مبروكة خذير- كوسموس ميديا
تعتبر مشكلة تبذير الغذاء من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع التونسي في العصر الحديث. يشكل هذا التصرف السلبي مشكلة اقتصادية واجتماعية وبيئية خطيرة، حيث يتسبب في هدر موارد ثمينة وتفاقم أزمة الأمن الغذائي.
أحد أسباب تبذير الغذاء في تونس يعود إلى سوء التخزين والنقل. تفتقر البنية التحتية للتخزين الفعال والنقل السليم، مما يؤدي إلى فقدان كبير في الأغذية خلال عمليات الإنتاج والتوزيع. على سبيل المثال، تكون بعض المنتجات الزراعية والأسماك غير قابلة للتسويق بشكل جيد بسبب نقص التبريد والمعالجة المناسبة.
وأيضاً يلعب الاستهلاك الزائد دورًا مهمًا في تبذير الغذاء. تتمثل هذه المشكلة في شراء الكثير من الأطعمة من قبل المستهلكين ورميها فيما بعد بسبب تجاوز تواريخ الصلاحية أو عدم الاستهلاك في الوقت المناسب.
ومن هنا يجب تشجيع التوعية بأهمية تقليل الفاقد واستغلال الأغذية بشكل فعال.
كما يُظهر التبذير الغذائي آثارًا سلبية على البيئة. فإن رمي الأطعمة في حاويات الفضلات يؤدي إلى انبعاث الغازات الدفينة وتلوث المياه. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 40٪ من الفاقد الغذائي في العالم ينتج من الدول النامية، وتونس ليست استثناءً.
ويكثر أيضا تبذير الطعام في ولائمنا في كل العادات الاجتماعية والدينية إذ نجد أن هناك مناسبات كثيرة مثل حفلات الزواج والختان والأعياد وأيضا في احتفالاتنا بالتخرج والنجاحات التعليمية والمهنية وغيرها من الاحتفالات التي تقام في أضرحة الأولياء الصالحين والتي تسمى “الزردة”… كلها مناسبات يكون فيها تقديم الطعام ركيزة أساسية ولكن قد يتحول ذلك إلى الإسراف ورمي ما يتبقى من طعام.
من أجل مواجهة تبذير الغذاء في تونس، يتوجب على الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص تكثيف الجهود. يجب تعزيز برامج توعية موجهة نحو الفرد والمؤسسات بأهمية تقليل التبذير الغذائي. يجب أيضًا تحسين بنية التخزين والنقل للحد من الفاقد وزيادة فعالية عمليات التوزيع. ويمكن تعزيز الاستدامة من خلال تحويل الفاقد إلى مواد منتجة أخرى أو تبرع بها للأشخاص المحتاجين.
تبذير الغذاء في القرأن والسنّة
يحُثّ القران الكريم المسلمين على تجنب تبذير الغذاء والحفاظ على الموارد الغذائية واستخدامها بحذر.
ففي القرآن الكريم، هناك العديد من الآيات التي تتعامل مع هذا الموضوع.
إليك بعض الآيات والأحاديث ذات الصلة:
- في سورة الأعراف (الآية 31): “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”
في هذه الآية، يُحثّ المسلمون على تناول الطعام والشراب بمعقولية وعدم الإسراف.
- قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه وثلث لنفسه” (رواه الترمذي)
هذا الحديث يشجع على توجيه الناس إلى تقسيم الأطعمة بشكل عادل وعدم الإسراف فيها.
باختصار، يعتبر القرآن الكريم والأحاديث النبوية تبذير الغذاء ضد قيم الإسلام، ويُشجع المسلمين على استخدام الموارد الغذائية بحذر وتقدير وعدم الإسراف فيها. هذا يعكس التفكير الإسلامي في الاستدامة والمحافظة على الموارد الطبيعية.
تبذير الطعام في شهر رمضان مخالفُُ للروحانية؟!
يُشجع في الإسلام على ضبط النفقات وتقديم الأطعمة بحذر خلال رمضان وتجنب التبذير. يجب على المسلمين أن يكونوا مسؤولين في استهلاك الطعام والشرب والعناية بالموارد الغذائية خلال هذا الشهر المبارك.
ولعل الهدف الأساسي من شهر رمضان هو الصيام والتقرب إلى الله. لكن عادة ما يرتبط هذا الشهر في كافة الدول العربية والإسلامية ومنها تونس ببعض المظاهر التي قد نشاهدها في رمضان وتعد تبذيرًا للطعام:
- إعداد وجبات فاخرة: بعض الأشخاص يقومون بإعداد وجبات غنية وفاخرة خلال شهر رمضان، مما يؤدي إلى استهلاك زائد للمكونات والمال.
- إعداد كميات زائدة من الطعام: قد يقوم البعض بطهي كميات كبيرة من الطعام في رمضان، مما يتسبب في تبذير الأطعمة إذا لم يتم استهلاكها بشكل كامل.
- التنافس في تقديم الوجبات: في بعض الأحيان، يتسابق الناس في تقديم وجبات إفطار أو سحور فاخرة، مما يؤدي إلى زيادة الهدر والتبذير.
- رمي الطعام: تقديم الأطعمة في القمامة بعد الانتهاء من الوجبة يعتبر تبذيرًا جسيمًا. يجب التشجيع على توجيه الأطعمة غير المستهلكة للأشخاص المحتاجين.
- التبذير في الشرب: قد يؤدي تناول العديد من المشروبات الغازية والمشروبات السكرية إلى تبذير المال وزيادة استهلاك السكر والسعرات الحرارية غير الصحية.
- تخزين الطعام لفترة طويلة دون استخدامه: بعض الأشخاص يشترون كميات كبيرة من الطعام ويتركونها في المخزن لفترات طويلة دون استخدامها، مما يؤدي إلى تلفها.
- إعداد وجبات زائدة للضيوف: على الرغم من أن استقبال الضيوف خلال رمضان يعد تقليدًا جميلًا، إلا أنه يجب تحضير الكميات المناسبة من الطعام لتجنب التبذير.
تبذير الخبز في تونس.. المشكلة الأخطر اقتصاديا وبيئيا
تبذير الخبز في تونس، مثلما هو الحال في العديد من الدول، يعد مشكلة خطيرة اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا أيضا.
الخبز هو عنصر أساسي في النظام الغذائي التونسي، ولكن تبذيره يتسبب في هدر موارد ثمينة وزيادة في تكاليف الإنتاج والإمداد. إليك بعض الجوانب المتعلقة بتبذير الخبز في تونس:
- إهدار الخبز في المنازل: يحدث تبذير الخبز في العديد من المنازل حيث يتم شراء كميات كبيرة من الخبز ولكن لا يتم استهلاكها بالكامل، مما يؤدي إلى رميه في القمامة.
- هدر الخبز في المؤسسات والمطاعم: في القطاع العام والخاص، يمكن أن يكون هناك تبذير للخبز في المؤسسات والمطاعم إذا لم يتم تخزينه واستخدامه بشكل صحيح.
- تخزين الخبز لفترة طويلة: قد يتم شراء كميات كبيرة من الخبز وتخزينها لفترات طويلة دون استخدامها، مما يؤدي إلى فقدانها وتلفها.
- عدم الاستفادة من قوانين الصلاحية: في بعض الأحيان، لا يتم الاستفادة بشكل كامل من القوانين المتعلقة بصلاحية الخبز، مما يترتب عليه تبذير أكبر.
تعمل الحكومة التونسية والعديد من المنظمات غير الحكومية على تشجيع التوعية حول مشكلة تبذير الخبز وتعزيز مفهوم الاستدامة في استهلاك الخبز والموارد الغذائية بشكل عام. يجب أن يتعاون الجميع، من المستهلكين إلى الصناعيين والمطاعم، للمساهمة في الحد من تبذير الخبز والحفاظ على هذا المورد الغذائي الأساسي.
كن شريكا في وضع حد للتبذير الغذائي
هناك العديد من الحلول التي يمكن اتخاذها للمساعدة في عدم تبذير الطعام. إليك بعض الأفكار والحلول التي يمكن تنفيذها:
- التخطيط الجيد: قبل التسوق، قم بإعداد قائمة بالمواد الغذائية التي تحتاجها فعلًا. هذا سيساعدك على تجنب شراء الأطعمة الزائدة وتقليل فرص التبذير.
- التخزين الجيد: قم بتخزين الأطعمة بشكل صحيح للمحافظة على طول عمرها الافتراضي. استخدم عبوات محكمة الإغلاق وانظر إلى تواريخ الصلاحية.
- استخدام الأطعمة الزائدة: قد تقع في مأزق عندما تكون لديك أطعمة زائدة. حاول إعداد وجبات جديدة باستخدام هذه الأطعمة أو تبرع بها للأشخاص المحتاجين.
- ممارسة الصيام: قد تكون الفترة المحددة للصيام فرصة جيدة للتواجد في حالة تفكير أعمق حول الغذاء والتقليل من استهلاكك.
- المشاركة في حملات التوعية: انضم إلى حملات توعية بالتبذير الغذائي أو شارك في فعاليات محلية تشجع على تقليل الهدر.
- تعلم فن الطهي السليم: تعلم كيفية استخدام الأطعمة بشكل أفضل والطهي بطرق تساهم في تقليل الهدر.
- التبرع بالزائد: إذا كنت تمتلك كميات كبيرة من الأطعمة الزائدة ولا يمكنك استهلاكها، قم بالتبرع بها إلى مؤسسات خيرية أو مطاعم تقديم الطعام للمحتاجين.
- المشاركة في برامج إعادة التدوير: إذا كان لديك مخلفات غذائية، يمكنك المشاركة في برامج إعادة التدوير لتحويلها إلى موارد مفيدة أخرى.
- حث المؤسسات المتخصصة في الصناعات الغذائية والتعليب على المعالجة الجيدة لمنتوجاتها والمواد الحافظة ليحافظ المنتوج على صلاحيته طبق مدة الصلاحية المنصوص عليها ولما لا تمديدها (اذ نلاحظ أحيانا تلف بعض المنتجات قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها)
الحفاظ على الموارد الغذائية وتجنب التبذير له فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية. إذا اعتمد الناس على هذه الحلول واتبعوا عادات غذائية مسؤولة، يمكن تقليل الهدر الغذائي بشكل كبير والمساهمة في تحقيق الاستدامة الغذائية.
في الختام، يجب أن ندرك أن تبذير الغذاء ليس مجرد مشكلة فردية بل يتعين على المجتمع بأسره التعامل معها. إن تونس بحاجة إلى استغلال مواردها الغذائية بشكل أفضل وتعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الموارد للأجيال القادمة.