سليديرمقالات

ألف شجرة خرّوب في جبل الدّاموس.. من أجل صمود الغابات التونسية

أميرة القيزاني – كوسموس ميديا

يحدث أن يقودك الطريق نحو الشمال الغربي التونسي لا فقط إلى مناظر طبيعية خلابة تعانق فيها الجبال المكسوة بالخضرة السماء المشعة بالصفاء، بل كذلك قد ينتهي بك إلى حط الرحال في مكان أُعدت له تظاهرة بيئية تطمح إلى غراسة ألف شجرة خروب. تلك الشجرة المثبت علميا مدى تأقلمها مع التغيرات المناخية التي يعيش على وقعها العالم برمته منذ أعوام.

جاءت هذه التظاهرة تحت عنوان “من أجل صمود الغابات”، ببادرة من جمعية حماية الطبيعة والتنمية المستدامة بنفزة ومؤسسة أطلس (الجمعية التونسية للقيادة وتطوير الذات والتضامن) بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة والوكالة الفرنسية للتنمية. أطراف اجتمعت يوم الأحد المنقضي 29 جانفي 2024، بـ”جبل الداموس” من معتمدية نفزة التابعة لولاية باجة بهدف إعادة إحياء الغطاء الغابي بمنطقة الشمال الغربي على إثر الحرائق التي طالت المنطقة، خلال السنوات الأخيرة.

البيئة إيمان وتعهد؟!

متطوعون.ات جاؤوا.جئن من مناطق وولايات مختلفة حول الجمهورية للمساهمة في تحقيق أهداف التظاهرة، وتحملوا.ن عناء صعود مرتفعات “جبل الداموس” والتوغل في أعماقه إيمانا بأهمية المحافظة على الغطاء النباتي الغابي في خلق التوازن البيئي واستمرار التنوع البيولوجي النباتي والحيواني لبلادنا من شمالها إلى جنوبها.

وفي هذا السياق، أشرف رئيس جمعية حماية الطبيعة والتنمية المستدامة بنفزة رضا الطبوبي على تلاوة “ميثاق حماية الشجرة” وتوقيعه من قبل جميع الحاضرين.ات، معتبرا أن تنفيذ مشروع حماية المنطقة الغابية في منطقة كجبل الداموس يعدّ حركة نبيلة تحسب لكل المشاركين فيها، وفق تقديره.

من أعلى سفح الجبل يتراءى لك حركات الفاعلين، هذا يحمل شجرة الخروب متوجها ليضعها في مكانها المهيإ مسبقًا من طرف عمال مصلحة الغابات بباجة الشمالية، والآخر يركض لملء رشاش المياه لسقيها. وما إن تجول بناظريك في اتجاهات أخرى حتى تلحظ آخرين بين غارسٍ للخروب، وساقِ وجامعِ للأكياس البلاستيكية الملقاة في كل مكان لعله يداوي شيئا من جراح بيئية تراكمت بفعل تراكم الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد. في النهاية كلها مبادرات تسعى لتعميم الحس الجماعي والوعي الشامل بقضايا البيئة مهما اختلفت مجالاتها.

من أجل “صمود” الثروة الغابية…

المهندسة الفلاحية مريم ملاّك وهي المنسقة الفنية لمشروع “حماية المنطقة الغابية”، كانت بدورها تحاول المراوحة بين الحرص على تأطير المشاركين.ات في التظاهرة وبين الإجابة على أسئلة ممثلي وسائل الاعلام الذين واكبوا اليوم بتفاصيله. وفي تصريح لـ”كوسموس ميديا” أفادت ملاّك بأن المشروع يندرج ضمن برنامج متكامل بعنوان “Résilence”، يُعْنَى بالنظم البيئية وخاصة النظام الغابي، ويتمحور حول كيفية الحفاظ على الثروة الغابية بتونس.

وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن الغابات التونسية شهدت نشوب عديد الحرائق المتتالية في السنوات الممتدة من 2018 إلى 2023 باستثناء سنة 2021، علما وأن معظم هذه الحرائق كانت قد سُجلت في مناطق الشمال الغربي للبلاد.

ومن ضمن الأسباب التي زادت من حدة الأزمة نذكر التغيرات المناخية وتقلص الترسبات، إلى جانب الاختلال في توازن الفصول الأمر الذي اعتبرته محدثتنا “غير عادي”، مشيرة إلى تراجع منسوب المياه في سد سيدي البراق والذي “يعتبر مخزونا استراتيجيا لتونس”، وفق تعبيرها.

وتابعت المهندسة الفلاحية حديثها قائلة: “لقد حاولنا إيجاد الحلول للحفاظ على ديمومة الثروة الغابية، وذلك بإعادة التشجير، وفي هذا تظافر لجميع الجهود من قبل السكان المحليين ومكونات المجتمع المدني والمنظمات الناشة في تونس وأجهزة الدولة.. واختيار غراسة شجرة الخروب في جبل الداموس لم يكن اعتباطيا بقدر ماهو مدروس لما تحمله من مزايا وخصال لعل أبرزها المردودية في الانتاج وتأقلمها مع المناخ والتربة، علاوة على ذلك يعتبر هذا الجبل مورد رزق لسكانه”.

يبدو أن المشروع لن يتوقف عند هذا الحد، إذ سبق وشمل 3 مناطق أخرى في جهة طبابة نفسها، ومن المنتظر أن يشمل مناطق جديدة تعتمد أساسا على القرب من المناطق السكنية (أي نصف غابية ونصف سكنية) بالجهة التابعة لمعتمدية نفزة.

زر الذهاب إلى الأعلى