في خطوة مهمة نحو مستقبل مستدام، تتسارع جهود تونس لتحقيق إنتقال طاقي شامل يهدف إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز استخدام الطاقات المتجددة. وقد كانت جلسة حوارية نظمتها جمعية تونس الكفاءات المتحدة Tunisien Talents United (TTU) عبر الإنترنت مؤخرًا فرصة لإستعراض التّقدم المحرز والتحديات القائمة في هذا المسار الحيوي.
وقد نشّط هذه الجلسة الهامة وائل شوشان، كاتب الدولة للتّحول الطاقي،بحضور نخبة من المهتمين بقطاع الطاقة والطاقات المتجددة.
يُعد وائل شوشان، الذي تولى منصبه في جانفي2024 بعد مسيرة مهنية حافلة في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، مهندسًا رئيسيًا لهذه الرؤية الطموحة. فقد ساهم بشكل فعال في إصلاح الأطر القانونية والعقدية لبرنامج الطاقة المتجددة، وقاد جهود تمويل وإعادة هيكلة الشركة التونسية للكهرباء والغاز (STEG) بهدف تحسين حوكمتها ومناخها وإدارتها المالية، بالإضافة إلى تعزيز الشمول في مهن الطاقة. كما قاد مشاركات البنك الأوروبي في تمويل مشروع الرّبط الكهربائي الطموح بين تونس وإيطاليا (ELMED).
الإنتقال الطاقي : تحديات قائمة وعجز متزايد في ميزان الطاقة
بدأ وائل شوشان، كاتب الدولة للتّحول الطاقي ،مداخلته بعرض الواقع الطاقي في تونس حيث قال انه على الرغم من تبني تونس لاستراتيجية وطنية للانتقال الطاقي منذ عام 2013، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة. فقد سجل ميزان الطاقة الأولي في البلاد عجزًا متزايدًا بنسبة تتراوح بين 12% و14% خلال الأشهر الأولى من عام 2025، ليصل إلى حوالي 0.9 مليون طن مكافئ نفط. ويعزى هذا العجز بشكل أساسي إلى الاعتماد الكبير على واردات الطاقة، خاصة الغاز الطبيعي الذي يمثل 96% من إنتاج الكهرباء، مما يجعل تونس عرضة لتقلبات الأسواق العالمية ويضغط على ميزانها التّجاري الطاقي.
كما أن بطء تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة، التي تتطلب استثمارات ضخمة، يمثل عقبة أخرى،على حد تعبيره. وقد انخفضت نسبة الاستقلالية الطاقية لتونس إلى حوالي 43% بنهاية يوليو 2024، مما يؤكد الحاجة الملحة لتسريع وتيرة إنجاز مشاريع الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطّاقة الشمسية.
الإنتقال الطاقي : برامج واعدة وأهداف طموحة لعام 2030
أبرز وائل شوشان أن تونس عازمة على تجاوز هذه التحديات وتقليل عجزها الطاقي من خلال عدد من البرامج التي من المتوقع أن تدخل حيز الاستغلال بين النصف الثاني من عام 2025 وبداية عام 2026. و قد إستعرض كاتب الدولة للتحول الطاقي ،مجموعة من الآليات التي تشمل برامج تطوير الطاقات المتجددة وتسريع مبادرات كفاءة الطاقة. وقد تم بالفعل توقيع اتفاقيات تمويل مع شركات دولية لتنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية في ولايات سيدي بوزيد وتوزر، والتي من المتوقع أن تساهم في تقليل واردات الغاز الطبيعي وتوفير حوالي 45 مليون دينار سنويًا.
وترتكز هذه الاستراتيجية على تقليل استهلاك الطاقة الأولية بنسبة تصل إلى 37% بحلول 2035، وتعزيز إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة ليصل إلى 8350 ميغاوات، أي ما يعادل نحو 35% من المزيج الطاقي الوطني. كما تهدف إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير، مع التركيز على تطوير تقنيات حديثة مثل الهيدروجين الأخضر، لتصبح تونس مزودًا استراتيجيًا لهذه الطاقة النظيفة في المنطقة. ومن المتوقع أن تخلق هذه الخطة الطموحة حوالي 70 ألف فرصة عمل، منها أكثر من 30 ألف وظيفة مباشرة في مجالات الطاقة المتجددة والإقتصاد الأخضر.
تأثيرات اقتصادية واجتماعية واعدة
يُعد الانتقال الطاقي في تونس ليس مجرد ضرورة بيئية واقتصادية، بل هو أيضًا فرصة لتحويل قطاع الطاقة إلى محرك للنمو الاقتصادي المستدام وتمكين الأفراد،هذا ما افاد به وائل شوشان، كاتب الدولة للتحول الطاقي ، مبينا ان الأهداف الطموحة لعام 2030 تشمل توليد 30-35% من الكهرباء من مصادر متجددة، وتحقيق قدرة مركبة تبلغ 3.8 جيجاوات من الطاقة المتجددة، والسعي لأن تصبح تونس مصدرًا مستقبليًا للهيدروجين الأخضر.
وتقوم الأركان الاستراتيجية لهذا التحول على تنويع مزيج الطاقة، وتحديث الشبكة الكهربائية ودمجها، وتنفيذ إصلاحات تنظيمية ومالية جاذبة للاستثمارات الخاصة. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التحول إلى خلق فرص عمل جديدة، وتعزيز التصنيع المحلي، وتحفيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى توفير طاقة أكثر تكلفة معقولة وموثوقية واستدامة للمواطنين، وتمكين المشاريع الصغيرة والمجتمعات المحلية، وتعزيز ريادة تونس المناخية.
إلهام نحو مستقبل أكثر إشراقًا
و في ختام مداخلته قال وائل شوشان، كاتب الدولة للتحول الطاقي ،ان تونس تعيش اليوم تحولا طموحا مؤكدًا أن “هذا الاتفاق… سيستغل نقاط قوة تونس، بما في ذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي، والبنية التحتية القائمة، والقوى العاملة الماهرة، لخلق مستقبل أكثر استدامة للبلاد.”
وأضاف إن طاقة تونس المتجددة لا تغذي الشبكة الكهربائية فحسب، بل تغذي أيضًا طموحات وإمكانات شعبها، مما يجعل الانتقال الطاقي طريقًا واعدًا نحو مستقبل شخصي ووطني أكثر إشراقًا وتمكينًا. ومع المضي قدمًا نحو تحقيق أهداف 2030، يترقب التونسيون بفارغ الصبر ثمار هذا التحول الذي سيساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة للأجيال القادمة.
مبروكة خذير/كوسموس ميديا