سليديرمقالات

قانون البيئة في تونس: ملتقى علمي يناقش التطوّرات.. ويكشف عن الخطوط العريضة لمشروع مجلّة البيئة

أمل الصامت – نظم مخبر فض النزاعات وطرق التنفيذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس يومي 25 و26 أفريل 2023 ، ملتقى علميا حول تطور قانون البيئة في تونس افتتحته وزير البيئة ليلى الشيخاوي بحضور مجموعة من المختصين والخبراء في القانون وقضايا البيئة وعدد من الطلبة المهتمين بالمجال.

ويندرج هذا الملتقى في إطار سلسلة النشاطات التي يقوم بها المخبر سنويا من دورات تكوينية واحتفالات وتظاهرات، إذ تم اختيار العمل على محور قانون البيئة نظرا لتواتر وتراكم المشاكل المتعلقة بالبيئة في بلادنا دون وجود حلول ملموسة لها، وآخرها على سبيل الذكر لا الحصر مشكل رفع النفايات في ولاية صفاقس وملف النفايات الخطيرة بسوسة.

النصوص القانونية.. بين الموجود والمنشود

واعتبر مدير المخبر والأستاذ بالكلية حاتم الرواتبي في تصريح لـ”كوسموس ميديا” على هامش اليوم الختامني للملتقى، أن مسؤولية معالجة القضايا البيئية وإن كانت مشتركة بين جميع مكونات المجتمع التونسي من سلط ومواطنين ومجتمع مدني، فإن الجانب القانوني من خلال التشريعات والنصوص والقواعد، ضروري على مستوى تسيير وتنفيذ وإيجاد الحلول لأي ملف أو مشروع يتعلق بالبيئة وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة، وفق تقديره.

وقال الأستاذ الرواتبي في هذا السياق: “لا معنى لأي قاعدة سلوكية في ما يتعلق مثلا باحترام البيئة وعدم الاعتداء عليها إذا لم تكن مشفوعة بنص قانوني يلزم الأفراد باحترامها ويبيّن ماهو الجزاء القانوني الذي ينطبق عليها.. وفي تونس لدينا نصوص ولدينا وزارة تسهر على البيئة ولكن ما قيمة ذلك دون تطبيق؟”.

وفي تقييمه لمدى نجاعة النصوص القانونية الموجودة في التصدي للتجاوزات والجرائم المرتكبة في حق البيئة في تونس، أفاد الأستاذ حاتم الرواتبي بأن الحق في بيئة سليمة لكل مواطن تونسي أصبح مكفولا بعلوية الدستور منذ سنة 2014، وهو المكسب الذي أبقى عليه دستور 2022، وتحديدا في الفصل الـ47 الذي ينص على أن “الدّولة تضمن الحقّ في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي.

ولكن في المقابل يستدرك الأستاذ الرواتبي قائلا: “تعتبر النصوص القانونية الموجودة قديمة ومشتتة وغير مجمعة في مجلة واضحة يسهل الاطلاع عليها والرجوع إليها وتتضمن كل التطورات التشريعية في العالم وفي المبادئ والأحكام المنبثقة عن المواثيق والمعاهدات الدولية، باعتبار أن القوانين المرتبطة بالبيئة تتطور بشكل متسارع ولا يهم المجتمع التونسي فقط بل يهم كل الدول”.

وعما إذا كان للإرادة السياسية دور في تفعيل هذه الحاجة الملحّة لتطوير النصوص القانونية وأقلمتها مع المستجدات العالمية في مجال البيئة، اعتبر محدث كوسموس ميديا حاتم الرواتبي أن “الدولة واعية بانعكاسات المشاكل البيئية على صحة الإنسان وطريقة عيشه وكرامته وعلى مستقبل البلاد عموما، ولكن ربما المشكل يكمن في عدم الحرص على أن هذه المشاكل هي من الأولويات التي يجب أن تحضى بالاهتمام والانكباب على معالجتها وإيجاد حلول عملية وفعلية لها”، واصفا الحلول الموجودة حاليا بالترقيعية والوقتية والظرفية التي التي لا تستجيب لدقّة المسألة.

وإن تناول الملتقى العلمي حول تطور قانون البيئة في تونس في يومه الأول الإطار القانوني للموضوع في كل ما يتعلق بمبادئ قانون البيئة والإطار المؤسساتي للمتدخلين في البيئة في تونس، فقد خصص اليوم الثاني لدراسة المسؤوليات من مسؤولية مدنية وقضاء إستعجالي والمسؤولية الإدارية وخاصة المسرولية الجزائية.

تحديد المسؤوليات…

وفي هذا الإطار، اعتبرت الأستاذة المحاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس سلمى عبيد المنيف في تصريح لـ “كوسموس ميديا” أنه لا يكفي أن نضع في الدستور الحق في بيئة سليمة رغم أنه يعطيه مكانة في أعلى الهرم القانوني ولكن يجب على القوانين أن تفعل هذا الحق ويجب على القاضي أن يجد السبل حتى في صورة غياب القوانين سبل تفعيل هذا الحق، وفق تقديرها.

وأفادت الأستاذة سلمى عبيد المنيف أن هناك العديد من العوائق التي تحول دون نجاح دعاوى التعويض بالنسبة للمتضررين من الجرائم البيئية الموجودة من جهة ودون تدخل القاضي الاستعجالي من جهة أخرى أو كذلك دون امكانية تعهد القاضي الإداري بالقضية، وهو ما يستوجب تدخل المشرع لتغيير الوضع، متوقعة أن يصبح الأمر متاحا قريبا إذا ما تم تمرير مشروع مجلة البيئة المعروض حاليا على وزارة البيئة والذي تضمن إعطاء إمكانية تطبيق مبدإ الحيطة الذي يمكن القاضي من التدخل حتى وإن لم يكن الضرر حالّا وإنما هناك فقط خطر محدق بالبيئة.

من جهتها كشفت الأستاذة الجامعية المختصة في القانون الخاص وعلوم الإجرام وقانون البيئة بكلية العلوم السياسية والقانونية والاجتماعية بتونس ندى الزيدي عن الخطوط العريضة لمشروع مجلة البيئة والتي قالت إنها جاءت لجمع شتات النصوص القانونية المنظمة للبيئة في نص واحد، واصفة المشروع بالمكمّل إذ جاء لملء الفراغات التشريعية من خلال نصوص قانونية في مجالات لم تتناولها النصوص الموجودة والقديمة.

خطوط عريضة…

وتحدثت الأستاذة الزيدي في تصريحها لـ”كوسموس ميديا” عن جديد مشروع مجلة البيئة في علاقة بالمسؤوليتين الجزائية والمدنية للجرائم البيئية، إذ وضع تعريفا للضرر الببيئي وميّز بين الضرر الذي يلحق الأشخاص والضرر الذي يلحق بالبيئة نفسها، كما قام بالأخذ بعين الاعتبار أن يكون من قام بالمخالفة البيئية شخص معنوي.

كما تطرق المشروع إلى جوانب أخرى لم تتطرق لها القوانين الموجودة حاليا على غرار بعث مؤسسة جديدة تعنى بالحوكمة البيئية صلب مؤسسة رئاسة الحكومة.

هذا وتناول الملتقى بالنقاش المعالجة الجزائية للجرائم البيئية من خلال مداخلات لقضاة استعرضوا حيثيات بعض القضايا البيئية التي أثارت جدلا واسعا في تونس خلال السنوات الأخيرة على غرار ملف النفايات الخطيرة بسوسة وملف رفع النفايات بصفاقس، وفي هذا الإطار أفاد القاضي بالمحكمة الابتدائية بسوسة “كوسموس ميديا” بأن القوانين الموجودة، رغم ارتباطها بالمواثيق والمعاهدات الدولية على غرار اتفاقية بازل وقانون جوان 1969، إلا أنها قاصرة عن تحقيق الغايات التشريعية من المسؤولية الجزائية، إذ نجد أننا نلجأ في أغلب التطبيقات الواقعية التي تعرضنا لها في إطار الجرائم البيئية، إلى جرائم الحق العام التي هي جرائم موجودة في المجلة الجزائية.

وعبر القاضي وسام الشريف عن أمله في تلافي مثل هذه الوضعيات من خلال مجلة البيئة الجديدة وأن يصبح هناك قانون مختص في الجرائم البيئية وهياكل بحث خاصة بهذه الجرائم لتحقيق النجاعة المطلوبة، وفق تعبيره.

زر الذهاب إلى الأعلى