سليدير

الحفاظ على التنوع البيولوجي: تمكين المجتمعات المحلية من خلال نهج الحفظ الشامل

مبروكة خذير/كوسموس ميديا

تعتبر تونس واحدة من البلدان الغنية بالتنوع البيولوجي، حيث تضم أكثر من 7500 نوع من الكائنات الحية، بما في ذلك 3000 نوع من النباتات و3000 نوع من الحيوانات البحرية.

تتميز البلاد بتنوع أنظمتها البيئية، التي تشمل السواحل، والغابات، والجبال، والصحاري، مما يجعلها خزانا بيولوجيا ذا أهمية وطنية وإقليمية. ومع ذلك، يواجه هذا التنوع العديد من المخاطر التي تهدد استدامته.

من أبرز هذه المخاطر التغير المناخي الذي يغير الأنظمة البيئية، والإجهاد المائي الناتج عن الاستغلال المفرط للموارد المائية، والتلوث الذي يؤثر على صحة الأنظمة البيئية.

وفي إطار الجهود المبذولة لحماية التنوع البيولوجي، تم توقيع ميثاق الالتزامات لحماية هذا التنوع، حيث تعهدت عدة قطاعات اقتصادية بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة لتعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة. وليست حماية هذه الثروة الطبيعية مسؤولية الحكومة وحدها، بل تتطلب إلتزاما جماعيا من جميع أفراد المجتمع لضمان إستدامتها للأجيال القادمة.

وبما أن المقاربة تشاركية بإمتياز وفي إطار الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال نهج مجتمعي وتأثيره الإيجابي على النظام البيئي والرفاهية المحلية والعالمية، فقد انعقدت اليوم 24 سبتمبر في أحد نزل العاصمة ورشة عمل لإطلاق مشروع “تسريع تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي من خلال نهج الحفاظ المجتمعي في تونس”.

جلسة تمهيدية أولى نظمها مكتب الصندوق العالمي للطبيعة – WWF شمال إفريقيا، بالتعاون مع وزارة البيئة ووزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري. ويهدف هذا المشروع إلى وضع الحفاظ المجتمعي في قلب تنفيذ إطار التنوع البيولوجي العالمي “GBF” في خمسة دول حول العالم بما في ذلك تونس. وهو ما يتماشى مع تنفيذ الأهداف 1 و3 و22 من الإطار العالمي.

تستمر ورشة العمل لمدة يومين في تونس العاصمة، وتأتي في إطار الجهود الدولية التي أطلقت خلال مؤتمر الأطراف الخامس عشر (COP15) في مونتريال عام 2022، والذي يهدف إلى حماية 30% من الأراضي والبحار بحلول عام 2030 واستعادة 50% من المناطق المتدهورة.

يركز المشروع على إشراك المجتمعات المحلية، بما في ذلك النساء والشباب، في اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستغلال المستدام للموارد الطبيعية وحماية النظم البيئية.

هذا وقد تعرف المشاركون خلال الورشة على الأنشطة المخطط لها ضمن المشروع ومناقشة النتائج المتوقعة.

تجمع الورشة ممثلين عن الوزارات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والخبراء، مما يعزز التعاون لدعم الحفاظ على التنوع البيولوجي وتحسين قدرة المجتمعات المحلية على مواجهة التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية. كما يفتح هذا الحوار متعدد الأطراف الطريق أمام حلول مستدامة لحماية الطبيعة في تونس.

من خلال إطلاق هذا المشروع، يجدد الصندوق العالمي للطبيعة التزامه بالمساهمة الفعالة في تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي والحفاظ على الثروات الطبيعية لتونس، مع مراعاة خصوصيات الدولة وأهدافها لتحقيق نموذج تنمية مستدامة وشاملة.

التحديات البيئية التي تواجه التنوع البيولوجي في تونس

في مفتتح الورشة، ألقى جمال جريجر، مدير الصندوق العالمي للطبيعة في شمال إفريقيا، كلمة تناول فيها الأهداف الرئيسية للمشروع الجديد. حيث أشار إلى أن المشروع يهدف بشكل رئيسي إلى المساهمة في تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي (GBF) في تونس، مما يعكس التزام البلاد بحماية التنوع البيولوجي وتعزيز الاستدامة البيئية. كما يهدف إلى تضمين المشاركة واتخاذ القرارات الشاملة للمجتمعات المحلية في التخطيط والاستراتيجيات المتعلقة بالتنوع البيولوجي، مما يضمن أن تكون أصوات المجتمعات المحلية مسموعة ومؤثرة في هذه العمليات.

وأضاف جمال جريجر في تصريح له لمنصة “كوسموس ميديا”: سيعزز مشروع “تسريع تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي من خلال نهج الحفاظ المجتمعي في تونس “الوعي بالقضايا المتعلقة بالتنوع البيولوجي ويعزز الإدارة المستدامة للمناطق المحمية. ومن بين النتائج المتوقعة، دعم تحديث وتنفيذ استراتيجيات هيكلية مثل “خطة العمل الاستراتيجية للتنوع البيولوجي في تونس” (2018-2030) والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة للغابات والمراعي.

كما يسعى المشروع إلى تطوير مخططات تهيئة لعشر مناطق محمية وإنشاء شبكة من المناطق المحمية. بالإضافة إلى ذلك، يسعى المشروع لزيادة المناطق المحمية وإدارتها بشكل فعال، مما يسهم في تحقيق الهدف 30*30، الذي يسعى لحماية 30% من كوكب الأرض بحلول عام 2030. تأتي هذه المبادرات في إطار جهود أوسع لحماية البيئة وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية لضمان مستقبل مستدام للتنوع البيولوجي في المنطقة.”

من جهته قال نوفل بن حاحة المدير العام لإدارة الغابات في تصريح له لمنصة “كوسموس ميديا” ان الغابات التونسية تواجه تهديدات متعددة تؤثر على تنوعها البيولوجي، مما يستدعي اهتمامًا عاجلاً. من أبرز هذه التهديدات حرائق الغابات، حيث تشهد تونس سنويًا حرائق تؤدي إلى تدمير مساحات شاسعة من الغطاء النباتي. بالإضافة إلى ذلك، يسهم القطع العشوائي للأشجار الناتج عن الأنشطة البشرية مثل التوسع العمراني وإنتاج الفحم في تقليص المساحات الغابية، حيث تم قطع حوالي 500 شجرة من أشجار الزان المعمرة في غابات عين دراهم. كما أن التغيرات المناخية تؤثر سلبًا على الغابات، مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار، مما يعزز من تفشي الحرائق ويزيد من خطر التصحر.”

وأردف “بن حاحة” في مداخلته لكوسموس ميديا ان الحكومة التونسية تسعى إلى وضع استراتيجيات لحماية الغابات وتعزيز التنوع البيولوجي، ولكن هناك حاجة ملحة لتفعيل هذه الاستراتيجيات على الأرض وزيادة الوعي البيئي بين السكان المحليين كما تؤثر هذه التهديدات أيضًا على الاقتصاد المحلي، حيث يعتمد العديد من السكان على الموارد الغابية كمصدر للرزق والغذاء، مما يزيد من معاناتهم. لذا، يتطلب الحفاظ على التنوع البيولوجي في الغابات التونسية جهودًا متكاملة تشمل تعزيز المراقبة وحماية الموارد الطبيعية وتوعية المجتمع بأهمية الحفاظ على البيئة.

وفي متابعة لإطلاق مشروع “تسريع تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي من خلال نهج الحفاظ المجتمعي في تونس “جاء في مداخلات سبأ قلوز،مديرة المحافظة على الطبيعة في الصندوق العالمي للطبيعة ، ان الإطار العالمي للتنوع البيولوجي (GBF) لن يحقق النجاح المطلوب إلا إذا كانت الإجراءات متناسبة مع الالتزامات، بما في ذلك توفير الموارد المالية الكافية وفي الوقت المناسب وسهولة الوصول إليها، وتوجيهها إلى الأماكن التي تحتاجها.

بالإضافة إلى ذلك، يجب ضمان مشاركة جميع الأطراف المعنية والتزامها على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. في هذا السياق، قام الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) بتطوير مشروع “تسريع تنفيذ الإطار العالمي للتنوع البيولوجي من خلال نهج الحفظ المجتمعي”، والذي يهدف إلى تعزيز جهود تنفيذ GBF في خمسة بلدان حول العالم، بما في ذلك تونس. يركز هذا المشروع على وضع الحفظ المجتمعي في صميم تنفيذ GBF، ويتماشى مع الأهداف التالية التخطيط الاستراتيجي، تخصيص 30% من المناطق المحمية بحلول عام 2030 و شمولية الفئات الضعيفة. يهدف المشروع إلى ضمان مشاركة كاملة وعادلة وشاملة من قبل المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات المتعلقة بحفظ التنوع البيولوجي، مع مراعاة حساسية النوع الاجتماعي.

دور المجتمعات المحلية في الحفاظ على التنوع البيولوجي: شراكة من أجل الاستدامة

تعتبر المجتمعات المحلية عنصرًا أساسيًا في جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث يمكنها أن تلعب دورًا حيويًا من خلال مجموعة من المبادرات الفعالة. يبدأ ذلك بتعزيز الوعي والتعليم البيئي، حيث يمكن تنظيم ورش عمل وحملات توعية تستهدف جميع شرائح المجتمع لتعريفهم بأهمية التنوع البيولوجي. كما يمكن للمجتمعات الانخراط في برامج الحفظ بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والجهات الحكومية لحماية الأنواع المهددة والمناطق المحمية. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك المجتمعات المحلية معرفة تقليدية قيمة حول الأنظمة البيئية، مما يعزز فعالية استراتيجيات الحفظ عند دمجها مع الأساليب الحديثة. علاوة على ذلك، يمكن للمجتمعات تطبيق مبادئ الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، مثل الزراعة المستدامة وصيد الأسماك بشكل مسؤول، مما يقلل من الضغط على الأنظمة البيئية. كما يمكنها العمل على إنشاء مناطق محمية خاصة بها، مما يعزز قدرتها على إدارة مواردها بشكل مستدام.

يتطلب الحفاظ على التنوع البيولوجي أيضًا التعاون بين المجتمعات المحلية والحكومات والمنظمات غير الحكومية، حيث يمكن تبادل المعرفة والموارد لتحقيق أهداف مشتركة. وأخيرًا، تشجيع الابتكار في الحلول البيئية الجديدة يمكن أن يساعد المجتمعات على التكيف مع التغيرات المناخية وضمان استدامة التنوع البيولوجي للأجيال القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى