سليديرمقالات

حين يتحوّل الإبداع إلى تهمة… عن استهجان الهجمة على تلاميذ الإقتصاد الدائري بأحد معاهدنا النموذجية

 “البعض يتفنّن في انتقاد الآخرين، ولو نظرتَ لِحاله احترت من أين تبدأ” …تذكّرت هذه الحكمة وانا اقرأ التعاليق تتهاطل تحت التدوينات على صفحة الفايس بوك.. تذكّرتها وقلبي يعتصر ألما وحسرة… وتساءلت: كيف لنا ان نخرج من ثقافة الترذيل والهدم الى ثقافة التشجيع والبناء وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبيئة والمحيط؟

في زمن تتعالى فيه الأصوات المنادية بالاستدامة والحفاظ على البيئة، يطل علينا مشهد مثير، مجموعة من التلاميذ المبدعين، قرّروا أن يحوّلوا الورق الملقى في الطبيعة إلى أدوات مدرسية (أدباش) صديقة للبيئة ليجدوا أنفسهم في مرمى سهام النقد والسخرية على منصّات التواصل الاجتماعي. هجمة شرسة، لم تترك لهم مجالاً للاعتزاز بمبادرتهم، بل حاولت أن تجهض الفكرة في مهدها، وتغتال روح الابتكار فيهم.

تعود تفاصيل القصة الى مبادرة قام بها تلاميذ المعهد النموذجي بنابل بتنظيم أول عرض أزياء لملابس مصنوعة من الورق والمواد القابلة للرسكلة، في خطوة إبداعية تهدف إلى التوعية بأهمية تدوير النفايات ولفت انتباه العالم إلى الخطر الذي يتهدد بيئتنا الفكرة الجديدة التي طرحها التلاميذ تعكس إبداعهم وقدرتهم على تحويل المواد البسيطة إلى أعمال فنّية وهادفة وتعكس خاصّة وعيهم المتقدّم بأهميّة المحافظة على البيئة.

تهاطلت تحت التدوينات التي نشرت الخبر تعاليق معظمها ساخر وبعضها جارح وفيها ايضا كمية من “الجهل ” بأبعاد المبادرة من كونها ليست هدفا في حد ذاته بقدر ما هو رسالة. هذه المبادرات التعليمية التي تساهم في غرس ثقافة الاستدامة لدى الأجيال الصاعدة، وتشجّعهم على ابتكار حلول صديقة للبيئة في حياتهم اليوميّة، اصبحت اليوم للأسف محل تندر فترك المعلّقون روح الابداع جانبا وغاصوا في هوامش تحط من شان التلاميذ وتصفهم بالتفاهة.

 

استخدم تلاميذ المعهد النموذجي بنابل مادة الورق -وهي من أشهر المواد القابلة للرسكلة- بالإضافة إلى مواد أخرى قابلة لإعادة التدوير مثل أنواع معيّنة من البلاستيك أو المنسوجات المعاد تدويرها (حسب ما يذكر في سياق عروض الأزياء الصديقة للبيئة).

وتشمل المواد القابلة للرسكلة عادةً الورق والكرتون وبعض أنواع البلاستيك مثل بولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) الذي يُستخدم في صناعة بعض الملابس المعاد تدويرها.

 الإبداع ليس عيباً..

 من المؤسف أن يتحول الإبداع في مجتمعاتنا إلى تهمة، أن تخرج عن المألوف وتبتكر حلولاً بديلة لمشاكلنا البيئيّة، فهذا مدعاة للفخر، لا للسخريّة. هؤلاء التلاميذ لم يكتفوا بدور المتلقّي السلبي، بل اختاروا أن يكونوا جزءاً من الحل، وأن يبعثوا الحياة في مخلفات الورق، ويجعلوا منها أدوات نافعة. أليس هذا هو جوهر التعليم الحقيقي؟

ما يثير الاستغراب أكثر من المبادرة نفسها، هو ردود الفعل السلبيّة التي اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي. تعليقات محبطة، تنم عن جهل بأهميّة الاقتصاد الدائري، وتفتقر إلى أبسط مقومات التشجيع. بدلاً من الإشادة بروح الابتكار، انصبّت التعليقات على التقليل من قيمة الفكرة، والسخرية من الأدباش المصنوعة، بل واتهام أصحابها بعدم الجدية وقصر النظر.. هذه الهجمة تكشف عن خلل عميق في هيكلية الوعي المجتمعي. فبدلاً من أن نكون مجتمعاً يحتضن الأفكار الجديدة، ويشجع على التجريب سيّما لدى الشباب والأطفال، أصبحنا أسرى لأحكام مسبقة، نخشى كل جديد، ونحارب كل مختلف.

الاقتصاد الدائري… هو المستقبل

 العالم اليوم يتجه بقوة نحو الاقتصاد الدائري، حيث لا مكان للهدر، وكل شيء قابل لإعادة التدوير والاستخدام. هذا التوجه ليس رفاهيّة، بل ضرورة ملحّة في ظل التحديات البيئية المتزايدة. مبادرات مثل صناعة الأدباش من الورق المستعمل، هي تجسيد عملي لهذا المفهوم، وتدريب مبكر لجيل جديد على التفكير المستدام..و من ادرانا فلعل تلميذ اليوم الذي صمّم لباسا من الورق فيه استدامة سيصبح غدا صاحب مشروع للموضة و الاقتصاد الدائري.

 دعوة للتشجيع لا للتثبيط

علينا أن ندرك أن كل فكرة مبتكرة، مهما بدت بسيطة أو غير مألوفة، تستحق التشجيع والدعم. فالإبداع لا ينمو في بيئة معادية، ولا يزهر في مناخ من السخرية والتحقير. واجبنا كمجتمع أن نحتفي بهؤلاء التلاميذ، وأن نمنحهم الثقة ليواصلوا تجاربهم، فربما يكون في أحد أفكارهم بذرة لحل أزمة بيئيّة كبرى.

كلمة أخيرة لنتوقف عن جلد المبدعين، ولنمنحهم مساحة آمنة للتجريب والخطأ والتعلم. فمجتمع يستهجن الإبداع، هو مجتمع يحكم على نفسه بالجمود والتخلف. أما مجتمع يحتضن الأفكار الجديدة، فهو مجتمع يصنع مستقبله بيديه. فليكن خيارنا واضحاً… مع الإبداع، مع الاستدامة، مع كل تلميذ يحلم بعالم أفضل.

كل التشجيع لتلامذة المعهد النموذجي بنابل أنا فعلا فخورة بكم/ن لأنكم فعلا حرّاس الأرض و لأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة .

مبروكة خذير/كوسموس ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى