سليديرمقالات

أزمة المياه في تونس لا تختزل في ندرتها.. حمزة الفيل يوضح

رفيقة الجليدي – كوسموس ميديا – تعيش تونس منذ أيام على وقع حالة من الاستنفار لتجاوز أزمة شحّ المياه في ظل حالة الجفاف المسجلة على غرار مناطق عديدة من العالم، استنفار كان قد دعا إليه خبراء البيئة منذ سنوات، ومازالوا يحاولون إيصال أصواتهم لوزارات القرار والمواطنين للتحسيس بالأزمة وسبل حسن التعامل معها.

وإن حجّرت وزارة الفلاحة في تونس، في مقرر دخل حيز التنفيذ بداية من 31 مارس 2023، استغلال المياه الصالحة للشرب للأغراض الفلاحية وري المساحات الخضراء وغسل السيارات وتنظيف الشوارع والأماكن العامة بالإضافة إلى اعتماد نظام حصص ظرفي للتزود بالمياه الصالحة للشرب الموزعة عبر شبكات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه لكافة المستعملين، فيبدو أن أزمة المياه في تونس لا تنحصر في ندرتها بل إن الأمر أكثر تشعبا وتعقيدا…

الماء في تونس غير مقبول للشرب!

كانت “كوسموس ميديا” قد أجرت حوارا مع الباحث في مجال المياه ورئيس مخبر تحلية وتثمين المياه حمزة الفيل ضمن برنامج “كوسموس” البيئي الأسبوعي، قال فيه إن الأزمة التي تعيشها تونس اليوم تتمثل أساسا في المياه الصالحة للشرب والمياه المعدة للرّي، إذ هجر المواطن التونسي مياه الحنفية بسبب نسبة الملوحة العالية الموجودة فيها.

وأفاد الفيل بأن مصادر المياه في تونس إما من سدود أو آبار، وبالتالي تضاعفت نسبة استغلال الموائد المائية، في ظل صمت سلطة القرار، بما يقدر بـ 120٪ وتصل أحيانا إلى 140٪، وهو بدوره ما عمّق من مشكل الملوحة التي تصل إلى 1.5 غرام في اللتر الواحد وأحيانا قد ترتفع إلى 2 غرام في اللتر الواحد، وهو رقم مفزع مقارنة بما حددته منظمة الصحة العالمية من نسبة ملوحة في الماء والتي لا تتجاوز 1.2غرام في اللتر، حسب قوله.

يرى الباحث حمزة الفيل أن تونس تعيش أزمة مياه خطيرة وأننا فعلا في مرحلة حرجة من حيث كمية المياه حيث تراجعت نسبة مخزون المياه في السدود بـ 32٪ سنة 2023 بعد انقطاع التساقطات في الثلاث سنوات الفارطة.

مياه تهدد صحة المواطن!؟

أشار الباحث حمزة الفيل، إلى أن نسبة الملوحة في مياه الحنفية والتي تجاوزت المعدل العالميلا تمثل خطورة عموما، رغم أنها غير مقبولة عند المواطن. وقد بينت الأرقام أن تونس تحتل المرتبة الثالثة في العالم في استهلاك المياه المعلبة وذلك نتيجة العزوف عن شرب ماء الحنفية.

ولكن الخطر الحقيقي على صحة المواطن حسب الفيل هو “حالات التعفن” التي لاحظها الخبراء في المياه، إذ قال ضيف “كوسموس”: لقد قمنا بدراسة عينات من الماء من رادس إلى سليمان ووجدنا 15 عينة فقط مطابقة للمواصفات من مجموع 60 عينة”.

10,6 % من مياه الحنفية غير مطابق للمواصفات.. وولاية تطاوين تتصدر الترتيب

أفاد الباحث حمزة الفيل بأن وزارة الفلاحة قد قامت بدراسة المياه الصالحة للشرب فتبين أن 10,6٪ من مياه الحنفية غير مطابق للمواصفات من الناحية الميكروبيولوجية بنسب متفاوتة بين الولايات.

وقد قدم حمزة الفيل أمثلة على ذلك، فمثلا نسبة 20٪ من الماء في ولاية بن عروس غير مطابقة للمواصفات و 30٪ بالنسبة لولاية بن عروس، أما النسبة الأكبر فهي في ولاية تطاوين حيث أثبتت الدراسة أن 35٪ من الماء المعد للشرب غير مطابقة للمواصفات.

وقال المتحدث معلقا على هذه الدراسة: “الماء في مثل هذه الحالات أصبح خطرا على الإنسان، ولابد من تدخل عاجل من الدولة فإلى متى يهرب المواطن إلى الماء المعلب.. لابد أن نعي أن هذا الهروب من خطر الماء ينتج خطرا آخر وهو العدد الهائل من قوارير المياه البلاستيكية الملقاة في الطبيعية.

وللإشارة يستهلك الفرد الواحد في تونس اليوم قرابة 255 لترا من المياه المعلبة مقابل معدل 150 لترا في فرنسا، وبالتالي ثلاثة مليارات لتر من المياه المعلبة أي ما يعادل مليارا و650 قارورة بلاستيكية في الطبيعة.

صرخات المختصين في البيئة والتنمية المستدامة عبر بعض وسائل الإعلام التي آمن بعض صحفييها بعمق الأزمة وخطورتها، مع عدة تنبيهات يائسة من مواقع إلكترونية جعلت البيئة أولوية وضرورة ملحة نصب أعينها، ظلت حبيسة مقالات أو حوارات ملقاة هنا وهناك، قد يرأف بها البعض فيمر سريعا على بعض عناوينها في ظل واقع يشهد عزوفا عن القراءة وتوجها نحو المعلومة السريعة ومقاطع الفيديو السالبة لألباب رواد المواقع الاجتماعية من جميع الفئات المستعملة لشبكة الإنترنت .

حالة من الركون إلى الاستهلاك اليومي لأخبار نجوم افتراضيين، فقاعات لا تدري متى ظهرت وماذا تقدم لمتابعيها تعرضهم الشاشات الصغيرة فتجد الجميع فاغري أفواههم أمام اخبار تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع ..

فهل سيستفيق هؤلاء اليوم ولو متأخراً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا يأتي يوم نفغر فيه أفواهنا للريح؟

زر الذهاب إلى الأعلى