سليديرمقالات

الانتقال الطاقي في تونس: تحديات وفرص لتعزيز الاقتصاد والبيئة وتحقيق الأمن الطاقي؟!

أمل الصامت – كوسموس ميديا

يحظى قطاع الطاقة في تونس بأهمية كبرى من ناحية السياسات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الترشيد في الاستهلاك من جهة والتقشف في المصاريف بالعملة الصعبة الموجهة لهذا القطاع من ناحية أخرى، وهو ما دعا الدولة إلى العمل على تركيز منوال طاقي جديد يهدف إلى تحقيق السيادة الطاقية.

وبالتالي يعتبر الانتقال الطاقي مسألة حياتية وكثيرا ما تحدثت مؤسسات الدولة عن استراتيجيات محددة في هذا المجال في إطار مواكبة التحديات المطروحة في علاقة بالبيئة والتغيرات المناخية التي لا تواجهها تونس فقط بل على صعيد العالم ككل.

وفي هذا الإطار، أفاد رئيس جمعية مهنيي الطاقة هشام منصور، خلال حضوره في فقرة كوسموس لوديبا ضمن البرنامج البيئي الأسبوعي كوسموس بأن تونس تعيش على وقع عجز طاقي منذ سنة 2000 ما انفك يتزايد سنة بعد سنة خاصة خلال السنوات العشرة الأخيرة.

وأرجع منصور هذا العجز إلى الاعتماد على مصدر وحيد للطاقة ألا وهو الغاز من مصدر واحد وهو القادم من الشقيقة الجزائر، مشيرا إلى تزايد تقلص موارد الدولة الذاتية، القليلة في الأصل، نظرا لغياب عمليات الاستكشاف والحفر والتنقيب خلال السنوات الأخيرة بفعل المشاكل الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي التي عاشت على وقعه البلاد طيلة 10 سنوات.

الانتقال الطاقي على طاولة النقاش…

احتضنت تونس خلال شهر سبتمبر المنقضي منتدى إقليميا بعنوان “إفريقيا مركز للطاقة” في نسخته الأولى ببادرة من جمعية مهنيي الطاقة وبالشراكة مع مع عدد من الهياكل ذات الصلة مثل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية والوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، و الشركة التونسية لتوزيع البترول “عجيل”، ومنظمة الهيدروجين الأخضر والجمعية التونسية للنفط والغاز، والشركة التونسية للكهرباء والغاز بالإضافة إلى مجلس الأعمال التونسي الإفريقي.

وناقش المتحدثون وصناع القرار والخبراء العالميون، على مدى ثلاثة أيام، مواضيع تتعلق بالاستراتيجيات المختلفة لتحسين أمن الطاقة في تونس والقارة الإفريقية بالإضافة إلى فرص التبادل فيما يتعلق بتحديات الطاقة الجديدة التي تواجه البلدان الإفريقية.

وسعت جمعية مهنيي الطاقة، من خلال هذه النسخة الأولى، إلى الجمع لأول مرة بين المتخصصين في مجال الطاقة من جميع الجوانب، على غرار محترفي الطاقة الأحفورية والمتخصصين في الطاقة المتجددة للالتقاء معًا والتفكير في طرق خلق أوجه تآزر تعود بالنفع على تونس والقارة الأفريقية.

وأكدت الجمعية في هذا السياق قدرة تونس على أن تكون بوابة افريقيا في مجال التطوير الطاقي، وهو ما دعا مقدمة برنامج كوسموس إلى طرح السؤال حول مدى إمكانية تحقيق ذلك على أرض الواقع في ظل الحديث عن عجز طاقي، الأمر الذي قاد ضيفها هشام منصور إلى التشديد على قدرة بلادنا فعلا على ذلك قائلا: “وأكبر دليل على هذا هو حجم تفاعل الدول المشاركة في المنتدى”.

وتابع منصور مفسّرا: “تعتبر تونس صاحبة أعلى تغطية بالكهرباء على مستوى الدول الإفريقية بنسبة 99.8% حتى مقارنة بدول الشمال على غرار مصر والجزائر والمغرب، كما ساهمت في ربط آلاف النقاط في بلدان أخرى بالكهرباء.. على سبيل الذكر لا الحصر في روندا قمنا بتطوير وتركيز شبكات الربط بالكهرباء في أكثر من 50 ألف منزل ومصنع ونقاط مختلفة بإمكانيات وطاقات 100% تونسية”.

ولفت في حديثه عن كيفية النجاح في تحقيق الانتقال الطاقي إلى ضرورة وضع استراتيجيات واضحة ومدروسة ومتابعة التنفيذ وتقييم النجاعة نقطة بنقطة، مشددا على أن النجاح لا يتحقق بمعزل عن بقية الدول خاصة على المستوى الاقليمي، وفق تعبيره.

بعيدا عن العاطفة…

وفيما يتعلق بدعوة المنتدى للعودة إلى الاستكشاف والبحث عن الطاقات البديلة على غرار الغاز الصخري الذي تحوم حوله العديد من الشبهات في تعارضه مع سلامة البيئة، اعتبر ضيف برنامج كوسموس هشام منصور أن “الحوار في هذا الشأن خلال العشر سنوات الأخيرة كان عاطفيا بامتياز ووليد صراعات سياسية لا غير”، دون النظر إلى فاعلية الموضوع في تحقيق الأمن الطاقي لتونس، الأمر الذي جعل أهل الاختصاص يتحاشون الخوض في المسألة حتى لا يتم اتهامهم بعدم مراعاة مصلحة البلاد البيئية، على حد قوله.

وأكد منصور في هذا السياق، فاعلية الغاز الصخري مقارنة بالفحم الحجري الأكثر خطورة على البيئة بفعل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يتسبب فيها بطريقة كارثية، مشيرا إلى أن البلدان الأوروبية التي لا طالما نادت باللجوء للطاقات النظيفة اضطرت في وقت ما إلى العودة إلى الفحم الحجري لضمان أمنها الطاقي.

وخلص في هذا الإطار، إلى أنه وجب على تونس اليوم استغلال مواردها المتاحة من غاز صخري وبترول صخري لتحقيق أمنها الطاقي، لافتا إلى أنه يمكن التحكم في المشاكل الناجمة عن الغاز الصخري والمتمثلة أساسا في الاستهلاك المكثف للمياه والاضرار بالطبقات المائية خلال عملية التكسير، وذلك من خلال إعادة تدوير المياه المستعملة في الاستخراج باعتماد التكنولوجيا الحديثة بنسبة 80%، كما أن العمق المطلوب يتجاوز 3 آلاف متر في حين أن الطبقات المائية موجودة على عمق 800 متر فقط وبالتالي فإن فرضية الاضرار بها مستبعدة، وفق تأكيده.

وفي ختام حديثه، دعا رئيس جمعية مهنيي الطاقة هشام منصور مؤسسات الدولة إلى التعامل مع المسألة بنظرة براغماتية، بما يجعلها تتمكن من تحقيق المعادلة التي تجمع بين الأمن الطاقي والسيادة الطاقية وتوجيه الأموال المهدورة من العملة الصعبة لاحتياجات أخرى حياتية مع الحفاظ على البيئة في نفس الوقت، حسب تصوره.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى