سليديرمقالات

إستمطار صناعي و لكن ….

قامت تونس بأول تجربة محلية للاستمطار الصناعي منتصف شهر أفريل المنقضي، وذلك على مستوى حوض سد سيدي سالم بولاية باجة ، وكان ذلك بالتعاون المشترك بين وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية والدفاع الوطني ووزارة النقل بالتعاون مع جهات مانحة.

وأوضح وزير الفلاحة عز الدين بن الشيخ خلال الاحتفال باليوم الوطني للفلاحة أن هذه المبادرة تندرج ضمن استراتيجية وطنية لمواجهة التغيرات المناخية و تعزيز الأمن المائي، مشيراً إلى أن التجربة تأتي في سياق سعي الدولة إلى اعتماد تقنيات مبتكرة في إدارة الموارد الطبيعية.

وأشار إلى أن الوزارة تعمل حاليًا على تجريب مشاريع نموذجية تهدف إلى تحسين إدارة المياه السطحية والجوفية، إلى جانب استخدام تقنيات متطورة لترشيد استعمال المناطق المروية.

يعتبر تلقيح السحب أو ما يعرف بالاستمطار الصناعي تقنية حديثة تهدف إلى تحفيز أو زيادة هطول الأمطار من السحب، وذلك باستخدام مواد كيميائية تُرش في الغلاف الجوي لتشجيع تكاثف بخار الماء وتشكّل قطرات المطر.

كيف يحدث الإستمطار الصناعي؟

تُشير تقنيات الاستمطار الصناعي إلى مجموعة من الأساليب التي تهدف إلى زيادة هطول الأمطار من خلال التدخّل في دورة الماء الطبيعيّة، وتعتمد هذه التقنيات على استخدام مواد كيميائيّة، مثل يوديد الفضة، أو جزيئات ثلج جافّة، يتم رشّها في السّحب لزيادة فرص تكوين قطرات الماء وتساقطها وتؤدي هذه العملية بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لزيادة هطول الأمطار من سحابة واحدة بنسبة تصل إلى 20% في الظروف المثالية.

الاستمطار الصناعيالإستمطار الصناعي عبر التاريخ؟

تعود جذور أول تجربة لعملية استمطار السحب مختبريا إلى عام 1946 وعام 1947 حيث تمكن الباحثان فونيغت و شايفر من أجراء أول عملية استمطار ناجحة وكانا يعتقدان أن أفضل مركبين لتحفيز الاستمطار هما يوديد الفضة ويوديد الرصاص (Niwas, Ram, 2022 (. ومنذ ذلك الحين بدأت مراكز الأبحاث المختلفة بتوسيع الدراسات والأبحاث على استخدام تقنية الاستمطار الاصطناعي للحد من خطورة الجفاف ومشكلة شح المياه ومن أبرز هذه الدول أستراليا والولايات المتحدة الأميركية حيث تعد من الدول الرائدة في هذا المجال، كما يوجد أكثر من أربعين دولة على مستوى العالم تطبق عملية الاستمطار وحقن السحب من أجل تعديل المناخ أو تحسين مواردها المائية، ومن أبرز هذه الدول الصين وروسيا وتايلند.

الاستمطار الصناعياستخدمت وزارة الدفاع الأمريكية الاستمطار الصناعي خلال حرب فيتنام لزيادة هطول الأمطار وإغراق البلاد حتى لا تتمكن القوات المقاومة من استخدام بعض طرقها لمواجهة القوات الأمريكية .
ينتمي أكبر نظام حقن السحب والغيوم في تقنية الاستمطار الاصطناعي في دولة الصين .
تنتج الصين 55 مليار ملم3 من الأمطار الاصطناعية سنويا وتخطط لزيادة ذلك خمسة أضعاف.
استخدمت طريقة حقن السحب والغيوم بواسطة خزانات ملحية لتوليد أمطار اصطناعية قبل دورة الألعاب الأولمبية لعام 2008 مباشرة بهدف إزالة تلوث الهواء.

في الولايات المتحدة ، يتم استخدام حقن السحب والغيوم تحفيز لزيادة الاستمطار في المناطق المعرضة للجفاف وتقليل حجم حبوب البرد في العواصف الرعدية وتقليل كمية الضباب في المطارات وحولها.

يعتبر العراق من أول دول المنطقة العربية التي حاولت تطبيق تقنية الاستمطار الصناعي والاستفادة من هذه التقنية في التسعينات من القرن الماضي حيث استهدفت المحاولات المناطق الزراعية في محافظة كركوك والموصل من خلال استخدام نترات الأمونيوم ألا أن توقفت المحاولات بعد فترة من الزمن دون أن تحقق نتائج تذكر.

بدأ تلقيح السحب أول مرة في الإمارات العربية المتحدة في عام 2010 بمشروع من المركز الوطني للإرصاد لإنشاء مطر صناعي. وقد اعتمدت في ذلك أحدث التقنيات المتاحة على المستوى العالمي، باستخدام رادار طقس متطور لرصد جو الدولة على مدار الساعة

و على مستوى العالم العربي اليوم تعدّ الأمارات والأردن والسعودية والمغرب وعُمان من أكثر دول المنطقة تطبيقا لتقنيات الاستمطار والتجارب الخاصة بها، وأطلقت الإمارات مشروعا دوليا لأبحاث علوم الاستمطار، يهدف بالدرجة الأولى على تركيز الضوء على علم الاستمطار والتقنيات الخاصة به وتطبيقاتها داخل الإمارات وخارجها، ويهدف أيضا إلى زيادة معدلات الاستمطار في الإمارات والمناطق الجافة وشبه الجافة الأخرى.الاستمطار الصناعي في الامارات

هل يسبب الاستمطار الصناعي الفيضانات؟

حقيقةً، لا يوجد جواب واضح حتى الآن في هذا السياق فمن ناحية، يرى بعض الخبراء أن تقنية الاستمطار الصناعي قد تكون سببا في حصول فيضانات كما حصل في دولة الامارات العربية إذ ساهمت هذه التقنية في زيادة كميّة الأمطار التي هطلت على الإمارات، مما أدّى إلى تفاقم حدّة الفيضانات. بينما يرى آخرون أنه لا توجد علاقة بين الاستمطار الصناعي والفيضانات والسيول إذ تبقى نجاعة هذه التقنية محدودة أساسا ولا تتعدى نسبة 20% وهو ما يجعل كمياتها غير كبيرة ويُستبعد هؤلاء الخبراء مساهمة الاستمطار الصناعي في شدة الفيضانات التي عرفتها الامارات معتبرين ان ما حدث في هذا البلد هو عوامل طبيعيّة نتيجة للتّغيرات المناخية التي لعبت دوراً أكبر في شدّة العواصف.

الاستمطار الصناعي بين الإيجابيات والسلبيات:

يِؤكّد علماء في مجال البيئة أن تقنية الاستمطار الصناعي من الممكن أن تساهم في ايجاد حلول تساعد على التعامل مع البيئات الجافة، زيادة كثافة الغطاء النباتي والسيطرة على العواصف الترابية، والحد من البرد، وإخماد حرائق الغابات، وإعادة ملء السدود وزيادة مخزون المياه الجوفية لاستخدامها مستقبلا.
في المقابل يبدي نشطاء بيئيون كثيرون تخوفاتهم من إضرار هذه التقنية التي  لا يعتبرونها “صديقة للبيئة فبالرغم من مزاياها يوجد لها أيضا العديد من السلبيات الناتجة عن عملية الاستمطار الصناعي، وهذه السلبيات قد يكون لها تأثيرات سيئة بشكل كبير على المدى القريب والبعيد، عدا عن أنّها  و في نظر بعض الخبراء عملية لا يمكن التحكّم بها بشكل دقيق جدًا وذات طبيعة معقدة إلى حدٍ ما  كما أن نسبة نجاحها منخفضة و قد يكون من غير الممكن أحيانا أن تنجح هذه العملية في سماء صافية جدًا فمن أجل نجاح العملية لا بد من وجود القليل من السُحب على الأقل للقدرة على تكثيف هذه السُحب وحث الأمطار من خلالها.

إضافة الى ذلك يُحدث الاستمطار الصناعي حسب رأي عدد من خبراء المناخ ضررا بيئيا حيث يتم استخدام مواد كيميائية في عملية الاستمطار الصناعي والتي من شأنها أنّ تسبب الأضرار منها المعروف ومنها غير المعروف إلى الآن لمختلف عناصر البيئة من نباتات وحيوانات وتربة وغيرها.  

للاستمطار الصناعي أيضا تأثير على النمط المناخي اذ قد تؤدي هذه التقنية إلى تغيير النمط المناخي بشكل سلبي كونها تؤدي إلى تعديل الطقس باستخدام نشاط بشري غير طبيعي، في أوقات ليست مطرية بالدرجة الأولى

 علاوة على كل ما سبق ذكره تعتبر تكلفة الاستمطار الصناعي باهظة وهو ما يجعلها غير متاحة لعدد كبير من الدول سيما منها البلدان الافريقية التي تعاني من أزمة شحّ في المياه.

الاستمطار الصناعي

ختاما قد يعتبر الاستمطار الصناعي تقنية تكنولوجية هامة لكنها لازالت مكلفة ولم تثبت بعد نجاعتها الكبيرة إلا أنها قد تكون قابلة للتطوير والتحسين، في الوقت الذي توجد فيه العديد من البدائل لتحقيق المنفعة المرجوة بطرق أكثر دقةً وأكثر كفاءة.

فتونس، التي تبحث عن حلول لأزمتها المائية المتفاقمة و تتوجّه نحو الحلول التكنولوجية ذات التكلفة العالية مثل تحلية المياه و الاستمطار الصناعي كان من الاجدر لها تخصيص هذه الاعتمادات المالية في تحسين البنية التحتية للمياه المهترئة و التي تساهم بنسبة 30 إلى 40% في هدر المياه، وذلك بسبب تقادم شبكات النقل والتوزيع و التسربات المائية إضافة الى مراجعة خارطتها الزراعية و حوكمة الموارد المائية الموجّهة للري الزراعي و التي تجاوزت نسبتها 75 بالمائة من جملة المياه المستهلكة و التّوجّه نحو  تبني نمط استهلاكي مستدام .  

فتحية خذير / كوسموس ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى