سليديرمقالات

تونس و الهيدروجين الأخضر: الموازنة الصعبة بين الإقتصاد و البيئة

تتجه تونس نحو تعزيز استثماراتها في قطاع الطاقات المتجددة، مع التركيز على تصدير الهيدروجين الأخضر، وهو ما يعكسه مشروع “ممر ساوث إتش 2” الذي يربط شمال إفريقيا بأوروبا.

يعدّ هذا المشروع  من المبادرات البارزة في هذا المجال، حيث يُتوقّع أن يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، تظل هناك مخاوف بشأن تأثير هذه المشاريع على التنمية المحلية واستدامة الموارد الطبيعية.

الهيدروجين الأخضر أهمية الإستثمارات مقابل تخوفات المجتمع المدني 

في هذا السياق، يعتبر زياد بيّولي، الناشط في المجتمع المدني بتطاوين خلال تصريح له مع كوسموس ميديا ، أن تونس تواجه تحديات كبيرة في مجال الطاقة، خاصة مع تزايد الطلب على الكهرباء والغاز وتراجع الموارد التقليدية.

ويرى بيّولي أن الهيدروجين الأخضر يمثل حلاً محتملاً لتحقيق السيادة الطاقية وضمان انتقال طاقي عادل ومستدام، حيث يعتمد هذا الوقود النظيف على الطاقات المتجددة مثل الشمس والرياح.

 في شهر ماي 2024 ، أبرمت تونس مذكرة تفاهم مع شركتي “توتال” الفرنسية و”فاربوند” النمساوية لتطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر، بهدف إنتاج 200 ألف طن بحلول عام 2030. ويتطلب هذا المشروع استثمارات تصل إلى 8 مليارات يورو في مرحلته الأولى و40 مليار يورو في المرحلة النهائية.  و تسعى تونس في إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقة إلى تقليص العجز الطاقي وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة.

و بالرغم من هذه الفرص الاستثمارية التي ستمكّن تونس من التموقع في السوق الطاقية العالمية ، تظل هناك تساؤلات حول الكلفة البيئية وكميات المياه اللازمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر . إذ يؤكد صابرعمار، الباحث في المعهد العابر للقوميات، أن إنتاج 8 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول 2050 يتطلب كميات هائلة من المياه المحلاة، مما قد يفاقم أزمة الفقر المائي التي تعاني منها البلاد.

كما أبدى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أيضا قلقه من التحديات المرتبطة بتكلفة الإنتاج العالية والاستهلاك الكبير للمياه، خاصة في ظل أزمة المياه المتفاقمة التي تعيش على وقعها البلاد .

مشاريع الهيدروجين الأخضر: بين القرارات الفردية والمصلحة الوطنية

يُثير ملف الهيدروجين الأخضر في تونس جدلاً متزايدًا، خاصة في ولاية قابس، حيث يقود نشطاء المجتمع المدني حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم لمشاريع الشراكة في هذا المجال. وفي خطوة جديدة نحو تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة، زار وفد فرنسي يضم سفيرة فرنسا، وكاتب الدولة للانتقال الطاقي، والمدير العام للمجمع الكيميائي التونسي ولاية قابس، حيث تم الإعلان عن عزم الحكومة التونسية إقامة مشاريع للهيدروجين الأخضر وإنشاء معمل جديد للأمونياك في المنطقة الصناعية شط السلام.

وفي هذا الصدد ، أعرب الناشط المدني خير الدين دبية خلال محادثة له مع كوسموس ميديا عن قلقه العميق إزاء هذه المشاريع، محذرًا من وجود مخطط للاستيلاء على أراضي من ولاية قابس لصالح مشاريع الهيدروجين الأخضر، مما قد يعود بالنفع على أطراف خارجية فقط. وأضاف الناشط المدني أن فرنسا نفسها رفضت مشاريع مماثلة على أراضيها عندما طلبت منها ألمانيا إنتاج الهيدروجين، وذلك بسبب مخاوف من أثارها البيئية.

وفي ذات السياق، أشار الدكتور محمد غازي بن جميع، المتخصص في الجيولوجيا والطاقة خلال حواره مع منصة كوسموس ميديا، إلى أن اعتماد تونس على تحلية مياه البحر كجزء من استراتيجيتها لتوفير المياه و الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر ، يتطلب دراسات معمقة حول تأثير هذه العمليات على البيئة البحرية. إذ تؤدي عملية التحلية إلى إنتاج مياه شديدة الملوحة يتم تصريفها في البحر، مما قد يزيد من ملوحة المياه المحيطة ويؤثر سلبًا على التوازن البيئي البحري. وهذا يستدعي تضمين تدابير بيئية صارمة في الاتفاقيات، لضمان الحد من التأثيرات السلبية وحماية الموارد البحرية.

ويؤكد دبية أن مشاريع الهيدروجين الأخضر تأتي في سياق أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث يُنظر إلى شمال إفريقيا كحل محتمل لتلبية احتياجات الطاقة الأوروبية. لكنه يرى أن التونسيين لا يملكون معلومات كافية حول هذه الاتفاقيات، إذ تظل بنود الاتفاقيات المبرمة و تفاصيلها غير واضحة، و هو ما قد يثير تساؤلات حول مدى شفافية القرارات المتخذة في هذا الشأن.

بدائل وحلول مستدامة: كيف يمكن تحقيق التوازن؟

بدائل وحلول مستدامة: كيف يمكن تحقيق التوازن؟

يرى الدكتور بن جميع أن مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر ونقله عبر الأنبوب التونسي إلى أوروبا يمكن أن يعزز التعاون الطاقي بين البلدين، لكن نجاحه يعتمد على دمج الاحتياجات المحلية في الاستراتيجية التونسية.

وينصح بن جميع بضرورة إيجاد اتفاق بين الجزائر وتونس يتيح لهما استخدام الأنبوب لصالح احتياجاتهما الداخلية، إضافة إلى التفاوض على شروط تضمن لتونس تكلفة إنتاج منخفضة، مما يعزز قدرتها على التصدير دون أن تتحمل أعباء إضافية.

الاستثمار في البنية التحتية الوطنية

يؤكد زياد بيّولي، ناشط في المجتمع المدني ، أن تحقيق انتقال طاقي عادل يتطلب استثمارات ذكية و شراكات بين القطاعين العام والخاص وتوعية مجتمعية، مشددًا على أن تبنّي الهيدروجين الأخضر ليس فقط خيارًا بيئيًا، بل إنه قرار استراتيجي لضمان مستقبل طاقي مستدام.

و أضاف بيّولي أنه يمكن لتونس استخدام عائدات تصدير الهيدروجين في تطوير البنية التحتية للطاقة المتجددة محليًا، مثل تحسين شبكات الكهرباء ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسّطة.

تعزيز الشفافية: خطوة أساسية لبناء الثقة

يرى المجتمع المدني أن غياب الشفافية في الإتفاقيات قد يؤدي إلى تقويض الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يستدعي اتخاذ إجراءات واضحة لتعزيز الشفافية. و يطالب بنشر نص الاتفاقيات وتمكين المواطنين من الإطلاع على بنودها، إضافة إلى عرضها للنقاش البرلماني لضمان توافقها مع المصلحة الوطنية. كما يدعو إلى الالتزام بالمعايير العالمية للشفافية لجذب الاستثمارات، وعقد ندوة صحفية لعرض تفاصيل المشاريع والإجابة عن تساؤلات الرأي العام، مما قد يساهم في بناء الثقة مع المواطنين و تعزيز المشاركة المجتمعية في القرارات الاستراتيجية.

ختاما يمكن القول ان المعادلة بين الاستثمارات الحكومية في إنتاج الهيدروجين الاخضر و بالرغم من أهمية جدواها الاقتصادية إلا أنها تحمل في طيّاتها تحديات كبرى تتعلق باستنزاف الموارد الطبيعية و تخفي الوجه الاخر لهذه المشاريع الطاقية التي لازالت إتفاقيات إنجازها تتسم بالضبابيّة و  غياب للشفافية و تساهم في تعميق التبعية الاقتصادية.

كوسموس ميديا/ ميساء زعيره

زر الذهاب إلى الأعلى