سليديرمقالات

التلوّث الضوضائي.. أو التلوّث المسكوت عنه رغم مخاطره الصحيّة

فتحية خذير – كوسموس ميديا

تناول برنامج كوسموس البيئي في حلقته الـ11 ليوم الأربعاء 14 جوان موضوع التلوث السمعي أسبابه وتأثيراته، حيث بيّنت منظمة الصحة العالمية أن الحد الأقصى للضوضاء التي يتعرّض لها الشخص يوميا يجب أن لا يتجاوز 85 ديسيبل لمدة أقصاها ثماني ساعات في اليوم الواحد.. معايير دوليّة لا يتم احترامها كثيرا في تونس خاصة مع صخب حركة المرور ومكبرات الصوت في حفلات الزفاف وأيضا مولّدات الطاقة في بعض المناطق الداخليّة . 

واستضاف البرنامج للحديث في هذا الموضوع كل من منسقة قسم العدالة البيئية بمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إيناس لبيض ومدير الرقابة البيئية للمنتجات بالوكالة الوطنية للرقابة الصحية و البيئية للمنتجات محمد وسيم الهاني الذي تحدّث عن الوكالة وقال إنّها مؤسسة عموميّة تخضع لإشراف وزارة الصحة أحدثت منذ سنة 1999 وسيتم قريبا تغيير تسميتها لتصبح الوكالة الوطنية لتقييم المخاطر وستعني بتقييم المخاطر الصحيّة بالنسبة للمنتوجات الغذائيّة والاستهلاكيّة وعوامل الأخطار البيئّيّة ومن بينها التلوّث الضوضائي  

وفي حديثه عن المخاطر التي يتعرّض لها الإنسان جراء الضجيج، قال الهاني إن تقديرات منظمة الصحّة العالمية على مستوى دولي لسنة 2025 تفيد انّ 2.5 مليار شخص سيعيشون درجة معيّنة من فقدان السمع نتيجة الضجيج وإنّ من بينهم 700 ألف شخص تتطلّب حالتهم العلاج الطبي والمتابعة، واصفا الرقم بالمفزع، وأضاف أن للتلوّث الضوضائي مخاطر صحيّة فيزيولوجية مباشرة تتمثّل في إتلاف الخلايا الداخليّة للأذن نتيجة التعرّض المتكرر للضجيج خاصة نتيجة استعمال سماعات الأذن وهو ما قد يخلّف اضطرابا في السمع أو حتى فقدانه تماما حتى لدى المراهقين والشباب.

وأضاف محمد وسيم الهاني أن فقدان السمع كان في السابق مرتبطا بالشيخوخة لكنّه أصبح اليوم شائعا أيضا لدى الأصغر سنّا كما يمكن أن يخلّف التعرّض للضجيج إلى اضطرابات النوم ويهدد صحة القلب والشرايين علاوة على تأثيراته النفسيّة والتوتّر المستمر والعصبيّة واضطرابات التواصل علاوة على نقص الذاكرة وتشتيت الانتباه وتأخر الفهم والتعلّم، إضافة إلى تأثيراته الاقتصادية ومنها تدني قيمة العقارات المتواجدة بجانب مصادر الضجيج وارتفاع التكاليف الصحيّة وأشغال العزل الصحّي.

وأفاد الهاني بأنّه بالنسبة لمقاومة الضجيج، فإن وزارتي الصحة والبيئة على وعي تام بأهمية هذا الموضوع وبأن هناك نصوص ترتيبّية لمراقبة مستوى الضجيج والسيارات والتهيئة العمرانيّة لكنّها تحتاج المزيد من التطوير لمسايرة مصادر التعرّض للضجيج الجديدة، فعلى مستوى وزارة الصحة قامت الوكالة الوطنية للرقابة الصحيّة والبيئيّة للمنتجات بدراسة شاملة عن التلوّث الضوضائي في تونس وسبل التصدي لمصادره على مستوى قانوني ومؤسساتي ثم أعدت دراسة ثانية وطنيّة انتهت سنة 2021، وعنوانها دراسة إدراك المواطن التونسي لمخاطر الضجيج لأن هناك تعرّض إرادي وآخر غير ارادي.

واعتبر ضيف برنامج كوسموس، أن مقاومة التلوّث الضوضائي تبدأ في المرحلة الأولى بتقييم المخاطر وتعرّف مصادر الضجيج ومن ثم القيام بإجراءات التصرّف والتي هي إجراءات قانونيّة وترتيبيّة للتوعية والتحسيس، كما أن الضجيج يدخل أيضا في دراسة المؤثرات البيئية التي تصادق عليها وزارة البيئة والوكالة الوطنية لحماية المحيط فكل مشروع يخضع في كرّاس شروطه لهذه الدراسة. وقال الهاني إن الضجيج هو محور هام ضمن دراسة المؤثرات البيئيّة، مضيفا أن هناك أيضا الضجيج في المحيط المهني والذي يخضع للمراقبة من قبل تفقديات وطب الشغل  .

 وأردف وسيم الهاني أنّه وعلى مستوى بلدي ومحلي تسهر البلديات على مقاومة التلوث الضوضائي بواسطة جملة من الإجراءات الترتيبيّة وهناك عدد كبير من البلديات لديها أجهزة لقياس مستوى الضجيج وهناك أيضا المصالح الجهوية التابعة لإدارة حفظ الصحة والمحيط التي تتلقى تشكيات المواطنين فيما يتعلّق بالضجيج وتتابع هذه الشكاوي مع المصالح البلدية ويقع قيس مستوى الضجيج واتخاذ الإجراءات الترتيبية اللازمة.

وقال محمد وسيم الهاني مدير الرقابة البيئية للمنتجات بالوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات الذي تحدّث عن الوكالة الوطنية للرقابة الصحيّة والبيئيّة للمنتجات، إن هناك حلول للتلوّث الضوضائي خاصة بدعم الجانب الترتيبي والقانوني مع اصدار مجلة البيئة واصدار الأوامر الترتيبية الجديدة للحدود القصوى لمستويات التعرّض للضجيج وفي المدن الكبرى، وأضاف أن المنصوح به أن يجهّزوا خرائط التلوّث الضوضائي كما هو معمول به بالدول المتقدمة إضافة الى تدعيم أنشطة المراقبة المحليّة البلديّة والجهوية ودعم الفضاءات الخضراء وغيرها من الحلول …

وفي ما يخص التلوّث السمعي في منطقة برج الصالحي من معتمدية الهوارية ولاية نابل، أين ركزت الشركة  التونسية للكهرباء والغاز محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالرياح في سيدي داود بداية منذ سنة 2000، قالت ايناس لبيض منسقة قسم العدالة البيئية بمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خلال حضورها في برنامج كوسموس، إن ملف برج الصالحي هو ملفّ شائك اختلطت فيه جملة من المظالم على أصعدة مختلفة أهمّها التلوّث الضوضائي بالمنطقة فبالنسبة لدراسة المؤثّرات البيئيّة لهذا المشروع جاءت سنة 2020، والمشروع بدأت الشركة التونسية للكهرباء والغاز العمل به منذ سنة 2016، ودراسة المؤثرات البيئيّة نصّت على مسافات معيّنة بين النواعير الهوائيّة وبين المنازل.

وأضافت ايناس لبيض انه و خلال زيارتهم الميدانية للمنطقة اكتشفوا انّه لم يقع احترام هذه المسافات، مؤكدة أن المسافة التي يجب أن لا تقل عن 400م بين النواعير الهوائيّة وفق دراسة المؤثرات البيئيّة هي في الحقيقة لا تتجاوز 200 م، والمسافة بين أقرب منزل وناعورة الهواء لا تتجاوز في بعض الاحيان 40م، وهذا ما اعتبرته خطرا كبيرا، فالمعايير الدوليّة تنص على ان هذه المسافة بين المنازل والنواعير الهوائيّة يجب أن لا تقل عن 500م.

 واعتبرت لبيض أن الادعاء بأن المنازل المحاذية للنواعير في منطقة برج الصالحي أحدثت بعد ان تم بعث المشروع، هي مغالطة كبرى، مشيرة إلى أن الضجيج في المنطقة يتم بشكل متواصل كامل السنة وهو يخلّف طنينا في الاذن وقلقا حتى لدى المتساكنين وهم داخل المنازل وهو ما اضرّ بسمع البعض منهم، مفيدة بأن هناك وسائل اعلاميّة قالت إن متساكني قرية برج الصالحي هم من الصم والبكم من الأساس، لكنّ الحقيقة عكس ذلك وهناك من لديهم سمع سليم وهناك أطفال أيضا.

وأكّدت ايناس لبيض أن هذا المشروع أصبح مصدر ضجيج للجميع في قرية برج الصالحي واثّر في حياتهم اليوميّة وأقلق راحتهم اثناء النوم واصابهم بالأرق المتواصل  وتحدّث الأهالي الذين تلقى قسم العدالة البيئيّة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تشكياتهم، عن بطء في الفهم لدى الأطفال واضطراب في التواصل وقد اثّر هذا الضجيج حتى في الحياة العائليّة والعلاقة بين الأزواج الذين اصبحوا عصبيين اكثر وكثرت بينهم الخلافات .

ولعب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة، وفق ما أفادت به منسقة قسم العدالة البيئية إيناس لبيض، دور الوسيط بين المتساكنين والشركة التونسية للكهرباء والغاز ووقع التفاوض مع الشركة الباعثة للمشروع منذ سنة 2021، بحضور بعض السكان والمجتمع المدني خاصة مع المعادلة الصعبة بين أهميّة المشروع في انتاج طاقة نظيفة من جهة وصحّة أهالي المنطقة من جهة أخرى، وقد تم الموافقة على محضر جلسة تم الاتفاق المبدئي خلاله على ترفيع علو النواعير الهوائيّة القريبة من المنازل خاصة.

وفي هذا الاطار، قال محمد وسيم الهاني مدير الرقابة البيئية للمنتجات بالوكالة الوطنية للرقابة الصحية و البيئية للمنتجات أن وزارة الصحة تلقت ملف النواعير الهوائيّة في برج الصالحي وتم العمل على هذا الموضوع وان الوكالة بصدد اعداد تقرير متكامل عن هذا الموضوع، مؤكدا ان ممثلين عن إدارة حفظ الصحة والمحيط قاموا بزيارات ميدانية عديدة وتم قيس مستويات الضجيج الموجودة في المنطقة في مناسبات عديدة، معتبرا أن قرب هذه النواعير من المنازل وضعية غير عادية ويجب مراجعتها وإيجاد الحلول المناسبة لها والتي تراعي مصلحة المشروع وسلامة صحة المتساكنين.

زر الذهاب إلى الأعلى