سليديرمقالات

قابس بين الوعود التنموية والمخاوف البيئية: مشاريع جديدة أم إستمرار لسياسات التّلوث؟

تمر ولاية قابس بمرحلة مفصلية في تاريخها، حيث تواجه سلسلة من القرارات الحكومية المثيرة للجدل التي تسعى إلى دفع عجلة الاقتصاد الوطني من خلال مشاريع صناعية، خاصة في قطاع الفوسفاط والصناعات الكيميائية.

في هذا الصدد، تبرز خطوة الحكومة نحو إنتاج الأمونيا الخضراء كجزء من استراتيجية لتحفيز الاستثمار ودعم التحول إلى الطاقات المتجددة. كما تسعى الحكومة إلى إعادة استغلال الفوسفوجيبس، رغم ما يثيره ذلك من جدل علمي وبيئي حول مدى أمانه.

ومع ذلك تعلو أصوات المجتمع المدني محذّرة من أن هذه المشاريع ستؤدي إلى استمرار نموذج تنموي غير مستدام يُفاقم من الأضرار البيئية والصحية التي تعاني منها المنطقة منذ عقود من الزمن.

الرهانات الحكومية: استثمارات جديدة وتعزيز النمو الإقتصادي

تسعى الحكومة التونسية من خلال المشاريع المعلن عنها إلى تحقيق أهداف اقتصادية متعددة، ومنها إنشاء وحدات نموذجية لإنتاج الأمونيا الخضراء، وتحويل الفوسفوجيبس من مادة سامة إلى مادة قابلة للاستخدام الصناعي. هذه المشاريع تهدف حسب ما أعلنته الحكومة إلى تحسين الميزان التجاري، خلق فرص عمل، وتعزيز الانتقال الطاقي.

ومع ذلك، تواجه هذه السياسات انتقادات واسعة على صعيد الأبعاد البيئية والاجتماعية، خاصة في ولاية ڨابس التي تعدّ واحدة من أكثر المناطق تضررا من التلوث الصناعي في تونس، حيث يرى العديد من المعارضين أن هذه المشاريع تكرس نموذجا تنمويا لا يعير الاهتمام الكافي للمخاطر البيئية التي تهدد صحة السكان وباقي الكائنات الحية، وتستنزف الموارد الطبيعية.

تصاعد الإحتجاجات: المجتمع المدني يدق ناقوس الخطر

في تطور جديد على الساحة البيئية في تونس، أعلن حراك ” أوقفوا التلوث… نحب نعيش” و”الشبيبة من أجل المناخ تونس” عن تجديد مطالبهما بتفكيك الوحدات الصناعية في ڨابس، وذلك عقب البلاغ الصادر عن الحكومة في 5 مارس 2025 حول برنامج تطوير إنتاج ونقل وتحويل الفسفاط.

هذا البيان الحكومي، الذي يتضمن إلغاء مادة الفوسفوجيبس المشعة من قائمة المواد الخطرة وتحويلها إلى مادة معدة للإنتاج، إضافة إلى إقرار مشروع تركيز وحدة لإنتاج الأمونياك في المنطقة الصناعية بڨابس، يعتبر ” خطوة خطيرة على الصعيد البيئي والصحي في جهة يُمارس عليها الإرهاب البيئي ” وفق تعبيرهم.

كما وصف النشطاء هذا البيان بأنه تهديد صريح لصحة المواطنين وسلامة البيئة. وأوضحوا عبر صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن هذا التغيير يعدّ محاولة لتلميع السياسات البيئية الفاشلة التي تستنزف موارد تونس الطبيعية وتزيد من أزمة التلوث.

وأشار الحراك إلى أن مشروع إنتاج الأمونيا الخضراء في ڨابس، الذي يروّج له كحل بيئي مستدام، ليس سوى غطاء لاستمرار نفس السياسات المدمرة التي تعمّق من استنزاف الموارد المائية في دولة تعاني من أزمة عطش حادّة.

في هذا السياق، شدّد المناضلون بضرورة تطبيق قرار 29 جوان 2017 الذي يقضي بتفكيك كل الوحدات الملوثة في ڨابس. معتبرين أن التراجع عن تنفيذ هذا القرار يعني الاستمرار في سياسة التضحية بصحة المواطنين وحقوقهم، مما يعمق الوضع المأساوي في المنطقة.

كما أكدت الحركات البيئية على وجوب تبني حلول فعلية تضمن تنمية عادلة تحترم البيئة وحقوق الإنسان. داعين كافة المواطنين والمنظمات الوطنية إلى التكاتف والتعبئة لمواجهة هذه المشاريع المدمرة، والدفاع عن حقهم في بيئة سليمة إستنادا إلى الفصل 47 من الدستور التونسي المؤرخ سنة 2022 الذي تضمن فيه الدولة ” الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ، وتوفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي “.

بين التنمية والاستدامة: معادلة صعبة

يؤكد الفاعلون في المجتمع المدني أن هذه المشاريع تعكس الأزمة البيئية في ڨابس، حيث تتعارض الأولويات الاقتصادية مع الحقوق البيئية والصحية للمواطنين. في الوقت الذي تبرر فيه الحكومة قراراتها بالحاجة إلى تعزيز القطاع الصناعي ودعم الاقتصاد الوطني، يظل من غير الواضح كيف يمكن الموازنة بين هذا الهدف وبين الحفاظ على صحة البيئة وحقوق السكان.

وبيّنوا أن هذه الاحتجاجات تعكس أزمة ثقة متزايدة بين الدولة والمجتمع المدني، في ظل غياب الشفافية حول التفاصيل التقنية للمشاريع الجديدة وعدم تشريك للمواطنين في اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبلهم البيئي.

في ظل تزايد الوعي البيئي لدى السكان، تواجه الحكومة تحديا كبيرا في تحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية. وستكشف الفترة القادمة ما إذا كانت تونس قادرة على إيجاد حلول لهذه المعادلة الصعبة، أم ستظل ڨابس ساحة لصراع مستمر بين المصالح الاقتصادية وحق السكان في بيئة آمنة ومستدامة للأجيال القادمة.

ميساء زعيره/ كوسموس ميديا

 
زر الذهاب إلى الأعلى