أمل الصامت – كوسموس ميديا – بات التنوع البيولوجي، خلال السنوات الأخيرة في توس، مهدّدا بفعل الأنشطة البشرية القائمة على الافراط في الاستغلال والمطنبة في التلويث، سواء تعلق الأمر بالصناعات أو الفلاحة أو حتى أبسط الممارسات اليومية وذلك من خلال استهلاك المبيدات والأسمدة غير العضوية والمواد السامة الملوثة للهواء والتربة والتي تضم 90% من الكائنات الحية.
وناقش برنامج كوسموس المختص في البيئة يوم الثلاثاء 11 أفريل 2023، هذه التهديدات من زاوية مختلفة، إذ تحدث عن صناعة الاسمنت ومدى خطورتها على التنوع البيولوجي.
وبينت الحصة أن صناعة الاسمنت تعتبر من بين أهم الصناعات في البلاد، إذ تحتل المراتب الأولى من حيث التصدير، كما تنتشر مصانع الاسمنت في مختلف مناطق الجمهورية التونسية وتوفر مواطن شغل عديدة، وهو ما يجعل المعادلة تصبح صعبة من ناحية التوفيق بين المحافظة على التنوع البيولوجي وحماية البيئة وصحة الانسان وبين أهمية هذه الصناعة من الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير في شؤون البيئة والتنمية المستدامة سمير المدّب أن هذه المعادلة تتنزل في صلب مفهوم التنمية المستدامة القائمة أساسا على احترام مصلحة كل الأطراف أكثر قدر ممكن دون هيمنة طرف على الآخر من أجل الحفاظ من جهة على المصالح الاقتصادية وخلق الثروات من أجل ضمان عيش كريم ومن جهة أخرى المحافظة على رأس المال الطبيعي الذي هو الآخر سبب لعيش البشرية.
واستدرك بالقول: “إن هذه المعادلة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاعتماد على مبدأ الشفافية في المعلومة من قبل جميع الأطراف من أجل التمكن من تحديد المشاكل والأولويات التي يجب التمعن فيها وهو ليس بالأمر الهين…”، وأضاف في ذات السياق أن المشوار مازال طويلا من أجل التوصّل إلى إقناع الأطراف المعنية وتغيير سلوكياتهم في علاقة بالبيئة”.
وأوضح ضيف برنامج كوسموس، أن تراجع التنوع البيولوجي في تونس والعالم عموما، بشكل لم يسجل في تاريخ الأرض منذ انقراض الديناصورات (منذ 60 مليون سنة)، يتجلى في جانبين ألا وهما الكائنات نفسها والوسط الذي تعيش فيه تلك الكائنات، قائلا: “وعندما يصبح التنوع البيولوجي مهددا فذلك يعود إما لكون الوسط تدهور أو أن هناك تراجع في عدد تلك الكائنات، ونحن في تونس نعيش كلا الحالتين”.
واعتبر المدب على هذا الأساس، أن مصانع الاسمنت ليست هي الطرف الرئيسي المتسبب في تراجع التنوع البيولوجي إذ هناك عديد الأطراف الأخرى التي تلعب دورا كبيرا في ذلك وعلى رأسها الأنشطة الفلاحية من خلال المبيدات والأدوية التي يقع استعمالها في الغرض.
وفي رده على سؤال مدى إمكانية تأثير مصانع الاسمنت على التنوع البيولوجي، قال الأستاذ سمير المدّب إن التأثير موجود ويكمن على مستووين اثنين، الأول من خلال عمليات التكرير التي يقوم بها المصنع والمتسببة في الغبار والملوثات الهوائية، والثاني وهو الأكثر تأثيرا هو المقطع نفسه من خلال إضراره لا بالتنوع البيولوجي فقط بل بالطبيعة والبيئة عموما من كائنات حية وتربة وسكان وأنشطة مجاورة، واصفا الوضعية كونها “جرج في الوسط الطبيعي”.
هذا وأفاد ضيف “كوسموس” بأن جميع المؤسسات الصناعية في تونس تخضع إلى دراسة المؤثرات على المحيط مرورا بالوكالة الوطنية لحماية المحيط لمراجعتها وإبداء الرأي حولها، ولا يمكن للمنشأة الصناعية البدء في العمل دون الحصول على موافقة الوكالة على المشروع من الناحية البيئية، لافتا إلى أن هذه الدراسات يفترض أن تضم جملة من الاجراءات المفروض القيام بها من قبل صاحب المشروع بصفة مستمرة إلا أن هناك خلل كبير جدا في القيام بالمتابعة البيئية في تونس، وفق تقديره.
من جهته تحدث الناشط في المجتمع المدني بلحسن الدريدي والذي هو أحد متساكني منطقة جبل الرصاص، عن “الوضع البيئي والانساني المتردي” الذي تعيشه المنطقة ومتساكنوها، قائلا إن انتصاب المصنع في البداية أثلج صدور المتساكنين لما يمثله من كسر لحاجز البطالة وفتح لباب رزق في وجوه الكثيرين إلى أن وابل المضار كان أقوى وقعا، حسب تعبيره.
وأفاد الدريدي بأن المصنع كثّف خلال الـ10 سنوات الأخيرة من استعمال متفجر “الديناميت” مقارنة بسنوات السبعينات باعتبار أن المقطع موجود منذ ذلك التاريخ، مشيرا إلى أن المصنع أصبح يستعمل هذا المتفجر في قمة المقطع وهو ما يتسبب في انهيارات صخرية تشكل خطرا كبيرا على سلامة حياة المتساكنين.
وقال الناشط في المجتمع المدني بلحسن الدريدي إن المتساكنين لاحظوا أيضا نوعا من الغبار المنتشر في المنطقة لا يتسبب فقط في ترسبات على الأشياء الجامدة وإنما خلق نوعا من ضيق التنفس لدى الناس، لافتا إلى أن هذه الأمور مثبتة بملفات صحية لدى عدد من المتساكنين تؤكد تضررهم صحيا من هذا الغبار القادم من المصنع.
وأكد في ذات السياق تضرر النبات والحيوان من هذا الغبار مشيرا إلى أن لون النبات تغير في المنطقة وأصبح نموه صعبا كما أصبح إجهاض الماشية لصغارها قبل الأوان أمرا متكررا، حسب قوله.
وبصفته أحد عمال هذا المصنع عن طريق شركة مناولة، بات بلحسن الدريدي يعاين المضارّ من الداخل، معتبرا أن هناك تسيب كبير في ما يتعلق بالصحة والسلامة المهنية للعاملين معددا الاخلالات المتعلقة بمادتي “الكلانكار” و”الفحم” والمياه الملوثة التي يقع تصريفها في الجبل وغيرها من الأضرار البيئية مقابل غياب التنمية مما يحول ضد تحقيق المعادلة التي تحدث عنها الاستاذ سمير المدب…