سليديرمقالات

التحديات البيئية في تونس: بين وعود الحكومة وانتظارات الشعب التونسي

التحديات البيئية المتزايدة كانت موضوع الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب، التي أقيمت يوم الأربعاء 5 مارس 2025 برئاسة إبراهيم بودربالة وبحضور وزير البيئة حبيب عبيد والوفد المرافق له.

وتمحورت  الجلسة حول قضايا بيئية حارقة تعيش على وقعها البلاد خاصة خلال السنوات الأخيرة . حيث توجه النواب بتساؤلاتهم إلى وزير البيئة بشأن استراتيجيات الوزارة لمواجهة هذه المشاكل البيئيّة المتفاقمة .

وفي الأثناء، طالب النواب باتخاذ تدابير أكثر فاعلية لضمان محيط بيئي سليم، لا سيما في ولايات قفصة، قابس، صفاقس، بنزرت، وبن عروس.

كما تطرق النواب إلى ضرورة تطوير التشريعات البيئية، مؤكدين الحاجة إلى حلول جذرية تعالج الأزمات المتراكمة وتعزز الاستدامة البيئية.

التحديات البيئية في صفاقس : معضلة النفايات المتواصلة

استهل النائب حسن الجربوعي مداخلته بتوجيه سؤال إلى وزير البيئة حول الوضع البيئي المتأزم في ولاية صفاقس، حيث أشار إلى تفاقم أزمة النفايات منذ عام 2021. وأوضح أن البلديات اضطرت إلى إغلاق المصبات الرسمية بسبب غياب بدائل مناسبة، مما أدى إلى تراكم ما يقارب 400 ألف طن من النفايات في مصب الميناء البحري غير المرخّص حتى اليوم.

كما أشار النائب إلى مصب وادي سيدي صالح، متسائلا عن مدى التنسيق بين الوزارات المختلفة لإيجاد حلول قانونية وبيئية لهذه الأزمة، خاصة في ظل تكدّس 570 طنا من النفايات الاستشفائية منذ جائحة كورونا، مما يشكّل خطرا صحيا جسيما في حال تسرب الفيروسات منها.

كما لفت الانتباه إلى تأثير أزمة النفايات على صادرات تونس من الانتاج البحري، إذ أن الإتحاد الأوروبي يطالب بشهادة بيئية عند تقييم صادرات الأسماك من الميناء البحري ، متسائلا عن موعد تهيئة مصب الميناء لتجنب التأثيرات البيئية.

وفي سياق آخر، نوّه إلى نشاط الوكالة الوطنية لحماية المحيط في الجهة، لكنه تساءل عمّا إذا كان هناك تنسيق بين وزارة البيئة والوزارات الأخرى بخصوص الإجراءات القانونية، خاصة فيما يتعلق بالمحاضر العدلية والإجراءات الجبائية ذات الصلة.

وأشار الجربوعي أيضا إلى مسألة فواضل الهدم والبناء، موضّحا أن الصّفقة المتعلقة بها قد استكملت جميع مراحلها، خاصة بعد صدور نصّ ترتيبي يفرض إستخدام نسبة معينة من هذه الفواضل في مشاريع البناء، متسائلا عن مدى التنسيق مع وزارة الداخلية لإلزام البلديات بتوفير الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع.

وفيما يتعلق بظاهرة الإنجراف البحري في قرقنة والمحرس، تساءل النائب عما إذا كانت هناك دراسات أو خطط لمعالجة هذه الظاهرة التي تهدد الشريط الساحلي للولاية.

وتطرّق حسن الجربوعي إلى التّحديات بمعتمدية منزل شاكر، التي تُعّد من أقدم المعتمديات في ولاية صفاقس، حيث أشار النائب إلى وضعية طريق تنيور، حيث لم يكتمل إنجاز “القرية الإيكولوجية” إلا بعد تسجيل عدد كبير من الحوادث المرورية والكوارث.

مؤكدا أن الشّاحنات لا تحترم إشارات المرور، مما يستدعي تنسيقا عاجلا بين وزارة التجهيز والوكالة الوطنية للتّصرف في النفايات والشركات المكفلّة بإدارة النفايات لإيجاد حلول ناجعة لهذه الإشكالات.

كما أُثيرت خلال جلسة المُساءلة لوزير البيئة بمجلس نواب الشعب إشكاليّة تكدّس النّفايات بالقرب من مساكن المواطنين في معتمدية منزل شاكر، مما تسبّب في انتشار الروائح الكريهة والمشاكل الصّحية، فضلا عن غياب شبكة التطهير رغم الكثافة السكانية في المنطقة. وسُئَل وزير البيئة عن إمكانية إجراء دراسة لإعادة تأهيل المنتزه بالمنطقة وتحسين مرافقه، خاصة أنّه يُعتبر متنفسا ضروريا للأهالي والأطفال الذين يفتقرون إلى فضاءات ترفيهية مناسبة.

واختتم النائب حسن الجربوعي مداخلته بالتأكيد على أهمية تكثيف جهود التوعية حول مخاطر أزمة النّفايات، مشددا على أن الحل يبدأ بترسيخ ثقافة الفرز من المصدر داخل كل منزل.

وردّا على هذه التساؤلات، أوضح الوزير حبيب عبيد أن الوزارة تعمل على تنفيذ مشروع القرية الإيكولوجية في تنيور، والذي تأخر بسبب إشكالات عقارية، ولكنه حاليا في مرحلة متقدمة من الدراسة. وأضاف عبيد أن المشروع يعتمد على ثلاث فرضيات لتثمين النفايات، وهي: الحرق، إنتاج الغاز، أو تحويلها إلى مواد لصناعة الآجر والإسمنت. مشيرا إلى أن نفايات الهدم والبناء تقدر بحوالي 12 مليون طن موزّعة على كامل تراب الجمهورية وهو ما يُبيّن خطورة الوضع خصوصا أن معالجة طن منها فقط يتكلف ب 100 دينار. كما كشف الوزير عن وجود مستثمرين إثنين قدّما مقترحات لتمويل المشروع، وسيتم مناقشة هذه العروض مع الهيئة العليا للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

التّغيرات المناخية وحماية السواحل من الإنجراف والتسبّخ

في سياق متصل، طرح النائب محمود شلغاف ملف الانجراف البحري في جزر قرقنة، متسائلا عن الخطط الاستراتيجية لحماية اليابسة من التآكل البحري و”التسبّخ”.

وأجاب وزير البيئة موضّحا أن تونس تمتلك نحو 60 جزيرة، معظمها مُعرّض لمخاطر بيئية بسبب إرتفاعها المحدود فوق مستوى البحر. وأكّد حبيب عبيد أن الوزارة تدخلت في 70% من الشواطئ ضمن برنامج يهدف إلى تهيئة المناطق الساحلية، بإستخدام خرائط رقمية لتحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر، إلى جانب إنشاء محميات بحرية لحماية التنوع البيولوجي والحد من التلوث.

وخلال تعقيبه، دعا النائب إلى تكثيف الجهود لحماية قرقنة، مطالبا بتطوير مشاريع للطاقة الشمسية في الجزيرة لتعزيز التنمية المستدامة وتقليل التداعيات البيئية الخطيرة.

التحديات البيئية في عمادات سيدي حسين

توجّه النائب عادل بالضياف بسؤال إلى وزير البيئة حول خطط الوزارة لإنشاء مساحات خضراء ترفيهية، وصيانة شبكة التطهير والتّصدي للربط العشوائي في منطقة سيدي حسين، بالإضافة إلى تطورات مشروع جهر “وادي البلانجي” وإغلاق مصب برج شاكير والتوجه نحو تثمين النفايات.

في ردّه، أشار وزير البيئة حبيب عبيد إلى زيارته الميدانية لسيدي حسين وبرج شاكير، حيث أكّد على أهمية سبخة السيجومي كمنطقة رطبة، مشددا على ضرورة منع إلقاء الفضلات فيها.

و أشار عبيد الى أنّ التنسيق مع البلديات جار لإحداث مساحات خضراء وفق الاحتياجات المحلية، وأعلن وزير البيئة خلال جلسة مُساءلته عن إنشاء مشاريع تشجير مستدامة، إلى جانب إقامة منتزه صحي وترفيهي لتعزيز البنية التحتية البيئية.

وفيما يتعلق بشبكة التطهير، أقرّ وزير البيئة  بعدم ملاءمتها للتوسع العمراني العشوائي بالمنطقة، موضحا أنه يتوجب توفير مبلغ 800 مليون دينار لتعميم التطهير على الجمهورية التونسية. وبيّن الحبيب عبيد أن تونس العاصمة تحتّل أكبر نسبة تطهير تصل إلى 98%.

كما أشار إلى إطلاق دراسة لحماية المنطقة من الفيضانات. وبخصوص مصب برج شاكير، أكد وزير الشؤون البيئيّة  انعقاد مجلس وزاري لمناقشة آليات تقليص النفايات والتّوجه نحو حلول مستدامة.

ومن جهته، شدد النائب على ضرورة تجنب إقامة مصب جديد في سيدي حسين، مشيرا إلى دعم الأهالي لمشاريع تثمين النفايات، مع رفضهم لتكرار تجربة مصب برج شاكير حفاظ على سلامة المحيط وحقوق الأجيال القادمة.

الإطار التشريعي لمجلة البيئة: بين التجديد والتطوير للنصوص القائمة

أثارت النائب بمجلس نواب الشعب  عواطف الشنيتي خلال الجلسة العامة التي حضرها وزير البيئة،  تساؤلات حول مشروع مجلة البيئة، مؤكدة على أهمية تحديد الصلاحيات بين مختلف الوزارات لضمان إدارة أكثر فاعلية للشأن البيئي وتعزيز التنسيق بين الهياكل المعنية.

وفي ردّه، أوضح وزير البيئة حبيب عبيد أن المشروع، الذي يتألف من 400 فصل، أصبح جاهزا في صيغته النهائية، حيث يتضمن مبادئ جوهرية مثل الحق في المعلومة، مبدأ المشاركة و الوقاية. ومع ذلك، تساءل الوزير عن مدى الحاجة الفعليّة إلى مجلّة بيئية جديدة، خاصة في ظل وجود نصوص قانونية قائمة، مثل مجلة الغابات، مشددا على ضرورة التدقيق القانوني لضمان انسجام التشريعات البيئية قبل تقديم المشروع إلى البرلمان.

بدورها، شدّدت النائب عواطف الشنيتي على أهمية تحديد صلاحيات الجهات المعنية بملف النظافة، مشيرة إلى أن تداخل المسؤوليات بين وزارة الداخلية ووزارة البيئة يزيد من تعقيد إدارة القطاع البيئي. وأكدت ضرورة الفصل الواضح بين مهام كل جهة لضمان فعالية أكبر وتحميل كل طرف مسؤولياته وفق اختصاصاته المحددة.

التلوّث الصناعي ومراكز تحويل النفايات في الهوارية

طرح النائب محمد بن سعيد سؤالا شفاهيا إلى وزير البيئة بشأن مصبات المراقبة ومراكز تحويل النفايات التابعة للوزارة، إضافة إلى التلوّث الناجم عن الأنشطة الصناعية في معتمدية الهوارية. 

وفي رده، أوضح الوزير أن الهوارية تعدّ من المناطق الرائدة في اعتماد الطاقات البديلة، لافتا إلى أن ولاية نابل تضم مراكز تحويل للنفايات في كل من قربة، سليمان و الهوارية، حيث تتولى الوزارة نقل النفايات لمسافة 68 كيلومترا إلى المصب المراقب بالهوارية، لتأمين خدمات التصرف في النفايات لبلديات الهوارية ودار علوش. مبينا أن الوزارة بصدد تنفيذ مشروع تطهير واسع النطاق في ولاية نابل، بميزانية قدرها 450 مليون دينار، بهدف تطوير البنية التحتية البيئية وتعزيز منظومة النظافة والتطهير بالجهة. 

وفي طرحه، شدد النائب محمد بن سعيد على أهمية إلغاء نظام المناولة في مراكز تحويل النفايات، مبينا أنه يشكل عبئا ماليا دون تحقيق مردودية بيئية حقيقية. كما أشار إلى أن اعتماد أساليب تقليدية، مثل الردم، يعرقل تطوير حلول أكثر استدامة، داعيا إلى البحث عن آليات حديثة وفعالة لتعزيز إدارة النفايات وتحقيق جدوى بيئية واقتصادية أكبر.

التلوث البحري في الضاحية الجنوبية: معضلة واد مليان

وختاما للتساؤلات، وجهت النائب ضحى السالمي سؤالا بشأن تدهور الوضع البيئي لشواطئ الضاحية الجنوبية، وخاصة شواطئ حمام الأنف وحمام الشط.

وردا على ذلك، أشار الوزير إلى أنّ تلوث الشواطئ في المنطقة يرجع أساسا إلى وادي مليان، الذي يعد المصدر الرئيسي لتصريف النفايات الصناعية والمنزلية نحو البحر. وأوضح أن الوزارة قامت بإجراء دراسة شاملة لتحديد أسباب التلوث، مما أسفر عن توقيع اتفاقيات مع الجهات المعنية لتوفير حلول مستدامة وفعالة.

أعلن وزير البيئة عن جرد 71 مصنعا مسببا للتلوث على امتداد وادي مليان، مشيرا إلى التعاقد مع 21 شركة للحد من الانبعاثات الصناعية وتحسين معالجة المخلفات السائلة. وأكّد أن الوزارة تبذل جهودا لمعالجة المياه الصناعية الملوثة التي تصب في الوادي.

ودعت النائب ضحى السالمي في مداخلتها، إلى ضرورة اعتبار ملف شواطئ الضاحية الجنوبية والتلوث في ولاية بن عروس قضية وطنية، مع تخصيص ميزانية خاصة لهذا الملف.

رؤية استراتيجية: البيئة والتنمية المستدامة

خلال استعراض النقطة الثانية من جدول الأعمال، بيّن وزير البيئة أن الوزارة تعتمد خطة متكاملة لدعم المشاريع البيئية الكبرى بما يحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى أن ذلك يرتكز على تعزيز الرقابة البيئية، تحسين إدارة النفايات و تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والطاقات المتجددة، إلى جانب تطوير البنية التحتية وتعزيز النظافة العامة بالتنسيق مع السلط المحلية.

كما شدّد على أهمية مكافحة التغيرات المناخية عبر الحد من الانبعاثات الكربونية والتأقلم مع التقلبات المناخية، ومقاومة التصحر عبر برامج إعادة التشجير وإدارة الموارد المائية المستدامة، مع التركيز على دعم السياحة البيئية من خلال الارتقاء بالمحميات الطبيعية وحماية المناطق التي تعاني من الهشاشة البيئية.

وأشار الوزير إلى مشروع “الحزام الأخضر” الذي يضم جنوب صفاقس وولايات قابس وسيدي بوزيد وقفصة و  يهدف إلى تثمين المياه المستعملة وإعادة تدوير النفايات، مؤكدا أنه يشكل مبادرة بيئية وتنموية متكاملة ستساهم في تقليص التلوث بهذه المناطق.

لافتا إلى أن القطاع البيئي يُعد فرصة استثمارية واعدة، خاصة في المناطق الساحلية، حيث خصصت الوزارة ضمن ميزانية 2025 خط تمويل بقيمة 20 مليون دينار لدعم استدامة المشاريع البيئية.

أما بخصوص العقبات القانونية، فقد شدّد الوزير على أن الوزارة تعمل على تسهيل المسارات الإدارية، لا سيما فيما يخص تقييمات الأثر البيئي، لضمان إنجاز المشاريع دون انتهاك المعايير البيئية، معلنا عن إيقاف إعتماد نظام التفويض في إدارة مراكز معالجة النفايات.

نحو مقاربة تشاركية لمجابهة التحديات البيئية

في ختام الجلسة، أعرب عدد من النواب عن قلقهم من أن تظل هذه الوعود حبرا على ورق، مشددين على ضرورة وضع آليات تنفيذ واضحة، وضمان الرقابة الصارمة على المصانع والشركات التي تضر بالبيئة. كما دعا بعض النواب إلى إشراك المجتمع المدني في وضع السياسات البيئية في البلاد، لضمان تحقيق نتائج ملموسة بعيدا عن البيروقراطية.

اختتم رئيس المجلس، إبراهيم بودربالة، الجلسة بتأكيده على أن الحق في بيئة سليمة بات مكرسا دستوريا، وفق الفصل 47 من دستور 2022، مما يستوجب إصلاحات جذرية في التشريعات البيئية لضمان انسجام القوانين مع التغيرات المتسارعة.

وأبرز أهمية السياسات الوقائية والتدخلات الحمائية لمواجهة هذه التحديات، مشيرا إلى الدور محوري لوزارة البيئة في التصدي للسياسات البيئية الفاشلة السابقة. كما دعا إلى اعتماد مقاربة تشاركية تهدف إلى تحديث القوانين وتعزيز الرقابة البيئية، مشيرا إلى أن التدهور البيئي يعوق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، مما يتطلّب تبني استراتيجيات مستدامة تصون الموارد الطبيعية وتكفل حقوق الأجيال القادمة.

كحوصلة لفعاليات الجلسة  العامة للاستماع لوزير البيئة بمجلس نواب الشعب يمكن القول ان هذه الجلسة جاءت مضمّنة لعدد من التحديات البيئية الملحة في البلاد  كما أبرزت الحاجة الملحة إلى إصلاح تشريعي شامل يحدد بوضوح المسؤوليات بين الوزارات والبلديات، ويضمن تنفيذ القوانين البيئية بصرامة دون تساهل مع المخالفين.

وفي ظل تصاعد التغيرات المناخية، يصبح تعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني ضرورة ملحة، إلى جانب إشراك المواطنين في جهود الحفاظ على البيئة عبر حملات توعوية تمتد من المدارس إلى المؤسسات الصناعية والتجارية.

يبقى الرهان الأكبر بعد اختتام هذه الجلسة العادية بحضور وزير البيئة هو مدى قدرة الدولة على تحويل هذه الخطط إلى إنجازات ملموسة تحقق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، وترسخ ثقافة بيئية قائمة على المسؤولية الجماعية في حماية الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

ميساء زعيره / كوسموس ميديا

زر الذهاب إلى الأعلى