سليديرمقالات

“سلطان الغلة” ينزف: “الهندي” التونسي الذي يموت ببطء؟!

فيديو وصور

مبروكة خذير – كوسموس ميديا

بدا الصبار يقاوم من أجل الوقوف، بعض الأعواد بقيت واقفة في ذبول وورقات أخرى تداعت بعد أن امتص رحيق خصوبتها دودة تظل تحفر في الصبار لأشهر وتتمدد مساحاتها كيلومترات في أشهر قليلة.

في منطقة الحنشة من ولاية صفاقس مساحات من التين الشوكي لبست رداء أبيض يشبه القطن، مازالت بعض أوراق التين الشوكي تقاوم لكنها ستتهاوى قريبا.. إنه المرض الرهيب الذي أفسد مساحات من مزارع التين الشوكي في بلادنا و مازال يتمدد ليصل إلى كل الولايات.

يمثل هذا المرض آفة عجز الفلاحة على إيجاد حل لها، النصيحة الوحيدة التي أمدتها بهم وزارة الفلاحة التونسية هي إتلاف الزراعات و حرقها.

الدودة القرمزية أو حشرة الكوشنيال أو دودة القِرمز (بالإنجليزية: Cochineal)‏ وتسمى أيضا (Dactylopius coccus) هي حشرة قشرية من تحت رتبة (Sternorrhyncha)، يستخرج منها صباغ الكارمين الطبيعي القرمزي اللون.
أصبحت الحشرة اليوم عبئا ثقيلا يهدد “سلطان الغلة” مثلما يسميه التونسيون “الهندي”.

تحذيرات متواصلة من وزارة الفلاحة..

تعتبر الحشرة القشرية القرمزية Dactylopius opuntua من الآفات الخطيرة بالنسبة لغراسات التين الشوكي إذ أنها تلحق أضرارا بليغة بهذا النبات لكونها تمتص نسغ أو عصارة النبتة فتظهر على الألواح مناطق مصفرة تتسع شيئا فشيئا لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة.

تنتشر هذه الآفة بسرعة كبيرة حيث يقوم الريح بحملها من مكان إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل هذه الحشرات عبر التصاقها بالآلات الفلاحية والشاحنات وأصواف الأغنام والأعلاف “التبن” القادمة من المناطق الموبوءة. وحيث أن التين الشوكي المعروف في تونس باسم “الهندي” يلعب دورا هاما في مقاومة التصحر والمحافظة على التنوع البيولوجي وبما أنه يستعمل في عدة مجالات كغذاء للإنسان أو كمصدر أعلاف للدواب أو لتصنيع متوجات علاجية وأخرى تجميلية، بات الأمر يستدعي إيجاد حلول عاجلة.

تتواجد هذه الآفة حاليا في قليل من مناطق العالم إلا أن تواجدها في المغرب منذ سنة 2014 ورصدها حديثا بمدينة تلمسان (الجزائر) خلال شهر جويلية 2021، صار يشكل تهديدا خطيرا للبلاد التونسية باعتبار التواصل الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي بين هذه الدول.

هذا وكانت وزارة الفلاحة التونسية قد نبهت الفلاحين بجميع مناطق الإنتاج إلى تكثيف مراقبة مزارعهم والإبلاغ الفوري عنها في حالة ملاحظة أي أعراض للإصابة بالحشرة لدى المصالح الجهوية والمركزية لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، وذلك سعيا لتفادي تسرب وانتشار هذه الآفة بالبلاد أكثر.

معطيات وحلول…

كان لكوسموس ميديا لقاء حول مأتى هذه الآفة والحلول المتاحة للتخلص منها مع المكلف بالإدارة العامة للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية محمد رابح الحجلاوي، والذي أفاد بأن الحشرة القرمزية اجتاحت تونس سنة 2021 تحديدا بولاية المهدية وانتشرت في الولايات المجاورة منها المنستير وسوسة وصفاقس من ثم القيروان ونابل وزغوان.

وأوضح الحجلاوي أن الإدارة العامة للصحة النباتية تعمل بالتعاون مع المندوبيات الفلاحية لتطبيق خطة تدخل لمقاومة هذه الحشرة، مستخدمة وسائل مختلفة على غرار الوسائل الكيميائية وحرق الكفوف المصابة من غراسات التين الشوكي أو كذلك وسيلة الردم، مستدركا أن سرعة انتشارها في ظروف مناخية ملائمة مثل ارتفاع درجة الحرارة، تساهم في صعوبة التدخل.

وأضاف محدثنا بالقول إن الوزارة في طور البحث عن حلول جديدة لمكافحة هذه الحشرة خاصة بمناطق الإنتاج (بوعرقوب، القصرين، الوطن القبلي)، سواء باعتماد الوسائل الكيميائية أو الحشرة المضادة (الدعسوقة) والتي سيتم إكثارها بدعم من منظمة الأغذية والزراعة، إذ تعتبر تجربة ناجحة للقضاء على الحشرة القرمزية إذ تم اعتمادها بالمغرب والمكسيك.

وأكد المسؤول بوزارة الفلاحة محمد رابح الحجلاوي أن التغيرات المناخية تلعب دورا كبيرا في انتشار الحشرة القرمزية، حيث تتكاثر بشكل كبير خاصة خلال ارتفاع درجات الحرارة، مشيرا إلى أن أكثر من 90٪ من غراسات التين الشوكي بالساحل متضررة بسسب الحشرة القرمزية، وأكد في المقابل أن هذه الحشرة لا تؤثر إلا على غراسات التين الشوكي و لا تسبب أي ضرر لبقية الأشجار أو الزياتين.

حشرة الدودة القرمزية.. نأكلها وتثير الجدال حولها!

دفعتني تلك الصور المحزنة للتين الشوكي وهو يتهاوى إلى البحث أكثر لمعرفة طبيعة هذه الحشرة.. وجدت أن الخبيرة في علم الحشرات والأستاذ المساعد في قسم العلوم بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي د ..جنان الحربي كشفت عن «حشرة نأكلها ولا نعلم»، وتدخل صبغتها في كل منتجات “المرتديلا” و”الهوت دوغ” ومعظم المعلبات، مؤكدة أنها غير مضرة وتذوب في الماء وهي مستهلك طبيعي مصدرها حيواني، وإن كانت تسبب بعض الأعراض الجانبية كالصداع والحساسية.

وقالت الحربي إنه إذا سألت أي شخص هل سبق أن أكلت حشرات؟ سيجيبك باشمئزاز: بالتأكيد لا.
وتساءلت: هل تعرف ما هو الرمز E120؟ لتجيب أن هذه صبغة تستخلص من يرقة الخنفسانة التي تعرف بـ”كوشينيل” واسمها العلمي “Dactylopius coccus” وموطنها المكسيك وأميركا.

وكشفت الحربي في تصريح لـ«الأنباء» أن صبغة الكارمين تستخدم في المقام الأول كملون أساسي في الطعام، حيث تتم إضافته بشكل روتيني إلى المنتجات الغذائية مثل “المرتديلا” و”الزبادي” و”الحلويات الحمراء” للأطفال و”الآيس كريم” واللبن والعلكة وبعض العلامات التجارية للعصير ومشروبات الطاقة.

ويدخل أيضا في مستحضرات التجميل مثل أحمر الشفاه وظلال العيون وبعض الأدوية وكذلك يدخل في صباغة الأقمشة.

وأوضحت أنه لخداع المستهلك يستخدم الرمز E120 بدلا من ذكر المصدر، مضيفة: “إذهب الآن واحضر أي علبة لحم معلب أو حلوى لديك في البيت وتفحص مكونات الملصق بنفسك فستجد ببساطة هذا الرمز من أحد مكوناته”.ويحتاج حوالي 80.000 إلى 100.000 حشرة لصنع كيلو غرام واحد من الصبغة القرمزية.

وأوضحت جنان الحربي الخلفية التاريخية للأمر بذكر أن صبغة القرمزي بدأ صنعها واستخدامها منذ القرن الخامس عشر إلى أن ازدادت أهميتها الاقتصادية، حيث تنتج بيرو 200 طن من الصبغة القرمزية سنويا وجزر الكناري 20 طنا سنويا.
وتعتبر تشيلي والمكسيك من أبرز الدول المصدرة لها وفرنسا اليابان وإيطاليا من أكثر الدول استيرادا.

وأضافت الخبيرة في علم الحشرات والأستاذ المساعد في قسم العلوم بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي د.جنان الحربي أن لحشرة “الكوشينيل” أنواعاً مختلفة وأغلبها يستخدم في إنتاج العديد من الصبغات وجميعها تعطي تدرجات للون الأحمر.

وأضافت، د.الحربي إنه في عام 2016، حدث جدال واسع بين إدارة الغذاء والدواء الأميركية “FDA” ومركز العلوم للمصلحة العامة وهيئة الصناعات الغذائية بخصوص كيفية كتابة صبغة القرمزي على ملصق مكونات الدواء أو المنتج الغذائي.

واتفق الجميع على ألا يذكر بالصريح مصدره الحشري والاكتفاء بذكر «خلاصة القرمزي» أو «قرمزي» أو “E120” وألا تذكر أيضا الأعراض المرضية الجانبية.

صورة حول استخراج الملونات من الحشرة القرمزية مأخوذة من موقع العالمي للصور

عموما، هذه الصبغة تذوب في الماء وغير مضرة بالصحة لأنها مستهلك طبيعي ومصدرها حيواني ولكن البعض تصبح لديه بعض من الأعراض الجانبية مثل الحساسية أو “anaphylactic shock” أو الصداع والدوخة وتحسس العين والجلد والجهاز التنفسي واللوعة. لكي لا يلتبس الأمر على الناس، هناك مركب يعرف بـ Red #40 وهو مختلف عن “4 Natural red” فالأول يعتبر مركبا كيميائيا يتسبب في حدوث أمراض سرطانية وأعراض مرضية خطيرة.
إذا كنت من الأشخاص الذين يعانون من الحساسية اقرأ دائما وبحذر الملصق على المنتج قبل شرائه.

وأيا تكن طبيعة هذه الحشرة ومجالات استعمالاتها فالثابت أن تونس تفقد اليوم جزءا مهما من موروثها الغذائي من التين الشوكي الذي تستخلص من ثماره زيوت ومواد تجميلية تصدّر بدورها للخارج، إذ يعد التين الشوكي، منتوجًا جذابًا ومربحًا كما لا تتطلب زراعته موارد مائية كبيرة، ويتأقلم مع أنواع التربة المختلفة، ما يجعله نعمةً لبيئتنا التي تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى لزراعات أقل استهلاكا للموارد المائية.

زر الذهاب إلى الأعلى