سليديرمقالات

نقاش حيوي حول مستقبل الصحافة البيئية في قلب المتوسط…

فعاليات المنتدى المتوسطي للصحافة المتخصصة-مرسيليا-

مبروكة خذير/كوسموس ميديا /مرسيليا

في رحاب قصر فارو السّاحر، المطل على أمواج المتوسط الزرقاء في مدينة مرسيليا الفرنسية، إنعقدت جلسة حاسمة ضمن فعاليات المنتدى المتوسطي للصحافة المتخصصة.

العنوان كان لافتاً وجاذباً للإنتباه: “مستقبل الصحافة المتخصصة في ظل أزمة المناخ وأهمية الصحافة البيئية”. وبين جدران القصر العريق، تلاقت عقول نخبة من الخبراء والصحفيين المتخصصين، قادمين من ضفاف إفريقيا وحوض المتوسط، ليتبادلوا الرؤى والتحديات حول مستقبل تغطية قضية العصر: المناخ.

تمحور النقاش حول مساهمات الصحافيين والعلماء ودورهم الفعّال في ظلّ الأزمة المناخية. وفي هذا السياق قدّمت الصحافية مبروكة خذير، من منصة “كوسموس ميديا” الرائدة في مجال الصحافة البيئية،  مبادرة بما يجسد الحراك الإعلامي المتزايد في تونس نحو إيلاء القضايا البيئية الاهتمام الصحفي الذي تستحقه.

بين الأرقام والحقائق.. نقاش معمق يقوده خبراء من الطراز الرفيع

لم يقف النقاش حول تبادل المبادرات فحسب، بل غاص الحضور في نقاشات جوهرية قادها قامات علمية وإعلامية بارزة. الدكتور بنجامان سلطان، العالم المناخي ومدير الأبحاث في معهد البحث والتطوير، قدّم رؤى مستنيرة حول آخر المستجدات العلمية المتعلّقة بأزمة المناخ وتأثيراتها المتزايدة على المنطقة.

وفي المقابل، أثرى خالد سليمان، الصحفي البيئي العراقي المخضرم والمدرب، النقاش بخبرته العملية الطويلة في تغطية القضايا البيئية في منطقة تعاني بشدة من تداعيات التّغير المناخي.

في قلب العراق، حيث تتلاقى الحضارات القديمة مع التحديات البيئية المعاصرة، يبرز إسم الصحفي خالد سليمان كمنارة تضيء دروب الوعي البيئي. لم يكن سليمان مجرد ناقل للأخبار البيئية، بل تحول إلى صوت مؤثر يسعى جاهداً لتحسيس المجتمع العراقي والعالم بأسره بأهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة التحديات التي تهددها.

تميزت مسيرة خالد سليمان الصحفية بتفانٍ نادر للقضايا البيئية. ففي بلد عانى ولا يزال من ويلات الحروب والنزاعات، قد تبدو قضايا البيئة ثانوية للبعض. لكن سليمان أدرك مبكراً الترابط الوثيق بين سلامة البيئة واستقرار المجتمع وازدهاره،و هذا ما عبر عنه في جلسة خصصت له لطرح تجربته في الدفاع عن قضايا البيئة في بلده،العراق.

هذا و لم يتردد خالد سليمان في تسليط الضوء على التدهور البيئي الناتج عن عقود من الحروب والتلوث النفطي وشح المياه والتصحر، مؤكداً أن هذه المشكلات ليست مجرد تحديات بيئية، بل هي قضايا إجتماعية و إقتصادية و إنسانية تهدد مستقبل الأجيال القادمة.

لم يقتصر دور سليمان على رصد المشكلات البيئية وتوثيقها، بل تعداه إلى البحث المعمق عن حلول مستدامة وتقديمها للجمهور وصناع القرار. من خلال مقالاته وتقاريره الاستقصائية، سعى إلى نشر الوعي بأهمية تبني ممارسات صديقة للبيئة، وتشجيع المبادرات الخضراء، والمطالبة بتطبيق القوانين البيئية بصرامة. كان يدرك أن التغيير الحقيقي يبدأ من القاعدة، من خلال تمكين الأفراد والمجتمعات المحلية وجعلهم جزءاً من الحلّ.

لقد تجلى تأثير خالد سليمان في قدرته على تبسيط المفاهيم البيئية المعقدة وتقديمها للجمهور بلغة واضحة ومؤثرة. استطاع أن يجعل قضايا مثل تغير المناخ والتنوع البيولوجي والتلوث قضايا تهم كل مواطن عراقي، وأن يحفز النقاش العام حولها. لم يتردد في انتقاد التقصير الحكومي والضغط من أجل تبني سياسات بيئية أكثر فعالية، وفي الوقت نفسه، كان يسلط الضوء على قصص النجاح والمبادرات الإيجابية التي تبعث على الأمل.

وجاء في مداخلة خالد سليمان أن الدور الذي لعبه كصحافي في التحسيس بالقضايا البيئية في العراق لا يقدر بثمن. في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، استطاع أن يزرع بذور الوعي البيئي وأن يلهم جيلاً جديداً من المهتمين بالدفاع عن البيئة. لقد أثبت أن الصحافة الهادفة يمكن أن تكون أداة قوية للتغيير الإيجابي، وأن صوت الصحفي المتخصص يمكن أن يكون له صدى يتجاوز حدود الخبر العاجل ليلامس جوهر مستقبلنا.

رحلة خالد سليمان المهنية هي شهادة على أهمية وجود صحفيين متخصصين في قضايا البيئة، قادرين على فهم التعقيدات وتقديم الحقائق بمسؤولية وشغف. إنه نموذج يحتذى به لكل من يسعى إلى استخدام الكلمة والقلم في خدمة قضايا إنسانية نبيلة، مؤكداً أن حماية البيئة ليست رفاهية، بل ضرورة حتمية لبناء مستقبل أفضل للجميع.

 

شراكة ضرورية.. جسر من الثقة بين العلم والإعلام

لم يغفل النقاش حول ملف التغيرات المناخية في المنتدى المتوسطي للصحافة في مدينة مرسيليا جانباً بالغ الأهمية، وهو العلاقة الحيوية والوثيقة بين الصحفيين والعلماء المتخصصين. اذ تم التأكيد على ضرورة بناء جسور من الثقة والتعاون بين الطرفين لضمان تقديم معلومات دقيقة وموثوقة للجمهور. ففي خضم سيل المعلومات المتضارب، يصبح دور الصحافة المتخصصة، المدعومة بالحقائق العلمية، أكثر أهمية من أي وقت مضى في تشكيل وعي عام مستنير بالقضايا البيئية المعقدة.

ففي ظل تفاقم أزمة المناخ في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، التي تعد من أكثر المناطق تأثراً بالتغير المناخي، تتصاعد التحديات المناخية التي تواجه دول شمال أفريقيا، حيث تشهد المنطقة ارتفاعاً في درجات الحرارة وموجات جفاف وتصحر متزايدة، مما يؤثر بشكل حاد على الأمن الغذائي والموارد المائية. وتزداد الحاجة الملحة للصحافة البيئية المتخصصة لتسليط الضوء على هذه التحديات المعقدة وتحليل المعلومات العلمية بأسلوب مبسط وواضح للجمهور، والمساهمة في جهود التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ.

وجاء في جلسة النقاش التي امتدت على ساعتين الدعوة الى أهمية الاستثمار في تدريب الصحفيين البيئيين لضمان جودة التغطية الإعلامية للقضايا البيئية. فهناك حاجة ماسة للاستثمار في برامج تدريب متخصصة للصحفيين، لتزويدهم بالمعرفة العلمية والأدوات اللازمة لإنتاج محتوى إعلامي مؤثر ومسؤول. لكن  يبقى الرهان هنا معقوداً على تضافر جهود الصحفيين والعلماء والمجتمع المدني و أيضا المؤسسات الرسمية و الحكومية في العمل يداً بيد لمواجهة التحدي الأكبر الذي يواجه كوكبنا: أزمة المناخ.

دور الصحافة المحوري في معركة المناخ: توعية وتحفيز وتغيير

في خضم الأزمة المناخية المتفاقمة، ينهض الصحفي بدور محوري أشبه ببوصلة توجه الرأي العام نحو فهم أعمق لهذه القضية الوجودية وتحفزه على العمل. يبدأ الأمر بنشر الوعي والمعرفة، حيث يسعى الصحفي جاهداً لتبسيط الحقائق العلمية المعقدة وتقديمها للجمهور بشكل واضح ومفهوم، ممكناً إياهم من اتخاذ خيارات مستنيرة.

وفي تصريح للصحافية مبروكة خذير باعثة منصة كوسموس تقول في هذا السياق: «لا يتوقف دور الصحافي في التغطية الصحفية لقضايا المناخ، بل يمتد ليشمل تسليط الضوء على الحلول المبتكرة والمبادرات الملهمة التي يتخذها الأفراد والمجتمعات والحكومات للتكيف مع آثار تغير المناخ والتخفيف من وطأتها، ليغذي بذلك جذوة الأمل ويدفع نحو تبني ممارسات أكثر استدامة. وبسرد القصص البيئية المؤثرة، ينجح الصحفي في تحفيز الاهتمام العام بهذه القضية الملحة، دافعاً إياهم لزيادة انخراطهم ومطالبتهم بالتغيير.

وفي أوقات الكوارث الطبيعية، يصبح صوته بمثابة طوق نجاة، ينشر المعلومات والتحذيرات التي تحفظ الأرواح وتوجه السلوك نحو بر الأمان. ولا يغفل عن دوره في تشجيع التفاعل الإيجابي، حث المواطنين على تبني قيم حماية البيئة والتخلي عن العادات الضارة، مساهماً بذلك في تعزيز الاستجابة الوطنية والدولية.” و في حديثه عن هذه النقطة يقول عالم الاجتماع صقر النور من مصر،و الذي كان حاضرا في ورشة النقاش ان المثقف بشكل عام و الصحافي أيضا يدعمان المشروعات التنموية التي تسعى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورفع الوعي البيئي في أوساط المجتمع. وفي نهاية المطاف، يمتلك الصحفي والناشط البيئي القدرة على تشكيل رأي عام قوي ومؤثر، قادراً على الضغط على الحكومات والمؤسسات لاتخاذ خطوات جذرية لمواجهة هذه الأزمة العالمية، ليصبح بذلك شريكاً فاعلاً في بناء مستقبل أكثر استدامة ومرونة لكوكبنا.

تأثيرات التغير المناخي على الأمن الغذائي والمجتمعات الهشة: رؤى بنجامين سلطان

أما في عرضه لمداخلته فقد تناول الخبير العلمي الفرنسي بنجامان سلطان الإمكانيات التي يمكن ان تعزز دور الصحافيين في علاقتهم بالعلماء في خدمة العدالة البيئية في تغطيتهم للقضايا المناخية، ويضيف بنجامان سلطان:”يجب على الطرفين الصحفي والعالم الخبيرايضا، أولًا تسليط الضوء على التفاوتات الصارخة في كيفية تأثير أزمة المناخ على المجتمعات المختلفة، خاصة تلك الأكثر تضررًا مثل الفقراء والمهمشين. من خلال التركيز على القصص المحلية والإنسانية، يمكن للصحفيين إبراز العلاقة الوثيقة بين التغير المناخي والعدالة الاجتماعية، موضّحين كيف يؤثر التلوث وانعدام الأمن الغذائي على حياة الناس اليومية. علاوة على ذلك، يجب على الصحفيين العمل على بناء الثقة والمشاركة المجتمعية، وتشجيع الحوار وإشراك الفئات المتضررة في صناعة القرار. من خلال التدريب المستمر والتأهيل المهني، يمكن للصحفيين مناهضة المعلومات المضللة وتقديم تقارير دقيقة وشاملة. وأخيرًا، عبر تعزيز التعاون مع المنظمات والمجتمع المدني، يساهم الصحفيون في دفع نحو سياسات مناخية أكثر إنصافًا وشمولية، تضمن حماية حقوق الجميع في بيئة صحية ومستدامة.”

بنجامان سلطان هو عالم مناخ فرنسي بارز يشغل منصب مدير أبحاث في معهد البحث من أجل التنمية (IRD) ومدير مساعد في مختبر ESPACE-DEV في مونبلييه،يركز عمله منذ أكثر من 20 عاماً على دراسة التغير المناخي وتغير المناخ في المناطق المدارية وتأثيراته المجتمعية، خاصة في إفريقيا ودول الجنوب مثل السنغال ومالي والنيجر وفيتنام. ساهم بنجامان سلطان ككاتب رئيسي في التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC/GIEC) الصادر عام 2023.له العديد من الدراسات حول تأثير التغير المناخي على الزراعة والأمن الغذائي في إفريقيا، مثل إنتاجية الدخن والذرة الرفيعة كما أنه عضو في اللجنة العلمية الفرنسية للتصحر.

يعد بنجامان سلطان أحد أبرز العلماء الفرنسيين في مجال المناخ، ويشغل حالياً منصب مدير أبحاث في معهد البحث من أجل التنمية (IRD). يتمتع سلطان بخبرة واسعة في دراسة التغيرات المناخية وتأثيراتها على المجتمعات، حيث يكرس جهوده لتطوير حلول علمية تسهم في مواجهة التحديات البيئية التي تواجه العديد من دول العالم، خاصة في إفريقيا والدول النامية.

هذا وقد خصص بنجامان سلطان جزءا من مداخلته لموضوع الفياضانات التي ضربت ليبيا وكيف انه كان بالإمكان تجاوز تلك الازمة التي عصفت بعشرات الالاف من أهالي درنة.

بنجامين سلطان توصل في أبحاثه إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى زيادة شدة وتكرار الظواهر الجوية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف، مما يؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي والزراعة في المناطق المدارية، خاصة في إفريقيا. وأكد أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية، الناتج عن تراكم غازات الدفيئة البشرية المنشأ كالـCO2 والميثان، يهدد إنتاج المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والرز، ويزيد من مخاطر الفقر والجوع. كما أوضح سلطان أن التغير المناخي يفاقم هشاشة المجتمعات التي تعاني من ضعف البنية التحتية، داعياً إلى تعزيز أنظمة الإنذار المبكر والتكيف مع المناخ عبر سياسات مستدامة تشمل التعليم وتنظيم الأسرة لخفض النمو السكاني وتأثيره على الانبعاثات.

زر الذهاب إلى الأعلى