رجاء الدريدي – كوسموس ميديا
سجلت حرائق الغابات في تونس ما بين 1 جانفي و18 جويلية 2023، 56 حريقا، مقابل 156 حريقا في نفس الفترة من سنة 2022.
وقد أتت النيران على مساحات غابية فاقت 3 آلاف هكتار، من غابات الصنوبر الحلبي والقضوم وغيرها من الأشجار الأخرى والتي تتمركز أساسا في جهات الشمال الغربي والوسط الغربي من البلاد التونسية التي تعد رئة تونس وهذا ما خلّف أضرارا بيئية تهدد الحياة البرية.
وفي هذا السياق تحدثت الناشطة البيئية والحقوقية راضية الوحيشي خلال استضافتها في برنامج كوسموس البيئي الذي بث بتاريخ 12 أكتوبر الحالي، عن أهم الأسباب والعوامل المساهمة في اندلاع الحرائق وأشارت إلى أهمية فهم تأثير التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة في اندلاع الحرائق، وكيف يؤثر ذلك بشكل مباشر على الغابات.
الحرائق جريمة منظمة تهدد الغابات ومتساكنيها
اعتبرت راضية الوحيشي أن حرائق الغابات جريمة منظمة ضد البيئة والحياة البرية لا يمكن تجاهلها، مضيفة في نفس السياق أن “الحرائق هي من أكبر المسائل خطورة في استنزاف مواردنا الغابية، كما أن الغابات هي أكثر الأنظمة المهددة بسبب تتالي الحرائق وهذا يؤثر على التنوع البيولوجي”.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن أكثر من 80% من أبراج المراقبة في الغابات هي خارج الخدمة ودون حراس بشكل متعمد ولا تستغل لرصد المجرمين والتبليغ عن اندلاع الحرائق.
وتحذر المنظمات البيئية منذ سنوات من التهديد الذي يواجه الثروة الغابية في تونس، سواء بسبب الجفاف أو الحرائق خلال فصل الصيف، أو نتيجة قطع الأشجار من مساحات واسعة لاستغلالها، وتكتسب هذه المشكلة أبعادا خاصة في المناطق الشمالية الغربية للبلاد.
وبالعودة إلى الأرقام في هذا الإطار ، نجد أن ولاية سليانة سجلت وقوع 49 حريقًا، 42 منها في الوسط الغابي، وأدّت إلى إتلاف مساحة تقدر بـ 1236 هكتارًا من الغابات، ويشكل 95% من هذه الحرائق حالات اندلاع مفتعلة.
تجارب صعبة؟!
شارك الكامل العبيدي أصيل منطقة الكريب من ولاية سليانة وهو واحد من المتضررين من هذه الحرائق، تجربته “الصعبة” لمشروعه الممتثل في تربية النحل، والذي تأثر بشكل كبير جراء الحرائق التي تجتاح المنطقة، وعبّر خلال حضوره في فقرة “كوسموس لوديبا” ضمن برنامج “كوسموس”، عن قلقه إزاء احتمالية النزوح، مؤكدا أن المتساكنين لا يستطيعون الاستمرار في العيش في مكان يعاني من تكرار الحرائق وتداولها المستمر مع تهديد مصادر رزقهم وحياتهم اليومية.
كما أكد الكامل العبيدي أن الملك الغابي أصبح مهددا في الأيام الأخيرة نتيجة الاعتداءات المتكررة من قبل الشركات الخاصة المدمرة للغابات، من خلال قطع الأشجار بشكل جائر وغير مسؤول ورمي النفايات إلى جانب الحرائق المفتعلة.
حرائق مفتعلة
على الرغم من أن تونس واجهت في السنوات الأخيرة ظاهرة الحرائق في المحاصيل الزراعية، والتي تسببت في خسائر مادية كبيرة للفلاحين، إلا أن هذه الظاهرة اتسعت مؤخرا لتشمل السلاسل الجبلية الوعرة، مما يثير العديد من التساؤلات حول أسباب اندلاع هذه الحرائق والصعوبات التي تواجه محاولات مكافحتها.
في هذا الإطار أفاد ضيف برنامج “كوسموس”، الكامل العبيدي بأن الحرائق التي تجتاح منطقة الكريب قد تكون نتيجة للأنشطة غير المسؤولة للشركات الخاصة أو الباعثين العقاريين ممن يريدون استغلال عدة مساحات لبعث مشاريع استثمارية لتحقيق الربح السريع عبر استغلال موارد الغابات واستنزافها.
وفي هذا الإطار، أثبت تقرير للأمم المتحدة يحمل عنوان “حرائق الغابات المميتة والتلوث الضوضائي والاضطرابات في توقيت مراحل دورة الحياة”، واقعا مثيرا للقلق في ما يتعلق بالحرائق الغابية على مستوى العالم. ففي الفترة ما بين 2002 و2016، تم حرق متوسط يبلغ 423 مليون هكتار، وهو ما يُعادل 4.23 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض، وهي مساحة تقارب حجم الاتحاد الأوروبي بأكمله.
استراتيجيات على ورق…
وصفت الناشطة البيئية الاستراتيجيات بالضعيفة من ناحية التفعيل على أرض الواقع، إذ تظل هذه الاستراتيجيات مدونة على الورق، دون أن تترجم إلى إجراءات فعالة وملموسة في سياق الواقع للتصدي للحرائق.
ودعت راضية الوحيشي إلى ضرورة تظافر الجهود بين المجتمع المدني والمحلي والخبراء والدولة من أجل تفعيل و تعزيز الاستراتيجيات وتنفيذها على أرض الواقع لحماية الغابات من الاعتداءات.
تبعات اقتصادية وبيئية
أفادت الخبيرة راضية الوحيشي بأن حرائق الغابات تمثل تهديدا خطيرا على الموارد الغابية والتنوع البيولوجي والحياة البرية وهجرة الثروة الحيوانية كالطيور، مؤكدة أهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي.
وتابعت قائلة: “إن لتونس مخزونا طبيعيا وثروات في غاباتها ومحمياتها ومناطقها الرطبة يجب المحافظة عليها”.
على الرغم من أن هذه الحرائق تتسبب في خسائر كبيرة في الثروة الغابية، حيث تخسر تونس كل عام حوالي 3 آلاف هكتار من التغطية النباتية، إلا أن المتضررين المباشرين هم المزارعون وسكان الجبال. ويتكبد هؤلاء الأفراد خسائر كبيرة في مصادر رزقهم وزراعتهم ورعي مواشيهم.
وفي هذا الصدد أكدت الوحيشي أن حرائق الغابات لها تأثير اقتصادي سلبي، حيث يفقد الإنسان ليس فقط مصدرا للغذاء، بل وأيضا مصدرا للرزق. وركزت على أهمية الغابات كمورد أساسي للرزق بالنسبة لسكان الغابات، وعندما تتأثر، يتأثر كل جانب في حياته، وفق تقديرها.
غطاء نباتي متنوع وغني
تمتدّ الغابات في تونس على مساحة تقارب حوالي 4.6 ملايين هكتار، أي ما يعادل 34 في المائة من مساحة التراب الوطني. كما تزخر الغابات، لا سيما في الشمال والشمال الغربي، بأشجار متنوعة على غرار أشجار الصنوبر والعرعار.
وأفاد الكامل العبيدي، في هذا الجانب، بأن منطقة الكريب من ولاية سليانة تتميز بتنوع غني في غطائها النباتي، حيث تضم غابات الصنوبر الحلبي وغابات الزان وغابات بوحداد والكشريد، مشيرا إلى أن هذا التنوع البيئي الثري يواجه الآن تهديدا خطيرا، حيث تتحول بعض المناطق إلى مناطق متصحرة جافة لا يطيب فيها العيش.
التدخل غير السريع تحدّي كبير
أفاد الكامل العبيدي في ما يتعلق بإخماد الحرائق بالكريب بأن التدخل السريع يأتي بشكل أساسي من قبل الأهالي، الذين يظهرون سرعة استجابة ملحوظة في التصدي للحرائق، في حين أن المصالح الغابية تواجه صعوبات في التحرك والوصول بسرعة نظرا للطبيعة الوعرة للجبال والتحديات التي تواجههم في الوصول إلى مواقع الحرائق.
وطالب في هذا الإطار، السلطات المحلية بمراعاة الظروف القاسية التي يواجهها متساكنو الغابات في ظل تهديد كبير بالنزوح نتيجة للحرائق المتكررة وتراجع الغطاء النباتي وبسبب نقص المياه وتفاقم مشكلة العطش.
يذكر أن المعدل السنوي للحرائق قد ارتفع بعد اندلاع الثورة بشكل كبير إذ أتت النيران سنة 2013 على حوالي 14 ألف هكتار، وفي سنة 2017 أتلفت ما يناهز 17 ألف هكتار، وفي عام 2021 تجاوزت الخسائر 27 ألف هكتار. وقبل سنة 2011 كان لا يتجاوز أثر الحرائق ما يناهز 3 هكتارات كمعدل سنوي، وهو ما يستدعي وفق الخبراء الذين استضافهم برنامج “كوسموس”، ضمن حلقتين في إطار شهر الغابات، تطبيق القانون بحزم على المخالفين وإقامة نظام فعال للمراقبة باستخدام وسائل متطورة،كما يجب تحسين وضعية جهاز إدارة الغابات وظروف العمل لحراس الغابات الذين يواجهون تحديات بسبب الإمكانيات المحدودة التي تعيق قدرتهم على أداء مهامهم بفعالية.