الحشرة القرمزية: خطر يهدد التين الشوكي في تونس.. واستلهام من تجربة المغرب

مبروكة خذير – كوسموس ميديا

لم يهدأ السؤال في ذهني وأنا أمرّ يوميّا على مساحات شاسعة من التين الشوكي “الهندي” الموبوء بآفة الحشرة القرمزية. حشرة كتبت عنها سابقا ولا أزال أهتم لتطورات هذا الوضع الوبائي سريع الانتشار في ربوع الجمهورية التونسية.

تُعدّ الحشرة القرمزية (Dactylopius opuntiae) من أخطر الآفات التي تواجه نبات التين الشوكي في العالم، وقد ظهرت في تونس منذ سنة 2021، حيث تُلحق أضرارًا جسيمة بهذا المحصول الاستراتيجي، ممّا يُهدد الأمن الغذائي ويُؤثّر سلبًا على الاقتصاد الوطني وعلى البيئة.

ضمن هذا الوضع تسارعت الجهود لمعرفة سبل المقاومة أو الوقاية. أسئلة طرحتها للنقاش ندوة افتراضية انتظمت يوم السبت 14 أفريل مساء، ودامت 4 ساعات حول وضع الحشرة القرمزية ومستقبل التين الشوكي في تونس بتنظيم من فريق “إيكولوجيني” الذي استضاف مجموعة من الخبراء التونسيين والمغاربة لتبادل المعارف والتجارب حول الخطط المستقبلية الناجعة والمستدامة للتعامل مع هذه الحشرة والاستفادة من التجربة المغربية التي سبقتنا في مجابهة هذه الآفة.

شارك في هذا اللقاء خبراء من تونس ممثلين في مديرة تنمية الموارد الزراعية والرعوية (OEP) لمياء بن سالم إلى جانب المهندس رشيد الباغازاوي المختص في حماية النباتات من مكتب الامن الوطني والامن الغذائي من المغرب (ONSSA) ورافقه في تحليل الوضع في المغرب منسق منطقة المتوسط لشبكة “إكاردا” و”الفاو” للتين الشوكي ومنسق مشروع “PRIMA” عبد الرحمان آيت حمو.

كما شارك في اللقاء الدكتور محمد رابح الحجلاوي المكلف بالإدارة العامة للصّحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية في وزارة الفلاحة و الموارد المائية والصيد البحري بتونس. أما الدكتور نور الدين نصر الخبير الدولي في مجال الفلاحة والتنمية الريفية والموظف السابق بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة والذي أشرف على تنفيذ مشروع “الفاو” لمقاومة الحشرة القرمزية بالمغرب 2017-2019، فقد اختتم الورشة بحلول ومقترحات سنأتي على ذكرها لاحقا في هذا المقال.

انتشار الحشرة وتأثيرها…

لوحظ انتشار مقلق للحشرة القرمزية في مختلف مناطق تونس، خاصة في المناطق الساحلية والوسط والجنوب، حيث تُصيب نباتات التين الشوكي وخاصة الألواح (الضلف)، ممّا يُؤدّي إلى موتها.

وقد شرحت لمياء بن سالم الوضع في تونس قائلة إن مخزون البلاد من التين الشوكي يمتد على 600 ألف هكتار. %50 تين شوكي و%50 تين أملس. وللتين الشوكي في تونس قيمة اقتصادية وغذائية وبيئية إذ يعدّ من أهمّ المحاصيل الزراعية في البلاد، حيث يحتلّ مكانةً مرموقةً في الاقتصاد الوطني والغذاء والصحة والبيئة. وتكمن قيمته في عدّة جوانب:

1: القيمة الاقتصادية:

• • المساهمة في الناتج المحلي: يُساهم التين الشوكي في الناتج المحلي الإجمالي من خلال توفير فرص عملٍ في مجالات الزراعة والتّصنيع والتّسويق.
  • التصدير: تُعدّ تونس من أهمّ الدول المصدرة للتين الشوكي ومنتجاته، حيث تُصدّر فواكهه الطازجة وزيته وعصيره إلى عدّة دولٍ عربيةٍ وأوروبيةٍ.
  • الصناعات التحويلية: يُستخدم التين الشوكي في تصنيع العديد من المنتجات الغذائية، مثل: المربّى، والعصير، والزيوت، والحلويات، ممّا يُؤدّي إلى خلق فرص عملٍ جديدةٍ وزيادة القيمة المضافة للمحصول.

2. القيمة الغذائية:

• • غنيٌّ بالعناصر الغذائية: يُعدّ التين الشوكي مصدرًا غنيًا بالعديد من العناصر الغذائية المهمّة، مثل: الفيتامينات، والمعادن، والألياف، ومضادات الأكسدة.
  • فوائد صحية: تُنسب إلى التين الشوكي العديد من الفوائد الصحية، مثل: تعزيز صحة الجهاز الهضمي، وتقوية المناعة، وخفض مستوى الكوليسترول، والوقاية من بعض الأمراض المزمنة.

3. القيمة البيئية:

• • مكافحة التصحّر: يُساهم التين الشوكي في مكافحة التصحر ومقاومة الانجراف بفضل قدرته على النموّ في المناطق الجافة وقليلة الأمطار.
  • الحفاظ على التنوع البيولوجي: يُعدّ التين الشوكي موطنًا للعديد من الحشرات والحيوانات، ممّا يُساهم في الحفاظ على التنوع البيولوجي.

4. القيمة الثقافية:

• • رمزُُ للتراث: يُعدّ التين الشوكي من أقدمّ المحاصيل الزراعية في تونس، ويُمثّل رمزًا للتراث الثقافي والحضاري للبلاد.
  • مدخلٌ للسياحة: تجذب حقول التين الشوكي العديد من السيّاح، ممّا يُساهم في تنشيط السياحة في المناطق الريفية.

المناطق المُصابة بالحشرة القرمزية في تونس

انتشرت الحشرة القرمزية، للأسف، في العديد من مناطق تونس، ابتداء من البؤرة الأولى بالمهدية لتشمل عديد الولايات، مع تركيز ملحوظ في المهدية والمنستير وسوسة وصفاقس والقيروان وسيدي بوزيد. هذا ما جاءت به الدراسات الميدانية التي قدمتها وزارة الفلاحة التونسية في الندوة الافتراضية التي تم تخصيصها لشرح الوضع الوبائي للحشرة القرمزية من قبل فريق “ايكولوجيني”. إذ تحدث ممثل وزارة الفلاحة الدكتور محمد رابح الحجلاوي عن أبرز المناطق المُصابة التي تم رصدها منذ سنة 2021 وصولا إلى اليوم. كما أشار الحجلاوي إلى أن البوادر الأولى لظهور الحشرة القرمزية سجلت من ثلاث سنوات في ولاية المهدية ثم انتشرت إلى ولايات أخرى.

تجربة المغرب.. قصة يُمكن الاستفادة منها في تونس؟!

في مداخلات لخبراء المغرب، أجمع المتدخلون على أن بلادهم واجهت، خلال العقود الماضية، انتشارًا واسعًا للحشرة القرمزية، ممّا أدّى إلى خسائر فادحةٍ في محصول التين الشوكي.

بدأت بوادر الإصابات الأولى هناك سنة 2014، غير أن المغرب لم يبدأ تنفيذ استراتيجية مجابهة الحشرة القرمزية إلاّ متأخرا سنة 2016، فقد أتلفت الحشرة القزمزية تقريبا كل مساحات التين الشوكي بالمغرب رغم كل المجهودات والأموال التي صرفت للمداواة والقلع والردم واللّجوء لمفترسات للحشرة القرمزية، ولكنه في الأخير نجح في إعادة غراسة المساحات المتلفة بالاعتماد على انتاج وإكثار أصناف مقاومة، وقد اتبع المغرب استراتيجية متكاملة تحدث عنها عبد الرحمان آيت حمو قائلا إن المغرب اتبع آليات لمجابهة الحشرة القرمزية شملت:

1.المكافحة البيولوجية: من خلال إطلاق الحشرات المفترسة الطبيعية للحشرة القرمزية، مثل (Cryptolaemus montrouzieri) وبعض أنواع الدبابير (Coccophagus spp)، حيث تُساهم هذه الحشرات في القضاء على الحشرة القرمزية بشكلٍ طبيعيٍّ وآمنٍ للبيئة.

2. المكافحة الكيميائية: من خلال استخدام المبيدات الحشرية بشكلٍ مُستهدفٍ في الحالات الشديدة، مع مراعاة سلامة البيئة وصحة المستهلكين. واتّباع إرشادات الاستخدام المُرفقة بالمبيدات بدقة.

3. التوعية والتدريب: من خلال توعية المزارعين بأهمية مكافحة الحشرة القرمزية وطرق الوقاية منها عبر تنظيم ندواتٍ وورش عملٍ وتوزيع كتيّباتٍ إرشاديةٍ. هذا إلى جانب تدريب الفلاّحين على تقنيات المكافحة المختلفة مثل كيفية إطلاق الحشرات المفترسة واستخدام المبيدات الحشرية بشكلٍ صحيحٍ.

4.البحث العلمي: من خلال دعم البحوث العلمية لتطوير تقنياتٍ جديدةٍ لمكافحة الحشرة القرمزية مثل تطوير أنواعٍ جديدةٍ من الحشرات المفترسة، وتطوير مبيداتٍ حشريةٍ صديقةٍ للبيئة.

وخلص عبد الرحمان آيت حمو إلى الدعوة إلى الاستفادة من تجربة المغرب من خلال اتّباع استراتيجيةٍ متكاملةٍ لمكافحة الحشرة القرمزية لا تعتمد على طريقةٍ واحدةٍ فقط، بل يجب الجمع بين المكافحة البيولوجية والكيميائية والتوعية والتدريب والبحث العلمي، مشددا على ضرورة إشراك المزارعين وتوعيتهم بأهمية مكافحة الحشرة القرمزية وطرق الوقاية منها استئناسا بالبحث العلمي وتطوير تقنياتٍ أكثر فعاليةً وأمانًا للبيئة.

هل من الممكن القضاء على الحشرة القرمزية تمامًا؟

الإجابة على هذا السؤال معقدةٌ وليست قاطعةً بحسب جل المتدخلين في اللقاء الافتراضي الذي تناول بالدرس تجربتي تونس والمغرب في مجال مقاومة الحشرة القرمزية.

ولئن تعد تونس الآن في مواجهة انتشار غير مسبوق لهذه الحشرة التي تهدد موروثها من التين الشوكي، ولئن نجح المغرب في القضاء عليها بشكلٍ شبه كاملٍ من خلال اتّباع استراتيجيةٍ متكاملةٍ شملت المكافحة البيولوجية والكيميائية والتوعية والتدريب والبحث العلمي، إلا أن المؤشرات في البلدين توحي بصعوبة الحسم نهائيا من خطر تواصل انتشار هذه الحشرة لاعتبارات عديدة وعلمية مفادها أن الحشرة القرمزية آفةً قويةً جدًا وقادرةً على التكيف مع مختلف الظروف البيئية.

وللحشرة القرمزية خصائص تصعّب القضاء عليها مثل قدرتها على التكاثر بسرعةٍ كبيرةٍ، اذ يمكن أن تضع أنثى الحشرة القرمزية ما يصل إلى 1000 بيضة خلال حياتها، كما أنها قادرة على الانتشار بسهولةٍ، إذ يمكن أن تنتشر من خلال الرياح، والحيوانات، ونشاط الإنسان. ويمكن أن تعيش الحشرة القرمزية في مختلف المناخات، من المناخات الحارة إلى المناخات الباردة، كما يُمكن أن تُظهر مقاومةً للمبيدات الحشرية مع مرور الوقت.

لذلك، يمكن القول إنّه من الصعب القضاء على الحشرة القرمزية تمامًا، ولكن يمكن السيطرة عليها بشكلٍ فعّالٍ من خلال اتّباع استراتيجياتٍ مُكافحةٍ مُتكاملةٍ.

وهذا ما أتى على ذكره الدكتور نور الدين نصر الذي قال إنّ مكافحة الحشرة القرمزية يتطلّب جهدًا مُشتركًا من جميع الجهات المعنية، بما في ذلك:

• • المزارعون: اتّخاذ الإجراءات الوقائية ومكافحة الحشرة عند ظهورها. والبحث والتبليغ عن الأصناف المقاومة.
  • الجهات الحكومية: دعم المزارعين وتوفير الإمكانيات اللازمة لمكافحة الحشرة وحماية المجموعات الجينية.
  • الباحثون: تطوير تقنياتٍ جديدةٍ لمكافحة الحشرة بشكلٍ أكثر فعاليةً وأمانًا مثل إكثار الأصناف المقاومة.
  • وسائل الإعلام: توعية الجمهور بأهمية مكافحة الحشرة القرمزية وطرق الوقاية منها.
  • المجتمع المدنى والمهنة

فأما الدكتور محمد رابح الحجلاوي المكلف بالإدارة العامة للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية في وزارة الفلاحة التونسية فقد أكد أن السلطات التونسية منكبّة اليوم على تنفيذ استراتيجية وطنية واستنباط طرق مكافحة الحشرة القرمزية في تونس من خلال:

1.المكافحة الوقائية: زراعة أصنافٍ مقاومةٍ للحشرة القرمزية واتّباع ممارساتٍ زراعيةٍ سليمةٍ تُحسّن من صحة نباتات التين الشوكي، إضافة إلى مراقبة النباتات بشكلٍ دوريٍّ للكشف المبكر عن الإصابة.

2.المكافحة البيولوجية: الاستفادة من الحشرات المفترسة الطبيعية المتواجدة محليًا، مثل الخنافس وبعض أنواع الدبابير.
وإطلاق الحشرات المفترسة المستوردة، بعد التأكد من سلامتها على البيئة.

3.المكافحة الميدانية: حرق وإتلاف مساحات التين الشوكي الموبوءة أو الاستفادة منها علفا للمواشي.

تين شوكي يقاوم الحشرة القرمزية؟

لعلّ المتأمّل في تجربة المغرب يدرك أيضا من خلال المداخلات أن هذا البلد استثمر أيضا في حلّ بديل قوامه زراعة أصناف من التين الشوكي قادر على مقاومة الحشرة القرمزية. إذ تُعدّ زراعة أصناف التين الشوكي المقاومة للحشرة القرمزية خطوةً هامةً قد تساعد تونس في ضمان استدامة هذا المحصول الاستراتيجي.

ولحسن الحظ، فقد تحدث الخبراء عن أنواع من التين الشوكي تتمتع بمقاومةٍ طبيعيةٍ للحشرة القرمزية، ممّا يجعلها خيارًا واعدًا لضمان استدامة زراعة هذا المحصول في تونس وقبله المغرب وفي بلدان أخرى أيضا.

وبالبحث في هذا المجال وجدنا أن هناك بالفعل أصناف من التين الشوكي مقاومة للحشرة القرمزية نذكر منها:

• • صبار بربري: يتميز هذا الصنف بقشرٍ سميكٍ وأشواكٍ كثيفةٍ، ممّا يُعيق وصول الحشرة القرمزية إلى النسغ.
  • صبار بلدي: يُعرف هذا الصنف بقدرته على تحمّل الظروف البيئية القاسية، كما أنّه يتمتع بمقاومةٍ جيدةٍ للحشرة القرمزية.
  • صبار حمصي: يُعدّ هذا الصنف من أقدم أصناف التين الشوكي في تونس، وهو يتميز بمذاقه اللذيذ وقيمته الغذائية العالية، كما أنّه يتمتع بمقاومةٍ جيدةٍ للحشرة القرمزية.
  • صبار مسكي: يتميز هذا الصنف برائحته المميزة وفوائده الصحية المتعددة، كما أنّه يُعدّ من الأصناف المقاومة للحشرة القرمزية.
  • صبار تين شمس: يُعرف هذا الصنف بثماره الكبيرة الحجم ولونه الأصفر الجذاب، كما أنّه يتمتع بمقاومةٍ جيدةٍ للحشرة القرمزية.

لعلّ الخلاصة الأهم في كل ما أتينا على ذكره أن تونس قادرة على هزيمة الحشرة القرمزية والمحافظة على تراثها من التين الشوكي وضمان استدامة هذا المحصول الحيوي للأجيال القادمة، وذلك بمجرد عمل جميع الأطراف المتدخلة على الدفع نحو تبني ممارسات زراعية مستدامة، وتعزيز الوعي العام، وتطوير تقنيات مكافحة حيوية جديدة.