سليديرمقالات

داء الكلب في تونس: وضع كارثي ومقاربة وقائية فاشلة؟!

فتحية خذير – كوسموس ميديا

ارتفع عدد الوفيات جراء الإصابة بداء الكلب في تونس إلى 5 وفيات منذ بداية سنة 2024. حيث توفي صباح اليوم الثلاثاء 30 أفريل 2024، طفل أصيب بداء الكلب وكان يرقد منذ فترة بقسم العناية المشددة بمستشفى الأطفال بباب سعدون.

ومع كل ارتفاع في عدد الوفيات يعود الجدل في تونس حول كيفية التوقي من داء الكلب في الوقت الذي يتزايد فيه عدد الكلاب السائبة بشكل سريع.

أرقام مفزعة!

في الحقيقة لا توجد احصائيات حديثة تتعلق بعدد الكلاب السائبة في تونس، لكن آخر البيانات الرسمية تقول إن هناك أكثر من نصف مليون كلب سائب ينتشر بين مختلف مناطق الجمهورية.

وسجلت البلاد خلال سنة 2023 أكثر من 40 ألف حالة تعرض إلى هجوم من حيوان مشبوه، 31 بالمائة منها كانت من طرف كلاب سائبة، و في العام نفسه سجلت تونس أيضا 6 حالات وفاة عند الإنسان بسبب داء الكلب.

في هذا الإطار، صرّح عميد الأطباء البياطرة أحمد رجب أنّ “الواقع المتعلّق بهذه الظاهرة في تونس يُعتبر كارثيًّا”، لافتا إلى أن عدد الكلاب المصابة بداء الكلب ارتفع بشكل كبير نظرًا إلى أنّ هذا الداء ينتشر بسرعة عن طريق الخدش أو العض.”

وأكدت المسؤولة عن مخبر داء الكلب بمعهد باستور تونس مريم هندوس، في وقت سابق، أن التحاليل التي أجريت بمخبر داء الكلب بالمعهد، خلال سنة 2023، والتي شملت 1281 عينة لتقصي داء الكلب، وردت عليه من مختلف جهات الجمهورية، أثبتت أن الإصابة بداء الكلب في 28 بالمائة من العينة عند الحيوان و19.51 بالمائة منها عند الكلاب.

وأضافت هندوس في تصريحات إعلامية متطابقة، أن احتمالية إصابة الكلب السائب بهذا الداء تُقدر بنسبة 50 بالمائة، مؤكدة أن التلقيح ضد هذا الدّاء يظل الحل الأنجع للحد من انتشاره. ولفتت في هذا السياق، إلى أن الدولة التونسيّة توفّر المصل والتلقيح بصفة مجانية للمواطنين بكلفة قيمتها 6 مليون دينار سنويا، في 362 مركزا للتلقيح ضد داء الكلب بكامل تراب الجمهورية.

جدل من رحم الحلول؟!

في الوقت الذي تهدف فيه منظمة الصحة العالمية إلى القضاء نهائيا على داء الكلب وبلوغ صفر وفيات جراء هذا المرض في أفق سنة 2030، سجلت تونس ارتفاعا ملحوظا في نسق الوفيات بداء الكلب لدى الانسان خلال السنوات الثلاث الأخيرة بـ15 حالة وفاة.

ومنذ بداية سنة 2024 قامت عدد من البلديات في تونس بحملات لقنص الكلاب السائبة في الشوارع. حملات اعتبرها عميد الأطباء البياطرة، أحمد رجب “إجراء صحيا وقانونيّا لمجابهة داء الكلب”، مؤكدًا أنّ “التلقيح ضد هذا الدّاء يمكن أن لا يكون ناجعًا في بعض الحالات”.

في المقابل، تعالت أصوات النشطاء والمدافعين على الحيوانات في تونس في أكثر من مناسبة، معتبرين أن نتائج مقاربة الدولة في التعامل مع الكلاب السائبة ومكافحة داء الكلب لازالت محدودة وأن سياسة قنص الكلاب السائبة منذ عقود أثبت فشلها. وطالب نشطاء مدنيون البلديات بالوقف النهائي لعمليات قنص الكلاب والتوجه إلى الحل الأنجع والذي أوصت به منذ سنوات منظمات صحة الحيوان، والقاضي بتعقيم الكلاب الضالة من أجل إحصائها ومعرفة أعدادها من ناحية، ومنع انتقال الفيروس من ناحية أخرى.

وكانت الشرطة البلدية قد توقفت عن قنص الكلاب الضالة بين سنتي 2011 و2015، قبل أن تستأنفها تدريجيا وسط ممانعة كبيرة من نشطاء وجمعيات مهتمة بقضايا الحيوانات.

تجربة ناجحة…

في شهر جانفي لسنة 2023، تحصلت الطبيبة البيطرية التونسية سمية الشوك على جائزة عالمية في مجال الرفق بالحيوان التي يمنحها سنوياً “التحالف العالمي لمكافحة داء الكلب”، وهي التي نجحت على امتداد عامين في التعقيم المجاني لمئات الكلاب الضالة في مدينة أريانة بهدف الحد من تكاثرها والحد من لجوء البلديات إلى قنصها.

تكافح المرأة من اجل إقناع البلديات بالانخراط ضمن حملات تعقيم واسعة للحيوانات والحفاظ على حقها في الحياة، مؤكدة أن “التعقيم من الوسائل التي تعتمدها المنظمة العالمية للصحة الحيوانية لمواجهة الكلاب الضالة المعروفة بكثافة توالدها، وأنه يجعل الكلاب أقل شراسة ويحد من خطرها ويؤسس لبيئة متوازنة وسليمة”.

حملات تعقيم مجانية ومآوي للكلاب السائبة وغيرها من مبادرات المجتمع المدني أرادها النشطاء حلولا بديلة لعملية القنص التي تقوم بها المصالح البلدية للحيوانات الضالة، لكن واقع الحال يشير إلى تزايد عدد الإصابات والوفيات جراء داء الكلب في تونس. حال جعل قضية الكلاب السائبة منذ عقود محور اهتمام الجميع. وما بين حلول القنص التي تنتهجها البلديات ودعوات سمية الشوك وغيرها من نشطاء المجتمع المدني للرفق بالحيوان، يبقى من الضروري البحث عن حلول جذرية إنسانية تقي المواطن من تكرر الاعتداءات عليه وفي نفس الوقت تحمي الكلاب من عمليات القنص القاسية.

زر الذهاب إلى الأعلى