مبروكة خذير- كوسموس ميديا- منذ سنوات خلت طلبت مني قناة أجنبية أن أتواصل مع شابة من جنوب البلاد طورت طريقة لاستخراج دواء يقي مرضى السرطان من هذا المرض الخبيث.
دواء مستخرج من نبتة أثبتت الدراسات عبر العالم جدواها ونجاعتها في علاج الكثير من الأمراض.
حاولت أن أجد للشابة مقالا علميا منشورا على مستوى دولي حتى أجد حجة وقرينة للتصوير معها، ولكن لم يكن لها منشورات غير أنها ابنة منطقة ينبت فيها هذا النوع من الأعشاب والنباتات التي تعزز مناعة الجسم والتي يصنع منها أدوية كثيرة.
أثبتت التجارب في المراكز البحثية التونسية أهمية ونجاعة هذه النبتة وقيمتها الغذائية، لكن مازالت المنشورات العلمية الدولية التي تفتح باب الاعتراف الدولي بهذه الثروة البرية من أعشاب تونسية تجود بها علينا الطبيعة صمام مناعة من كثير من الأمراض والنزل
في المقابل تستعمل هذه الأعشاب عند بعض سكان الجنوب في الأغذية وفي الشاي وحتى في تحضير الأكلات.
وسط غابات النخيل في جزيرة قرقنة، بين الطوابي والمساحات الخضراء الممتدة التي تسمى عند أهل الجزيرة “الحمادة” تنبت نباتات وأعشاب تقتات من رمل الطوابي.
تدخل هذه العشبة التي تسمى “اليازول” ضمن عادات بعض سكان الجزيرة، يقبلون على جمعها والاستفادة منه في تحضير بعض أنواع المأكولات غير أنها نبتة جالية لا يتم بيعها في الأسواق.
“اللازول” هي نبتة برية تنبت أساسًا في الرمال، لها أوراق طويلة ورفيعة وهي من البصيليات، ذات مذاق حار قليلًا وتحظى بمكانة كبيرة في العديد من الأطباق الخاصة بأهالي جزيرة قرقنة.
ينبت اليازول او اللازول كما يحلو للبعض تسميته في مناطق الجنوب سيما ولايتي مدنين و تطاوين، وهي نبتة يقبل عليها أهالي الجنوب لاستعمالها في بعض الأكلات مثل “الكسرة” و”البركوكش” وغيرها من الأكلات.
ومثلما يباع البصل وبقية الخضروات يمكن أن تجد في الأسواق “اليازول” هذه النبتة البرية التي تنتشر خاصة في فصلي الشتاء والربيع وتختص بوردة جميلة وأوراق خضراء رفيعة يحدها أسفل النبتة تحت التربة ثمرة صغيرة في شكل حبة بيضاء.
كما تتحول النبتة خلال فصل الربيع الى زهرة ذات ألوان بيضاء جميلة تشبه ورود البصل والثوم حين تنضج وتصبح قابلة لإنتاج حبيبات تبقى عالقة في تربتها حتى الموسم الموالي.
نبات اليازول غذاء ودواء..
تشهد جزيرة جربة وفرة في نبات اليازول ما خلق عدة نقاط بيع له بالشوارع وعلى الطرقات وفي الأسواق. و اليازول في المخيال الشعبي دواء وعلاج حتى أنه ورد ذكره في أحد الأمثال الشعبية المتداولة القائل باللهجة المحلية الجربية “لازول السميدة وقبار الحجر والحلبة الجديدة والثوم الذكر إلي ما يبروهش هاذوما يمشي للقبر”.
وروت الأسطورة أو الخرافة أن فريقا طبيا متجولا كان زمن الاستعمار يتقفى أثار البدو الرعاة الرحل لفحصهم ومداواة من يستحق العلاج إلا أن الفريق حين يجد ما يدل على أنهم أكلوا كميات من اللازول يتوقف عن اقتفاء آثارهم ليقينه أنهم بتناولهم هذا النبات قد وقوا أنفسهم من كل الأمراض المحتملة التي تصيبهم.
لكن طبعا يبقى الجانب العلمي هو وجهتنا ومرجعنا لذلك فقد أفضى البحث لتأثيث هذا المقال أن معهد المناطق القاحلة في الجنوب التونسي قطع أشواطا مهمة في كشف أسرار نبتة اليازول وفهمها عبر برنامج بحث انطلق فيه مخبر البيئة والمراعي بالمناطق الجافة والصحراوية منذ نحو خمسة عشر سنة متخذا عدة مناحي منها ما يهتم بتنوعه البيولوجي ومنها ما اهتم بدورة حياته وبمكوناته الكيميائية وهي الأهم لإمكانية أن تكون لها تطبيقات في المجال الصحي وفق الدكتور محمد النفاتي رئيس المخبر.
وسعى المعهد وفق الدكتور النفاتي من خلال برنامج البحث إلى “ترويض” نبات اليازول بالتحكم في طرق زراعته خاصة أمام إقبال عديد الفلاحين للمطالبة بتوفير البذور لزراعته وهو ما توصل إليه المعهد فعلا في مواكبة فلاحين اعتمدوا هذا النبات في مناطق سقوية كزراعة .
ويقول رئيس مخبر البيئة والمراعي بالمعهد إن هذا النبات تلقائي وينتشر في عدة مناطق خاصة بالجنوب إثر امطار الشتاء فهو ينمو في هذا الفصل كسائر فصيلة البصليات، مشيرا إلى أنه يجمع من الكساء النباتي الطبيعي ويستعمل في عدة أكلات لفوائده الغذائية والصحية فهو وفق تأكيده يقوي مناعة الإنسان من احتمال إصابته من عدة أمراض منها الخبيثة والمستعصية على الطب الحديث.
واعتبر أن الاقبال على استهلاك اليازول في فصل الشتاء هام لمقاومته نزلة البرد وأمراض التنفس، موضحا أن قيمته كاملة تكمن في استهلاكه أخضر طريا إذ تكون تركيبته الكيميائية متكاملة.
“اليــٓازُولْ” مضاد لسرطان الدم؟
بعد بحوث وتجارب حول عشبة اليازول نال معهد المناطق القاحلة بمدنين شهادة براءة اختراع بعد اكتشافه في إطار تعاون علمي مع معهد باستور بالعاصمة أن هذه النبتة تعتبر مضادة لسرطان الدم وله عديد المنافع الأخرى.
تختلف تسميات هذه العشبة من منطقة لأخرى ففي جربة معروف في عديد الحوم بـ”اليازول” في حومة السوق والحوم الدائرة بها وفي ميدون والحوم المجاورة يسمونه “ڤازول”، أما في باقي مناطق الجنوب مدنين وتطاوين وجرجيس وبن قردان وغيرها يسمونه “لازول”.. تعددت التسميات والعشبة نفسها …
ومن الاطباق المشهورة التي تعتمد على اليازول كمادة أساسية “الحسو ” الذي يؤكل مع العصيدة و”كسرة مرفوسة” في بعض مناطق الجنوب التونسي.
و بحسب مقال وارد في ذات السياق في منصة “الترا صوت” وفي سنة 2018، تحصّل معهد المناطق القاحلة بمدنين بالتعاون مع معهد باستور بالعاصمة على براءة اختراع، إثر اكتشافه لكون نبتة اللازول تعتبر مضادًا قويًا لمرض السرطان.
وقد تحصل على براءة الاختراع من المعهد الوطني للمواصفات والملكية الصناعية استنادًا إلى المواصفات العالمية في مجال الاكتشاف العلمي في مجال الأدوية المضادة لمرض سرطان الدم، وفق ما أكده معهد المناطق القاحلة بمدنين.
وقد أشارت آنذاك حنان نجاع الباحثة في المعهد، في تصريحات إعلامية، إلى أنّ “نبتة اليازول غنية بفوائد غذائية هامة، وتحتوي على مواد فعالة ضدّ الجراثيم وتُعتبر مضادًا ناجعًا في القضاء على خلايا سرطان الدم، مبيّنة أنّ البحوث كانت في إطار رسالة دكتوراه، تمحورت حول موضوع التعرف على الأهمية الغذائية لنبتة اللازول.
وتابعت: “انطلقنا منذ فترة في البحوث للتعرف على أهمية هذه النبتة ومنافعها الغذائية، وانتهينا داخل المعهد إلى قدرة هذه النبتة على مكافحة الخلايا السرطانية في جسم المصابين بمرض سرطان الدم”.
وقد أشارت الباحثة لـ”ألترا تونس” إلى أنه “بالفعل تمت مقارنة النتائج التي تحصلت عليها رفقة زملائها في المعهد باستعمال تلك النبتة مع نفس النتائج لدواء يستخدم لعلاج السرطان. وتم التأكد من قدرتها على العلاج بل وتفوقها على الدواء المستعمل”.
كما أضافت أنّ الأبحاث متواصلة إلى اليوم، لافتة إلى أنه “ستقع متابعة الأبحاث والتجارب على بعض الحيوانات للتأكد أكثر من نجاعة هذه النبتة في مقاومة الخلايا السرطانية”، على حد قولها.
من جهته، أشار طبيب الأورام والأمراض السرطانية معز بن خلف الله لـ”ألترا تونس” إلى أنّ “العديد من الأنظمة الغذائية تدخل طبعًا في علاج العديد من الأمراض”.
صور مبروكة خذير