سليديرمقالات

المعاهدة العالمية للبلاستيك: أمل قد لا ينهي الأزمة؟!

فتحية خذير – كوسموس ميديا

بعد حوالي أسبوع من المفاوضات، اختتمت الدورة الرابعة لاجتماع لجنة التفاوض الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة حول التلوث البلاستيكي المنعقدة في العاصمة الكندية “أوتاوا” من 23 وحتى 29 من شهر أفريل المنقضي.

وتوصل الأعضاء المشاركون إلى ضرورة وضع اتفاقية عالمية هي الأولى من نوعها للتعامل مع التلوث البلاستيكي كأحد أكبر مشكلات العصر.

إجماع دولي…

تعتبر الجولة الرابعة من المفاوضات الحكومية الدولية حول البلاستيك الجولة الأكثر نجاحا في نظر المراقبين فهي المرة الأولى التي يجتمع فيها وزراء ومراقبون من 175 دولة حول العالم لوضع حد لأخطر أنواع التلوث على البيئة البرية والبحرية وعلى الانسان وكل الكائنات الحية.

وقالت سكرتيرة البرلمان الكندي “جولي دابروسين” إنّ محادثات “أوتاوا” شهدت تغيرا كبيرا في النبرة والطاقة مقارنة بالجولات السابقة، وأردفت بكونها “متفائلة حقا بإمكانية التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية العام الحالي لإنهاء مشكلة التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040”.

يذكر أن المحادثات الدولية بدأت منذ 5 أشهر في كينيا، واختُتمت الجلسة الرابعة على اتفاق بإجراء سلسلة من المشاورات حتى شهر نوفمبر القادم، تاريخ انعقاد الجولة الأخيرة من المحادثات في كوريا الجنوبية.

اقتراح على طاولة المفاوضات

يعتبر التلوث البلاستيكي من أكثر القضايا البيئية إلحاحا ومن أجل مكافحته نادى النشطاء البيئيون في كل دول العالم منذ وقت طويل بضرورة صياغة معاهدة ملزمة قانونيا لكل الدول المصنعة تحد من انتاج البلاستيك أولا وتنهي استعماله ثانيا.

وعلى الرغم من الإجماع والترحيب الدولي لمخرجات الجولة الرابعة من اجتماع لجنة التفاوض الحكومية الدولية حول التلوث البلاستيكي، انتقد خبراء البيئة عدم إدراج الحد الأقصى المقترح من كميات إنتاج البلاستيك في المسودة، وهو ما يخدم مصالح الدول المنتجة للنفط وصناعة البلاستيك ويضعف الاتفاقية في نهاية المطاف.

في هذا الإطار وخلال مفاوضات الأمم المتحدة في جولتها الرابعة حول مكافحة التلوث البلاستيكي في “”أوتاوا” اقترحت كل من دول رواندا وبيرو خفض إنتاج البلاستيك بنسبة 40% خلال السنوات الـ 15 المقبلة.

فيما اعتبر “غراهام فوربس” من منظمة السلام الأخضر خلال حوار له في وكالة فرانس برس، أنه لا يمكن إنهاء التلوث البلاستيكي إذا لم تتضاءل كميّة إنتاج البلاستيك، كما اعتبر أن معيار نجاح هذه المعاهدة يتوقف على مدى مقدرتها على علاج وخفض إنتاج البلاستيك، “وأيّ عوامل أخرى لن تكون فعّالة البتة”، وفق تقديره.

وفي نفس الموضوع قالت المتحدثة باسم دول الحد الجنوبي من العالم “آنا روشا”: إنّ هناك استعدادا كاملا لمعالجة البوليمرات البلاستيكية الأولية بموجب المعاهدة”.

وبحسب الوفد الفرنسي، كان من المتوقع أن يلتزم وزراء البيئة لمجموعة الدول الصناعية السبع بخفض عمليات إنتاج البلاستيك بعد لقائهم في إيطاليا مؤخرا، مشيرين إلى أن مستوى التلوث البلاستيكي الحالي بات مقلقا.

أي دور للمنظمات البيئية؟

اعتبر التحالف العالمي لبدائل المحارق المعروف بـ”غايا” (GAIA) في وقت سابق أن التفكير الدولي في صياغة قانون دولي يمنع استعمال البلاستيك لم يكن ممكنا لولا حركة متنوعة لجامعي النفايات ونشطاء المجتمع المدني الدولي في الخطوط الأمامية والذين طالبوا بتغيير منهجي ينهي عصر البلاستيك.

ولسنوات عديدة كانت منظمة “غايا” في طليعة الحركة العالمية لإنهاء أزمة البلاستيك، من خلال النضال من أجل تغيير السياسات الدولية في هذا الباب وإيجاد حلول ناجعة على أرض الواقع لمكافحة التلوث البلاستيكي.

ويعتبر أعضاء “غايا” المنظمة كأحد أهم المنظمات الدولية البيئية التي دافعت كثيرا على مقاومة التلوث البلاستيكي من المصدر، ومثلت دائما وسيلة ضغط على جمعية الأمم المتحدة للبيئة من أجل إنشاء معاهدة عالمية للبلاستيك وقانون دولي ملزم يهدف إلى القضاء على البلاستيك ويغطي دورة الحياة الكاملة لهذه المادة ويعترف بآثارها البيئية الخطيرة وبحقوق ملتقطي النفايات والدور الفريد الذي يضطلعون به.

وكانت شبكة “غايا” البيئية قد انتقدت سابقا أهداف اتفاقية باريس للمناخ المنعقدة في 12 ديسمبر 2015، واعتبرت أن وعود صناع البلاستيك بتحويله إلى وقود أو إعادة تدويره كيميائيا ليست إلا حلولا واهية ومصدرا آخر للتلوث كما أنها تبرر للاستمرار في إنتاج البلاستيك، وتفشل في معالجة هذه الأزمة من المصدر، أي من اللحظة التي يتم فيها استخراج النفط أو الغاز المستخدم لإنتاج البلاستيك من باطن الأرض، إلى أن يحين موعد حرقه في المحارق أو تراكم مخلّفاته في مكبات النفايات وفي الغابات والمحيطات والأنهار.

خطر يهدد كوكب الأرض؟!

من خلال كل هذه التصريحات يبدو أن التوجه العالمي لخفض إنتاج البلاستيك بات أمرا واقعا وأن الجولة القادمة والأخيرة للجنة التفاوض الحكومية الدولية التابعة للأمم المتحدة حول التلوث البلاستيكي ستنتهي بقانون دولي ملزم لشركات البلاستيك بخفض الإنتاج بدل التوقف عنه نهائيا ويدعم الحلول البديلة كإعادة التدوير.

والجدير بالذكر هنا أنه -وعلى صعيد عالمي- يتم إعادة تدوير 9% فقط من البلاستيك. وحتى في البلدان المتقدمة، فإن معدل إعادة تدوير المواد البلاستيكية التي تجمعها الأسر غالباً ما تكون نسبتها أقل بكثير من 50%، في حين أن جزءا بسيطا للغاية من هذه النسبة يُعاد تحويله مجدداً إلى منتجات تعبئة وتغليف بلاستيكية.

إضافةً لما سبق، يعتبر خبراء الجودة معظم نفايات التغليف “المُعاد تدويرها” على نحوٍ متكرّر، يتم تحويلها في النهاية إلى منتجات ذات جودة أقلّ أو قد تصبح غير قابلة لإعادة التدوير، ممّا يعني أن العملية تؤدّي في نهاية المطاف إلى تأخير رحلة البلاستيك الحتمية إلى مطامر ومكبّات النفايات.

وقد تضاعف إنتاج البلاستيك السنوي العشرين عاما الأخيرة ليصل إلى 460 مليون طن في السنة، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد مرات أخرى في السنوات العشرين القادمة، وإذا لم تتم معالجة قضية التلوث البلاستيكي، فإن الاستخدام والإنتاج المتسارعَيْن للمواد البلاستيكية يمكن أن يهدّد رفاهية المجتمع.

وفي الوقت الذي تحتد فيه التغيرات المناخية في العالم لازال اقتصاد البلاستيك يدافع عن وجوده واستمراره وهو المسؤول الأول عن تأجيج أزمة المناخ حسب خبراء البيئة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 90% من المنتجات البلاستيكية مصنوعة من الوقود الأحفوري. وتهدّد انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن دورة حياة البلاستيك قدرة المجتمع العالمي على الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، فوق مستويات ما قبل الصناعة.

فيما يفيد مركز القانون البيئي الدولي في احد تقاريره، ان التلوّث الناجم عن إنتاج البلاستيك العالمي وحرقه فقط سنة 2019، يعادل انبعاثات 189 محطة طاقة تعمل بالفحم.

ويقدّر أنه وبحلول عام 2050، يمكن أن تشكّل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن البلاستيك ما يصل إلى 10-13% من إجمالي ميزانية الكربون المتبقية. وإذا استمر الإفراط في إنتاج واستهلاك البلاستيك من دون انقطاع، فقد يمثل 20% من إجمالي استهلاك النفط العالمي بحلول منتصف القرن الحالي.

ترجح الكفة على ما يبدو دائما إلى جانب الشركات النفطية والمصنعة للبلاستيك مقابل كفة البيئة. ليستمر نضال نشطاء البيئة لإنقاذ كوكب بات مهددا بتغيرات مناخية قد تعصف بالأخضر والأزرق فيه وتقضي على كل الكائنات الحية التي من بينها الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى