سليديرمقالات

من تونس إلى المتوسط: ورشة عمل تصنع مستقبلًا مستدامًا لأسماك القرش

مبروكة خذيركوسموس ميدياتونس

استضافت العاصمة التونسية، في الفترة من 24 إلى 26 سبتمبر 2025، ورشة عمل إقليمية بارزة جمعت أكثر من 40 خبيراً وممثلاً عن بلدان شمال إفريقيا وخبراء دوليين مختصين في حماية وإدارة الأسماك الغضروفية وخاصة منها القرش والشفنين في البحر الأبيض المتوسط.

نظّم هذا الحدث العلمي المتميز مركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المحمية (SPA/RAC) التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وخطة عمل البحر الأبيض المتوسط، بالتعاون مع منظمة Plan Bleu والصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، وبدعم من الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط (CGPM).

شعار الورشة “التوفيق بين الحفظ وسبل العيش” يعكس نهجًا جديدًا يأخذ في الاعتبار أهمية توازن حماية البيئة وحقوق الصيادين والمجتمعات الساحلية التي تعتمد على هذه الثروة البحرية.

لم تكن الورشة مجرد تجمع علمي تقليدي، بل جاءت كخطوة حاسمة تحمل رؤية جديدة لإدارة مستدامة للثروات البحرية المهددة بالانقراض، مؤطرة برؤية بيئية متجددة تجعل من حماية أسماك القرش والشفنين أولوية إقليمية تعكس التزام الدول بالتصدي لتحديات التدهور البيئي في واحدة من أهم بحار العالم.

ورشة عمل إقليمية لحماية وإدارة الأسماك الغضروفية وخاصة منها القرش والشفنين في البحر الأبيض المتوسط

ورشة تونس 2025: أسماك القرش والشفنين على طريق البقاء والتوازن البيئي

في ختام فعاليات ورشة العمل الإقليمية لحفظ أسماك القرش والشفنين بتونس 2025، تم التأكيد على أن مستقبل هذه الكائنات البحرية الحيوية رهين بإرادة سياسية قوية وتوعية مجتمعية فعالة، إلى جانب تحسين الممارسات البيئية لضمان استدامة البحار كمورد اقتصادي وبيئي للأجيال القادمة.

تتوزع أسماك القرش في البحر الأبيض المتوسط بأكثر من 40 نوعاً، أشهرها القرش الرملي، الأبيض الكبير، قرش الماكريل، كلاب البحر، القرش العنكبوتي، وقرش المطرقة، إضافة إلى أنواع أخرى مثل قرش الراوف وقرش الأطلسي القطني. معظم هذه الأنواع لا تشكل خطراً على الإنسان إلا في حالات نادرة، لكنها تلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على توازن النظم البيئية البحرية، رغم تعرضها لخطر الانقراض بسبب الصيد الجائر والتلوث.

توّجت الورشة بإعلان خارطة طريق شبه إقليمية تضمنت توصيات لتعزيز التعاون العلمي بين دول شمال إفريقيا في رصد ومتابعة حالة القروش، تطوير أطر قانونية وتشريعية أكثر صرامة لمكافحة الصيد العشوائي، تشجيع الاقتصاد الأزرق لتوفير بدائل مستدامة للصيادين، وإطلاق برامج توعية مكثفة تستهدف الشباب والمحترفين لزيادة الوعي البيئي الجماعي. وشدد المشاركون على ربط المعرفة العلمية بالقرار السياسي، مع دعوة لإنشاء شبكة متوسطية دائمة للبحث والتنسيق في موضوع القروش والشفنين، تكون تونس وليبيا في موقع الريادة.

وقد أشار الدكتور محمد ملولي الإدريسي، رئيس اللجنة العلمية لمنظمة البحر الأبيض المتوسط في مجال الصيد البحري، إلى أن الحفظ الفعلي لهذه الأنواع يُمثل استثماراً في التنمية المستدامة للبحر، لأن اختلال التوازن البيئي يؤثر مباشرة على الأمن الغذائي والاقتصادي للمنطقة. واعتبر ملولي ان الصيد الجائر والصيد العرضي أكبر التهديدات التي تواجه القروش، محذراً من تداعيات تراجع أعدادها على توازن النظام البيئي والمخزون السمكي الذي تعتمد عليه المجتمعات الساحلية.

الدكتور محمد ملولي الإدريسي، رئيس اللجنة العلمية لمنظمة البحر الأبيض المتوسط

نجحت الورشة بتنظيمها وتفاعل المشاركين، حيث أجمعت المنظمات الدولية والمهتمون على أنها من أنجح اللقاءات الإقليمية في السنوات الأخيرة، لما تميزت به من روح تشاركية وتكامل بين العلم والسياسة والمجتمع المدني، مؤكدة أن تونس أصبحت منصة قوية للحوار البيئي والتعاون العلمي.

و في إطار فعاليات الورشة، قدم المخرج وصانع المحتوى ربيع بن براهيم عرضاً إعلامياً متميزاً تضمّن فيلمين قصيرين حول التّنوع البيولوجي البحري، سلط من خلالهما الضوء على أهمية التّواصل والتوعية البيئية في تعزيز حماية النظم البحرية. وأكد ربيع بن براهيم في حوار له مع منصة كوسموس ميديا على أن التثقيف والتحسيس بالمحيط البحري لا يقتصر على الجهات الرسمية فحسب، بل يحتاج إلى انفتاح مؤسسات المجتمع المدني على الإعلام ووسائل التواصل الحديثة. وأضاف أن الشراكات متعددة الأطراف، التي تجمع بين المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمنظمات البيئية، تساهم في تبني مقاربة تشاركية مستدامة لنشر الثقافة البيئية وتعميق الوعي بأهمية حماية الحياة البحرية، بما يضمن وصول الرسائل التوعوية إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور.

بذلك، تشكل هذه الورشة خطوة نوعية نحو رؤية إقليمية موحدة توازن بين العدالة البيئية والاجتماعية، وتعيد الاعتبار لدور القروش والشفنين كحماة للتنوع البيولوجي، وحجر أساس لمستقبل بيئي مستدام في البحر الأبيض المتوسط.

تجارب ملهمة من شمال إفريقيا: من خليج قابس إلى خليج سرت

تعيش أسماك القرش والشفنين، وهما كائنات بحرية عريقة تعود لأكثر من مئات الملايين من السنين، اليوم على صفيح ساخن في البحر الأبيض المتوسط. فبحسب تقارير الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، يواجه أكثر من نصف الأنواع الغضروفية في هذه المنطقة خطر الانقراض، حيث بلغت النسبة 53% من إجمالي 85 نوعًا تم رصدها، تشمل 45 نوعًا من القروش و40 من الشفنين. هذا التدهور الحاد يعود إلى تراجع أعداد القروش بأكثر من 90% خلال العقود الأخيرة، نتيجة الصيد الجائر، والصيد العرضي الذي لا يفرق بين الأنواع، إلى جانب تدهور المواطن البحرية بفعل التلوث والتغير المناخي، وضعف تطبيق القوانين البيئية في بعض الدول.

وتكتسب السواحل الشمالية لإفريقيا، سيما تونس وليبيا، أهمية استراتيجية بالغة كونها مساراً حيوياً للتكاثر والنمو الطبيعي لهذه الأنواع. هذه السواحل تمثل عماد أي خطة ناجحة لحماية هذه الكائنات المفصلية التي تلعب دورًا لا غنى عنه في الحفاظ على التوازن البيئي البحري. إذ تساهم أسماك القرش في تنظيم السلسلة الغذائية البحرية، مما يضمن استقرار الأنظمة البيئية ويحمي المخزون السمكي الذي يعتمد عليه ملايين السكان المحليين في معيشتهم.

وبينما يتفاقم التهديد، تبرز الحاجة الملحة لتضافر الجهود العلمية، القانونية، والمجتمعية لوضع آليات فعالة تعزز الحماية المستدامة لهذه الأنواع، وتوفر بديلاً اقتصادياً محترماً للصيادين يضمن استمرار مجتمعاتهم مع الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري في قلب البحر الأبيض المتوسط.

في ليبيا، قدمت منظمة Plan Bleu دراسة حول الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لحماية أسماك القرش في خليج سرت، مع التركيز على بدائل مالية تُدعم الصيادين وتشجعهم على ممارسات صيد مستدامة ضمن خطة إنسانية للحفاظ على البيئة.

ورشة تونس 2025: أسماك القرش والشفنين على طريق البقاء والتوازن البيئي

جهود الصندوق العالمي للطبيعة في تونس: مبادرات لتعزيز الحماية

يعمل الصندوق العالمي للطبيعة في تونس على عدة مبادرات حيوية لتعزيز حماية أسماك القرش، يأتي في مقدمتها “مخيم القرش” الذي أقيم في جرجيس خلال يونيو 2025، وجمع هذا الحدث العلمي بين باحثين وصيادين لوضع استراتيجيات مستندة إلى المعرفة العلمية تهدف إلى حماية هذه الأنواع البحرية الهشة.

تقول مريم الفقيه، خبيرة الصندوق العالمي للطبيعة في حديثها لكوسموس ميديا :”حماية أسماك القرش ليست فقط مسألة بيئية، بل هي أساس لاستدامة الموارد البحرية التي تعتمد عليها مجتمعاتنا الساحلية. نحن نركز بشكل خاص على تمكين الصيادين وتوعيتهم، فهم شركاؤنا الأساسيون في الحفاظ على التنوع البيولوجي وضمان استمرارية الثروة البحرية.إضافة إلى ذلك، تسعى المشاريع التي ينفذها الصندوق إلى تحديث وتطبيق القوانين الوطنية المتعلقة بالصيد والحفاظ على البيئة، مع تكثيف جهود الرقابة على الصيد غير المستدام. كما يتم دعم البحث العلمي المحلي لتوفير بيانات دقيقة تمكن صناع القرار من اتخاذ الخطوات المناسبة لحماية أسماك القرش وتأمين مستقبل البحرية التونسية.”

مريم الفقيه، خبيرة الصندوق العالمي للطبيعة

أسهم البحار المحلي في تونس بصوت صادق يعكس الواقع اليومي والتحديات المرتبطة بحماية أسماك القرش، التي تمثل مصدر رزق حيوي له ولغيره من العاملين في قطاع الصيد البحري. ساسي بن علية بحار من مدينة غنوش بقابس حضر ساسي ورشة العمل الإقليمية بتونس العاصمة ليتحدث عن تجربة فريدة و عفوية قام بها البحارة في غنوش .

قال ساسي خلال حواره مع كوسموس ميديا ان موسم صيد القرش يمتد من مارس إلى سبتمبر، ويعتبر صيد هذه الأسماك مهنة تقليدية مهمة للبحارة في قابس حيث يكسبون قوتهم من صيد القروش وبيعها لتُستخدم لحومها في أكلات محلية مميزة كالكوسكسية والكسكس، لما لها من فوائد صحية واحتوائها على فيتامينات عديدة.

ثمّن ساسي المبادرات الدولية للحد من صيد القرش، الا أنه يعتبر ان أي إجراءات حماية يجب أن تُبنى على تفاهم شامل يأخذ بعين الاعتبار معيشة الصيادين، مع ضمان استدامة الموارد البحرية. يطالب ساسي بضرورة مناقشة الحلول مع البحارة وضمان أن تكون القوانين مرنة وعادلة، لا تضر بمصدر رزقهم، مع ضرورة تطبيقها بطريقة تشاركية ومدروسة تراعي الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

وأشار ساسي خلال مداخلته بالندوة الإقليمية إلى تجاربه في مشروع محميات بحرية نموذجية في خليج قابس، حيث تم إغلاق بعض المناطق مؤقتًا لمدة ستة أشهر، ما أدى إلى تحسن ملحوظ في نمو الأحياء البحرية وانتعاش المخزون السمكي و خاصة “السوبيه”، مؤكداً أهمية اعتماد مثل هذه المحميات لدعم التنوع البيولوجي وزيادة مردودية الصيد.

كما نوه بحار مدينة غنوش إلى ضعف تطبيق القوانين والانفصال بين التشريعات والواقع البحري، مؤكداً ضرورة تقوية الرقابة وتحديث التشريعات مع إشراك الصيادين في وضعها لضمان نجاحها. وفي الوقت نفسه، دعا إلى دعم الصيادين وتعويضهم عند تطبيق قيود على الصيد، استناداً إلى استراتيجية تجمع بين البحث العلمي، الإدارة، والمجتمع المحلي للحفاظ على البحر ومستقبل الصيد.

مشروع محميات بحرية نموذجية في خليج قابس أدى إلى تحسن ملحوظ في نمو الأحياء البحرية وانتعاش المخزون السمكي

الملاحظ أيضاً التنوع في أنواع القروش التي يميزها البحارة محلياً، مثل القرش الأبيض الكبير الذي يُعد من الأنواع الغالية والتي تراوح أسعارها بين 12 و24 دينار للكيلوغرام، مع معرفة واسعة بفترات تكاثرها وأماكنها، خصوصاً في خليج قابس الذي يمتاز بظروف بيئية مناسبة لتكاثر هذه الأنواع..

تونس تخطط لحماية اسماك الغضروف بحرص علمي وتعاون إقليمي

تونس تواجه تحديات كبرى في حماية أسماك الغضروف ضمن خطة وطنية شاملة تهدف للحفاظ على هذه الأنواع المهددة في مياهها الإقليمية، لا سيما في منطقة خليج قابس التي تضم موائل حيوية نادرة في البحر الأبيض المتوسط.وأكد محمد نجم الدين برادعي، خبير في أسماك القرش، أن “التزام تونس بالحفاظ على أسماك الغضروف تجسد من خلال تطبيق عدة اتفاقيات دولية، وأبرزها اتفاقية برشلونة والبروتوكولات الإقليمية للحفظ، إلى جانب العديد من الاتفاقيات الدولية الأخرى.” وأضاف أن “التهديدات التي تواجه هذه الأسماك معروفة وملموسة على المستويين العالمي والمتوسطي، خصوصاً بسبب الصيد المفرط والصيد العرضي المستمر رغم الحظر على بعض الأنواع.”

وتابع برادعي: “الموائل البحرية الحيوية الخاصة بأسماك الغضروف في تونس، وخصوصاً في خليج قابس ومنطقة جربة-جرجيس ، تمثل نقاطاً مالية حيوية، لكن هناك نقص كبير في المعرفة العلمية حول بيئة وسلوك هذه الأسماك. وهذا ما يجعل تحديث البيانات البيولوجية وتصنيفات الصيد أمراً ملحاً لإنجاح الخطة.”

وأوضح خبير أسماك القرش أن “التوعية الجماهيرية لا تقل أهمية عن تطوير التشريعات، لأن التوعية تخلق وعيًا مجتمعياً والتزاماً حقيقياً بين مستخدمي البحر، من صيادين وغواصين وحتى الجمهور العام تجاه خطورة الصيد العرضي وتأثيره على بقاء هذه الأنواع.”

أما الخطة الوطنية نفسها، بحسب برادعي، فتقوم على ستة محاور أساسية تشمل “الحماية القانونية وتعزيزها، إدارة الصيد بشكل أكثر انضباطاً، جرد الموائل الحيوية البحرية واستعادتها، البحث العلمي المكثف، بناء القدرات المهنية للمختصين، وأخيراً تنفيذ حملات التوعية والتثقيف بشكل مستمر.”

وفي تصريح لمنصة كوسموس ميديا شدد المدير العام للإدارة العامة للصيد البحري علي الشيخ السبوعي ، على أهمية التعاون الدولي والإقليمي لحماية أسماك القرش والشفنين، مؤكداً أن:”نجاح أي استراتيجية لحماية الأسماك الغضروفية لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تعاون فعال بين الدول والمنظمات الدولية والبحث العلمي. نحن بحاجة إلى تبني نظرة استشرافية لتحديد الأصناف المهددة بالانقراض والتمييز بينها وبين الأصناف غير المهددة، مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الصيادين وسبل عيشهم. حماية هذه الكائنات يجب أن تكون متوازنة مع الجانب الاقتصادي والاجتماعي، فالكثير من هذه الأسماك تمثل مصدر رزق للبحارة، خصوصاً في الجنوب، كما تساهم في الأمن الغذائي للبلاد. من هنا، نحن ملتزمون بضمان استغلال رشيد ومستدام لهذه الثروة، من خلال التعاون مع البحث العلمي والمنظمات الدولية لتنظيم رحلات بحرية لمعاينة هذه الأصناف ومتابعة المخزون. كذلك، نولي أهمية كبيرة لتوعية البحارة حول كيفية صيدها وحمايتها، بما يضمن احترام الاتفاقيات الدولية ويوازن بين الحفاظ على البيئة البحرية ومصالح آلاف الصيادين. إن مخرجات هذه الورشة ستشكل مرجعاً لتحديد الإجراءات الفعلية، مع الاستئناس بالخبراء لتحقيق توازن حقيقي بين حماية هذه الثروة الطبيعية وضمان حياة كريمة للمجتمعات الساحلية.”

المدير العام للإدارة العامة للصيد البحري علي الشيخ السبوعي : ضرورة التعاون الدولي والإقليمي لحماية أسماك القرش والشفنين

من جهتها، أوضحت لبنى بن نخلة، المكلفة ببرنامج حماية التنوع البيولوجي المهدد بالانقراض، أن “حماية الأنواع البحرية ليست مجرد مسؤولية بيئية، بل هي أيضاً قضية اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية.” وأضافت أن “أسماك القرش والراي تمثل مورداً اقتصادياً مهماً، سواء من خلال السياحة البيئية أو عبر ممارسات الصيد المستدام، ما يجعل الحفاظ عليها استثماراً في المستقبل.”

وأكدت بن نخلة أن “إدارة هذه الموارد الطبيعية يجب أن تقوم على تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الحماية وضمان الأمن الغذائي، خصوصاً مع تداخل أسواق الأسماك التجارية بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط.”

وفي السياق ذاته، أشارت بن نخلة  إلى أن “اتفاقية ما بعد 2020 الخاصة بالبحر الأبيض المتوسط أرست معياراً عالمياً جديداً، يقضي بالتزام الأطراف بحماية 30% من المناطق البحرية بحلول عام 2030، إلى جانب فرض حظر صارم على الصيد الترفيهي لأنواع أسماك القرش المدرجة في الملاحق الدولية.”

لبنى بن نخلة، المكلفة ببرنامج حماية التنوع البيولوجي المهدد بالانقراض

وأضافت أن “الإجراءات المقترحة في هذا الإطار تشمل تحديث التشريعات الوطنية لتتلاءم مع القوانين الدولية، وتحسين منظومة الجرد والتوثيق في قطاع الصيد، فضلاً عن إطلاق حملات تدريبية مكثفة موجهة للصيادين والمدرسين والغواصين، لتعزيز المعرفة وتشجيع المشاركة الفاعلة في جهود الحماية.”

واختتمت لبنى بن نخلة مداخلتها بالتأكيد على أن “التعاون الإقليمي والدولي هو حجر الأساس في نجاح أي خطة، إذ إن أسماك الغضروف لا تعرف الحدود الجغرافية، ما يستدعي تنسيق السياسات والإجراءات بين مختلف الدول المطلة على المتوسط.”

وفي ختام الملتقى، شدد  الباحث في علوم البحار محمد نجم الدين برادعي على أن “الأمل الحقيقي يكمن في التنفيذ الجدي لخطة العمل الوطنية الممتدة على خمس سنوات، والتي تمزج بين البحث العلمي، والإطار القانوني الصارم، والتوعية المجتمعية، لضمان مستقبل مستدام لأسماك الغضروف في تونس وحوض المتوسط”

وأضاف قائلاً: “المرحلة القادمة تتطلب تحويل هذه الخطط إلى واقع ملموس، من خلال دعم المؤسسات المختصة وتعزيز مواردها، خصوصاً في ظل التحديات البيئية المتزايدة وتداعيات التغيرات المناخية” و أكد محمد نجم الدين برادعي أن السواحل التونسية تشهد سنويا نفوق حوالي 100 دلفين من مختلف الانواع بسبب التلوث او الصيد الجائر او فقدان الفرائس والتغيرات المناخية  و هو ما يتطلب خطة عمل وطنية و مضاعفة الجهود و تكاثفها من اجل حمياية هذه الاصناف .

الباحث في علوم البحار محمد نجم الدين البرادعي: السواحل التونسية تشهد سنويا نفوق حوالي 100 دلفين من مختلف الانواع

ليبيا: برنامج وطني لحماية “القرش الملاك” والتنوع البحري

تواجه السواحل الليبية تحديات بيئية متزايدة ناجمة عن الصيد الجائر وتدهور النظم البيئية البحرية، ما يهدد التنوع البيولوجي، خاصة أنواع الأسماك الغضروفية مثل القرش الملاك. وتعد ليبيا من أبرز الدول المتوسطية في إنتاج هذا النوع من المصائد، مما يجعلها في قلب المسؤولية الإقليمية للحفاظ على هذا الإرث البحري.

وفي إطار برنامج وطني لحماية القرش الملاك والأنواع الغضروفية الأخرى، أطلق المشروع الليبي سلسلة من المبادرات المترابطة تشمل جمع بيانات ميدانية دقيقة من خلال استبيانات موجهة للصيادين، وتنفيذ حملات توعوية نشطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات علمية تُعنى برصد مناطق التكاثر الحيوية لهذه الكائنات.

يحظى المشروع بدعم منظمة “أنقذوا بحارنا”، رغم التحديات الأمنية والسياسية التي تعيق تنفيذ بعض أنشطته. ومع ذلك، تمكن الفريق من تحقيق تفاعل مجتمعي ملحوظ، وتطوير أبحاث متقدمة لتعقب حركة القرش الملاك باستخدام تقنيات الرصد الحديثة، مما ساهم في تعزيز جهود الحماية والمراقبة.

وفي هذا السياق، أوضح إسماعيل شوغمان، خبير علوم البحار الليبي، في تصريح لمنصة كوسموس ميديا أن مشاركة ليبيا في الندوة الإقليمية جاءت ضمن مشروع مدعوم من مركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المحمية (سباراك) ووزارة البيئة الليبية. وقد ركزت الدراسة التي استمرت ستة أشهر على تقييم حالة المصائد في خليج سرت، بهدف تحديد الأنماط الموسمية والدائمة للصيد، خصوصاً تلك التي تطال الأسماك الغضروفية خلال مواسم تكاثرها، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على النظام البيئي البحري.

وخلصت نتائج الدراسة إلى تحديد أبرز التحديات الميدانية والمؤسسية التي تواجه حماية هذه الأنواع في جنوب البحر المتوسط، مع تقديم توصيات عملية تهدف إلى تبني سياسات تحفظية فعالة، توازن بين استغلال الموارد البحرية والحفاظ عليها.

يعكس هذا المشروع رغبة ليبيا المتزايدة في تبني مقاربة مستدامة لإدارة مواردها البحرية، ويأتي ضمن جهود إقليمية أوسع لتعزيز التعاون من أجل حماية النظم البيئية في البحر الأبيض المتوسط، وضمان استدامة التنوع البيولوجي البحري للأجيال القادمة.

إسماعيل شوغمان، خبير في علوم البحار : مشاركة ليبيا في الندوة الإقليمية جاءت ضمن مشروع مدعوم من مركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المحمية (سباراك) ووزارة البيئة الليبية

صيد أسماك القرش في مصر: بين الجدل البيئي والتحدي الاقتصادي

يثير صيد أسماك القرش في مصر نقاشًا واسعًا بين أنصار حماية البيئة من جهة، والمهتمين بالجوانب الاقتصادية من جهة أخرى، خاصة في ظل تزايد الحوادث البحرية قرب الشواطئ وتحذيرات الخبراء من تدهور مخزون هذه الكائنات المفصلية في النظام البيئي البحري.
ورغم صدور قوانين صارمة تحظر صيد القرش وتعاقب المخالفين بالغرامة والسجن، إلا أن شواهد الواقع تكشف استمرار الصيد الجائر، ما يفاقم أزمة توازن البيئة البحرية ويهدد التنوع البيولوجي.

تؤدي أسماك القرش دورًا جوهريًا في الحفاظ على استقرار السلسلة الغذائية البحرية، غير أن تراجع أعدادها واستنزافها المفرط تسببا في تغير سلوكها الطبيعي، ما قد ينعكس أحيانًا في حوادث نادرة وخطيرة مع الإنسان. كما تضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل التمدن الساحلي، والتلوث، وارتفاع درجات الحرارة الناتج عن التغير المناخي، مما يزيد من حدة التوتر بين الإنسان والكائنات البحرية.

ورغم الجهود الحكومية المبذولة لمراقبة هذه الكائنات وتطبيق القانون، فإن ضعف الإمكانيات وتحديات الرقابة الميدانية تجعل من الصعب القضاء تمامًا على الممارسات غير القانونية، خاصة مع استمرار بعض الصيادين في ملاحقة الربح السريع على حساب استدامة الموارد البحرية.

في هذا السياق، قدّم الدكتور محمد الطباخ، الأستاذ المساعد في البيولوجيا الجزئية بكلية العلوم في مصر، مداخلة علمية عن بُعد خلال الندوة، تناول فيها أحدث التطورات في تصنيف الأسماك باستخدام التقنيات الجينية. واستعرض الصعوبات التي يواجهها التصنيف التقليدي المعتمد على الخصائص الشكلية، والذي قد يؤدي إلى أخطاء تؤثر سلبًا في دقة الدراسات البيئية وإدارة المصايد.

اعتمد الطباخ في أبحاثه على تقنيات الجينوم الحديثة، ولا سيما على جين COX1 ضمن تقنية DNA Barcoding، التي تتيح تحديد الأنواع بدقة عالية عبر تحليل تسلسل جيني بطول يقارب 600 قاعدة نيتروجينية.

وأوضح الباحث مراحل العمل المخبري بدءًا من استخراج الحمض النووي وتضخيمه، وصولًا إلى تحليله عبر تقنيات البيوانفورماتيك الرقمية، مشيرًا إلى أن هذه الأبحاث وضعت مصر ضمن شبكة تعاون دولية تضم دولًا مثل فنلندا، الصين، باكستان، وإسبانيا.

وأكد الطباخ أن التحول نحو الأساليب الجينية الحديثة يفتح آفاقًا جديدة لفهم الفوارق الدقيقة بين الأنواع المتشابهة ظاهريًا، مما يعزز من دقة التصنيف ويوفر أساسًا علميًا متينًا لإدارة بيئية أكثر فعالية للمصايد البحرية، خصوصًا في مواجهة تحديات التغير المناخي.
كما تطرّق إلى تاريخ تطور هذه التقنيات منذ خمسينيات القرن الماضي، مبرزًا الانتقال من الاعتماد على الملاحظة الشكلية إلى التسلسل الجيني المتقدم الذي ينتج كميات ضخمة من البيانات، رغم ما يتطلبه من تكاليف مرتفعة وتجهيزات متطورة.

وفي ختام الندوة، تمت الإشارة إلى أهمية تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية ووزارة البيئة المصرية لتطوير برامج تدريبية ومشاريع بحثية مشتركة، تساهم في بناء قدرات وطنية في مجال الجينوم البحري والحفاظ على التنوع البيولوجي المائي.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الأبحاث تمثل جسرًا علميًا بين التصنيف الكلاسيكي والجينومي، وتضع مصر في موقع متقدم ضمن خارطة البحث العلمي البيئي على المستوى الدولي.

وفي النهاية، تبقى حماية أسماك القرش مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، تتطلب توازنًا دقيقًا بين متطلبات التنمية الاقتصادية والحفاظ على الثروات الطبيعية، من أجل بيئة بحرية أكثر استدامة وسواحل أكثر أمانًا للأجيال القادمة.

ورشة عمل إقليمية لحماية وإدارة الأسماك الغضروفية وخاصة منها القرش والشفنين في البحر الأبيض المتوسط

 إيطاليا تطلق مبادرات وطنية لحماية أسماك القرش والتنوع البحري

تشهد السواحل الإيطالية جهوداً متصاعدة لحماية أسماك القرش، التي تعدّ عنصراً محورياً في النظام البيئي للبحر الأبيض المتوسط، لكنها تواجه تهديدات متزايدة بفعل الصيد الجائر، والصيد العرضي، وتدهور المواطن البحرية نتيجة التغير المناخي.

تشير الإحصائيات إلى أن الصيد في المياه الإيطالية يؤدي إلى استخراج نحو 1,347 طناً من أسماك القرش سنوياً، وهو رقم مرتفع نسبياً، لكنه يظل أقل من حجم الصيد المسجل في بعض الدول المجاورة مثل تونس وليبيا.

لمواجهة هذه التحديات، أطلقت السلطات الإيطالية حزمة من المبادرات الوطنية ترتكز على مكافحة الصيد غير المنظم وتعزيز البحث العلمي لرصد أعداد وأنماط سلوك أسماك القرش.
وتُعدّ التشريعات المنظمة لفترات الصيد ومنع الصيد الجائر من أبرز أدوات الحماية، إلى جانب برامج توعية تستهدف الصيادين والمجتمعات الساحلية بهدف تعزيز مفهوم الصيد المستدام.

سجلت السلطات الإيطالية مؤخراً حالات تكاثر نادرة لأنواع مهددة بالانقراض في بعض مناطقها البحرية، في مؤشر إيجابي يعكس قدرة البيئة على التعافي متى توفرت الحماية اللازمة.

تعاون أوروبي ودولي

تشارك إيطاليا في تنفيذ برنامج LIFE EU SHARKS، الذي يجمع عدداً من الدول الأوروبية لتعزيز التعاون في مجال حماية أسماك القرش والشفنين في البحر الأبيض المتوسط.
ويهدف البرنامج إلى تطوير سياسات إدارة مستدامة، وزيادة الوعي البيئي، وتحسين تطبيق القوانين ذات الصلة. كما تدعم الحكومة الإيطالية التعاون مع الباحثين لإنشاء قواعد بيانات علمية دقيقة تساعد على اتخاذ قرارات قائمة على الأدلة.

وعلى المستوى الإقليمي، تعمل إيطاليا مع شركائها في البحر المتوسط والمنظمات الدولية لإيجاد توازن بين الاستغلال المسؤول للموارد البحرية وحماية التنوع البيولوجي.

ويرى الخبراء أن مستقبل أسماك القرش في المياه الإيطالية يعتمد على استمرار الإرادة السياسية والوعي المجتمعي، إلى جانب حسن إدارة الموارد البحرية، بما يضمن استدامة البحار كمورد بيئي واقتصادي للأجيال القادمة.

و في المحصلة اذا فانه في أجواء من النقاش والتعاون، جسّدت ورشة تونس 2025 مثالاً حيّاً على نجاح العمل الإقليمي المشترك لحماية التنوع البيولوجي البحري في البحر الأبيض المتوسط. لم تعد حماية أسماك القرش والشفنين مجرد قضية بيئية تُطرح في المؤتمرات، بل أصبحت رهانا حقيقياً على الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الساحلية التي تعتمد في معيشتها على ثروات البحر وتوازنه.

المشاركون في الورشة أجمعوا على أن المستقبل يتطلب إرادة سياسية واضحة تدعم الوعي المجتمعي، وتُطبق القوانين بصرامة، وتُحفّز البحث العلمي، مع إشراك فعّال للصيادين والمجتمع المدني في جهود الحماية.

فبمثل هذا النهج التشاركي والمتكامل، يمكن أن يبقى البحر الأبيض المتوسط فضاءً نابضاً بالحياة، يضمن بحراً متوازناً ومستداماً للأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى