ميساء زعيرة/ كوسموس ميديا
في عرضٍ مثير ومؤثر، تم تقديم الفيلم الوثائقي الاستقصائي “الأحمر” الذي أخرجته الصحفية التونسية مبروكة خذير وشقيقها رشدي خذير، في فضاء المدرسة الوطنية للديوانة. يتناول الفيلم قضية تهريب المرجان الأحمر، هذه الثروة البحرية التي تعاني من الصيد الجائر، ويكشف عن مسارات التهريب غير القانونية التي تمتد من تونس إلى إيطاليا مرورًا بالجزائر.
قضية تهريب المرجان: ثروة مهدورة
يستعرض الفيلم رحلة المرجان الأحمر من أعماق البحر التونسي من الصيد ، حيث يتم إنتاجه في مدن مثل بنزرت وطبرقة، إلى مراحل التصدير والتصنيع في إيطاليا. يُعتبر هذا الموضوع ذا أهمية بيئية كبيرة، إذ يكشف عن شبكات تهريب دولية تساهم في استنزاف هذه الثروة الحيوانية البحرية، مما يؤثر سلبًا على التنوع البيولوجي في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
تقنيات صحافة الجوال: توثيق الواقع
تميّز الفيلم بأسلوبه الفريد في التصوير، حيث اعتمدا مخرجا الفيلم تقنيات صحافة الجوال لتوثيق الأحداث. في هذا الاطار تقول المخرجة مبروكة خذير: ” ثلث المادة المصورة في الفيلم كانت باعتماد الهاتف المحمول “، مما يعكس شغفها بمهنة الصحافة وقدرتها على تجاوز العقبات لنقل الحقيقة كما هي. هذا الأسلوب يجعل الوثائقيات تلامس المتلقي بشكل أكبر، حيث تحكي قصصًا قريبة منه وتبرز معاناة الناس.
الصيد العشوائي وأثره على البيئة
يتناول الفيلم أيضًا ظاهرة الصيد العشوائي للمرجان باستخدام ” المحراث “، الذي يضر بالشعاب المرجانية ويؤدي إلى اختلال التوازن الإيكولوجي. كما يستعرض تأثيرات التغيرات المناخية على المحيط البحري، مما يزيد من تعقيد الوضع البيئي.
جهود الديوانة التونسية
لا يقتصر الفيلم على عرض مشكلات التهريب والصيد الجائر فقط، بل يبرز أيضًا جهود أعوان الديوانة التونسية في مكافحة هذه الظواهر. توثق الكاميرات عملياتهم في عرض البحر، حيث يسعون لحماية الثروات البحرية من التهريب والجريمة البيئية.
وقد صرح العميد عبد الحكيم عبيدي، مدير عام المدرسة الوطنية للديوانة، في هذا السياق و اثر العرض ،بأن فيلم ” الأحمر”، الفائز بجائزة الديوانة التونسية لسنة 2023، يعد خطوة مهمة جدًا في توعية المتخرجين الجدد من أعوان الديوانة حول الجريمة البيئية.
وأكد على أن هذا الفيلم يقدم وسيلة فعالة لجذب انتباههم إلى التحديات التي تواجه البيئة البحرية، والتي تتطلب تصديًا جادًا من الديوانة البحرية التونسية.
وأضاف العميد عبيدي:” إن عرض هذا الفيلم أمام المتخرجين الجدد ليس مجرد حدث سينمائي، بل هو فرصة لتسليط الضوء على أهمية العمل الذي يقوم به زملاؤهم من أعوان الديوانة في مواجهة التهريب والجريمة البيئية.
يرافق الفيلم السلطات الديوانية في عملياتها البحرية، مما يوفر للمتخرجين رؤية فنية وجذابة لكيفية التعامل مع مثل هذه الجرائم”.
وأشار العميد العميد عبد الحكيم عبيدي، مدير عام المدرسة الوطنية للديوانة الذي بادر بدعوة فريق فيلم “الأحمر” الى هذا العرض الخاص،أشار إلى أن الفيلم يعكس الجهود المبذولة من قبل الديوانة التونسية في التصدي لشبكات تهريب المرجان الأحمر، ويعزز الوعي بأهمية حماية الثروات البحرية.و جاء في سياق تصريح له لمنصة كوسموس ميديا: ” نحن بحاجة إلى جيل جديد من الأعوان الذين يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في الحفاظ على البيئة البحرية وحمايتها من الاستغلال غير القانوني”.
دعوة للحوار والتعاون
بعد العرض، فتح باب النقاش مع الحضور من مختصين بيئيين وأكاديميين وصحفيين، حيث تم التأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة الجريمة البيئية والحد من تداول المرجان غير القانوني. يُعتبر هذا النقاش خطوة هامة نحو التفكير في حلول مستدامة لحماية البيئة البحرية.
وأوضح العميد رمزي البريكي آمر فصيل بحري للديوانة ببنزرت، أنه سيقع تحيين دليل الاجراءات في المراقبة الميدانية الديوانية مع الإدارة العامة للصيد البحري وتربية الأسماك للقضاء على الصيد الجائر لهذه الثروة الطبيعية.
فيلم “الاحمر” مثال للافلام الماتزمة بقضايا البيئة و التنمية المستدامة
يُعد فيلم ” الأحمر” التجربة الوثائقية الثالثة للصحفية مبروكة خذير و منصة كوسموس ميديا المتخصصة في الإعلام والإنتاجات البيئية. يأتي هذا العمل كجزء من سلسلة تحقيقات تسلط الضوء على قضايا بيئية حساسة، مما يجعله إضافة قيمة للمشهد السينمائي والبيئي في تونس.
و مع استمرار الجهود للتوعية بقضية ” الذهب الأحمر”، يأمل صناع الفيلم أن تسهم أعمالهم في حماية هذه الثروة من أجيال القادمة.
وأضاف العميد عبد الحكيم عبيدي: ” عندما فكرنا في عرض فيلم الأحمر في رحاب مؤسسة المدرسة الوطنية للديوانة كنا نطمح إلى ان يكون هذا الفيلم الوثائقي أداة تعليمية فعالة، حيث يسعى إلى رفع مستوى الوعي حول القضايا البيئية بين الشباب والمتخرجين الجدد في الديوانة، مما يعكس قيمة التعليم والتوعية كوسيلة للتغييرالإيجابي. يبرز الفيلم دور الديوانة التونسية في مكافحة تهريب المرجان والجريمة البيئية، مما يعكس قيمة الالتزام القانوني والأخلاقي لحماية البيئة “
وختم عبيدي: ” يسعى الفيلم إلى تعزيز هذه القيمة من خلال تسليط الضوء على جهود السلطات في التصدي للأنشطة غير القانونية. ”
التقدير للتراث الطبيعي
يؤكد الفيلم على أهمية تقدير التراث الطبيعي، بما في ذلك المرجان الأحمر الذي يمثل جزءًا من الهوية الثقافية والبيئية لتونس. يعزز هذا التقدير من الحاجة إلى الحفاظ على هذه الثروات كجزء من التراث الوطني.
وكشف العميد رمزي البريكي عن أهمية عرض الوثائقي للحرفيين التونسيين الحاصلين على رخص صيد وتصدير من أجل الحفاظ على هذه الثروة المهددة بالانقراض. مضيفا بالقول: ” خلال تقديم هذا الفيلم المتكامل و ذو الجودة العالية، اكتشفنا معلومات جديدة حول مدينة توري دلغريكو الإيطالية والتي تشكل وجهة لمنتجات المرجان الأحمر، وتتميز بالحرفيين الايطاليين الذين يكسبونه قيمة اضافية ويصدرونه فيما بعد للأسواق مثل معارض هونكونج والدول الآسيوية. “
وبينما يعكس هذا التراث هوية محلية تزخر بثرواتها البيئية، فإن الإبحار إلى نظائره الدولية يتيح فهمًا أوسع للتشابك بين الموروثات الطبيعية وأهميتها في تعزيز الحوار البيئي بين الحضارات.
هذا و يأمل صناع الفيلم أن يسهم “الأحمر” في إلهام جيل جديد من الأعوان والمواطنين ليكونوا حماة للبيئة، وأن يظل المرجان الأحمر رمزًا للتراث الطبيعي والثقافي لتونس، مما يعزز الهوية الوطنية ويعكس التزامنا بحماية كوكبنا.