلي قائمة المتوجين:
فئة الأفلام الروائية:
الرمانة الذهبية لأفضل فيلم روائي:
“شيروا” لرابار إبراهيم – العراق
“شعلة” لهاني قريشي – العراق
(لعمل يُجسّد مأساة بيئية ناجمة عن التلوّث الصناعي)
جائزة لجنة التحكيم الخاصة:
“يا حسرة” للمخرج التونسي مولدي عبد الجواد
فئة الأفلام الوثائقية:
شهادات تشجيعية:
“أصدقاء الجبل” لمحمد توفيق القصير – ليبيا
“Le retour de la pierre” – اليونان
“ماسة بين الحياة والموت” – المغرب
الرمانة الذهبية:
“River Blessed”
الرمانة الذهبية:
“بيتاكاروتين” لمحمد الدروشي
أفضل مونتاج:
“لن أغادرها أبدًا” لعلوي السقاف – اليمن
أفضل محتوى وجرأة في الطرح:
“برباشي” لنوال محجوبي – تونس
فئة الأعمال المتكاملة:
الرمانة البرونزية:
“جذور” لجمال باشا – الجزائر
“Sardinelles, une responsabilité”
الرمانة الفضية:
“زريعة” لفتحية خذير – تونس
“المناطق الرطبة” عبد الرئيسي عمان
لم يكن المهرجان تظاهرة فنية عابرة، بل كان، كما وصفه أحد الحضور، “حالة مقاومة سينمائية”، استحضرت ما فقدته قابس، وطرحت أسئلة كبيرة عن العدالة البيئية وحق المواطن في بيئة سليمة.
رجاء الدريدي / كوسموس ميديا