ميساء زعيره/كوسموس ميديا
تشهد تونس خلال هذه الأيام سلسلة من التقلبات المناخية الحادة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين في مختلف المناطق. فقد تميزت الأحوال الجوية بتساقطات مطرية وثلجية كثيفة، ما أدى إلى اتخاذ تدابير استثنائية في العديد من الولايات، بما في ذلك تعليق الدروس وإيقاف بعض الخدمات.
زيادة إيرادات السدود رغم انخفاض معدل التعبئة
سجلت السدود التونسية زيادة بأكثر من 120 مليون متر مكعب خلال الأيام الأخيرة، ليصل مجموع إيراداتها إلى 647.7 مليون متر مكعب حتى يوم 16 جانفي 2025. ورغم ذلك، لا تزال نسبة التعبئة عند 27.71%، وهي نسبة أقل من المعدل العام للسنوات الماضية، مما يعكس استمرار تحديات الموارد المائية في البلاد.
الإجراءات الطارئة: تعليق الدروس وإدارة الكوارث
المهندس بمنظمة الرصد الجوي، منذر مرابط، أكد يوم الجمعة 17 جانفي 2025، أن الوضع المناخي الحالي يُصنّف ضمن درجة الإنذار البرتقالي في ولايات نابل، تونس الكبرى
( تونس، أريانة، بن عروس، ومنوبة) والشمال الغربي، مما يشكّل خطرًا كبيرًا بسبب الأمطار الغزيرة واحتمال حدوث فيضانات.
وسُجّلت كميات هامة من الأمطار خلال الـ24 ساعة الماضية، حيث بلغت 40 مم في قربة، و25 مم في ولايات تونس الكبرى. كما شهدت المناطق المرتفعة مثل الكاف وسليانة والقصرين تساقط الثلوج مع درجات حرارة تراوحت بين 2 و8 درجات.
ونضرًا لحالة التأهب القصوى التي تشهدها البلاد التونسية، أعلنت السلطات المحلية في عدة ولايات إجراءات استثنائية استجابةً للتقلبات الجوية.
ولاية القصرين: قررت اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث تعليق الدروس في كافة المؤسسات التربوية يومي الجمعة والسبت، نظرًا لتساقط الثلوج في عدد من معتمديات الجهة. وأكد والي القصرين تسخير كافة الإمكانيات لضمان التدخل السريع عند الضرورة.
ولاية الكاف: علّقت اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث الدروس ابتداءًا من منتصف نهار يوم الجمعة بسبب الأمطار الغزيرة.
ولاية باجة: أصدرت اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث بباجة قرارا بإيقاف الدروس بكامل المدارس الابتدائية بالنسبة الى الحصص المسائية ليوم الجمعة 17 جانفي 2025.
ولاية جندوبة: توقفت الدراسة في كامل الولاية نتيجة تساقط الأمطار وارتفاع منسوب المياه، ما يشكل تهديدًا بانزلاقات أرضية وسيلان المياه في المناطق المرتفعة.
ولاية بنزرت: أعلن والي بنزرت، بصفته رئيس اللجنة الجهوية لتفادي الكوارث ومجابهتها وتنظيم النجدة، عن قرار تعليق الدروس في جميع المؤسسات التربوية بكافة معتمديات الولاية، اعتبارًا من منتصف نهار يوم الجمعة 17 جانفي 2025.
كما شهدت بنزرت الكبرى انقطاعًا للتيار الكهربائي، وتسعى مصالح الشركة الجهوية للكهرباء والغاز إلى إصلاح العطب الذي طرأ على الشبكة نظرًا لقوة الرياح التي تهب على الساحل الشمالي والتي تجاوزت قوتها 45 عقدة.
ولاية صفاقس: وقع يوم 17 جانفي الجاري تغيير موعد رحلتين بحريتين تؤمّنهما الشركة الجديدة للنقل بقرقنة من المحطة البحرية سيدي يوسف في اتجاه المحطة البحرية بصفاقس، بسبب سوء الأحوال الجوية والاضطراب الشديد للبحر.
جزيرة جربة: أفاد كاهية مدير الإدارة الفرعية لبطاحات جربة، فرحات لعريض أن حركة البطاحات توقفت في جزيرة جربة صباح يوم الجمعة 17 جانفي، نتيجة لتأثيرات الرياح القوية.
وأوضح أنه من المتوقع استئناف حركة البطاحات حال تحسن الأحوال الجوية.
مشيرًا إلى أن المسافرين الراغبين في التوجه إلى جزيرة جربة أو مغادرتها يمكنهم استخدام الجسر كبديل في هذه الفترة.
تأثيرات اجتماعية واقتصادية
أثرت هذه الظروف على الحياة اليومية للسكان، خاصة في المناطق ذات البنية التحتية الهشّة التي عانت من ركود المياه. كما أن التأثيرات طالت الأنشطة التجارية والخدمات العامة، مع اضطراب حركة التنقل بفعل تراكم المياه في بعض الطرقات.
التقلبات المناخية في دول المغرب وتأثيراتها: ارتباط بالعوامل البيئية في تونس
بيّن المهندس والخبير في الشأن المناخي السيّد حمدي حشّاد أنّ ” دول المغرب حاليًا بما فيها تونس، ليبيا، والجزائر تحت تأثير العاصفة المتوسطية الملقّبة والتي تتميز بتساقطات مطرية « Gabri »قد تتجاوز 100 ملم في العديد من المناطق، مصحوبة برياح قوية وثلوج في مرتفعات جبال الأطلس “.
وأضاف أن:” هذه العاصفة ناتجة عن تأثير كتلة هوائية قطبية شديدة البرودة ناتجة عن تموُّج للتيار النفاث القطبي، ما يؤدي إلى اندفاع كتل هوائية قطبية ضخمة من القطب الشمالي نحو شمال الأطلسي وأجزاء من أوروبا، مما يتسبب في تقلبات جوية حادة.
وترافقت الكتلة القطبية مع منخفض جوي عميق يتسبب في تحرك السحب من شرق البحر، مما يزيد من الرطوبة البحرية ويسهم في تساقط الأمطار الغزيرة في مناطق شمال غرب ليبيا، تونس، والشمال الشرقي للجزائر. وتكون هذه التساقطات مصحوبة بالعواصف الرعدية، الصواعق والأمطار البرديّة القوية “.
تحديات وتوصيات مستقبلية
تُظهر التغيرات المناخية في تونس ضرورة تعزيز السياسات البيئية والبنية التحتية لمواجهة التحديات المرتبطة بالفيضانات والانزلاقات الأرضية.
فمن الضروري تحسين إدارة الموارد المائية لزيادة تعبئة السدود، تعزيز البنية التحتية لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة، وتكثيف برامج التوعية البيئية لضمان سلامة المواطنين. إذ تتطلب هذه التحديات تعاونًا بين الحكومة والمجتمع المدني لتطوير حلول مستدامة تكفل التكيف مع التغيرات المناخية وحماية الكائنات والممتلكات.