سليديرمقالات

“أحميني”.. أو عندما تجمّع أسماك القرش الدّاعمين حولها؟!

عودة على فعاليات مخيم القرش العلمي من تنظيم الصندوق العالمي للطبيعة

رجاء الدريدي – كوسموس ميديا

شهدت جزيرة جربة من ولاية مدنين في الفترة الممتدة بين 5 و8 مارس 2024، تظاهرة بيئية ثرية ومميزة، حول حماية أسماك القرش في حوض البحر الأبيض المتوسط تحت شعار “أحميني”، من تنظيم الصندوق العالمي للطبيعة مكتب شمال إفريقيا.

وتأتي هذه المبادرة في إطار مشروع استعادة أسماك القرش المهددة بالإنقراض والمحافظة عليها ووضع خارطة طريق لحماية الغضروفيات في تونس خصوصاً وفي حوض البحر الأبيض المتوسط عموما، نظرًا لتعرضها لمخاطر الصيد العرضي والعشوائي وخاصة الصيد بالطرق التقليدية في كل من خليج سيرت بليبيا وخليج قابس بتونس.

أفاد المكلف بالبرنامج البحري بالصندوق العالمي للطبيعة في مكتب شمال إفريقيا مهدي عيسى، في تصريح لكوسموس ميديا، بأن الهدف من هذا المخيم العلمي البحث عن حلول بديلة لحماية أسماك القرش المهددة بالاتقراض من جهة وكذلك لحماية لقمة عيش البحارة الذين يعتمدون في عملهم على الصيد التقليدي.

وتابع محدثنا قائلا: “يتعين تظافر كل الجهود بين جميع الأطراف من ممثلي الحكومات ومواقع اتخاذ القرار ومكونات المجتمع المدني والبحارة والاعلاميين والخبراء والباحثين في مجال حماية الغضروفيات في تونس وليبيا”.

مبادرات وتشريعات

بالعودة إلى تفاصيل المخيم فقد تضمن اليوم الأول عروضا تناولت الوضع الحالي للأسماك الغضروفية في تونس وليبيا أشرف على تقديمها خبراء من البلدين بهدف التوعية بمختلف التحديات الراهنة لحماية أسماك القرش المهددة بالإنقراض.

وقدمت مديرة مشروع “القرش الملاك” في ليبيا سارة المبروك عرضا حول مشروعها، والذي يهدف إلى المحافظة على “القرش الملاك” وحمايته باعتباره “كائنا بحريا يعيش بالقرب من قاع البحر وهو ما يجعله أكثر عرضة للصيد الجائر وللإفتراس إضافة إلى خصائصه البيولوجية الهشة، ككائن ضعيف الخصوبة يتكاثر بصعوبة”، على حد قولها.

كما يهدف هذا المشروع إلى توعية الصيادين والمواطنين بالمخاطر التي تهدده في المياه الليبية، وإشراك أهل الاختصاص وأصحاب القرار لإتخاذ أولى الخطوات نحو حمايته.

من جهته قدم منسق الأتصال الوطني لخطة عمل البحر الأبيض المتوسط لاتفاقية برشلونة لحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية محمد الصغير بن جدو محاضرة حول تكييف التشريعات الوطنية للحفاظ على الأسماك الغضروفية.

وفي تصريح لكوسموس ميديا، أشار بن جدو إلى ضرورة التقيد باتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط والمناطق الساحلية، وهي اتفاقية تم توقيعها سنة 1976، تهدف الى حماية البحر الأبيض المتوسط من كل أشكال التلوث الناتجة عن تصريف النفايات من السفن الى جانب التغيرات المناخية، معلنا الاستعداد لإجراء دراسات معمقة حول المخزون الحالي لأسماك القرش، بالإضافة إلى تقدير المخاطر والتهديدات التي تواجهها، بهدف تحسين الوضع البيئي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.

وأضاف محدثنا أن هذه الدراسات تهدف إلى تقييم الوضع بمراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للصيادين، وذلك لتحديد السبل التي يمكن من خلالها الحفاظ على الموارد البحرية بشكل مستدام دون المس من مورد رزق الصيادين. وأشار إلى أن هذه الدراسة ستكون مدعومة من طرف اتفاقية برشلونة التي ستقوم بها على المستوى الإقليمي بالنسبة لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط.

القطاع السياحي.. أي دور؟

لم تقتصر الجلسة الثانية على التشريعات بل تضمنت مسألة مشاركة القطاع الفندقي والسياحي في الحفاظ على أسماك القرش، إذ أفادت رئيسة قسم التنمية المستدامة بمجموعة “إيبروستار” الفندقية منال بن اسماعيل بأن القطاع السياحي اليوم قادر على المساهمة في الحفاظ على الأسماك الغضروفية وذلك من خلال تقديم وجبات لا تحتوي مكوناتها على الأسماك الغضروفية والاقتصار على أنواع بحرية أخرى.

ودعت بن اسماعيل بالمناسبة كل العاملني في القطاع السياحي البحري إلى الانخراط في هذا المسار الهادف إلى المحافظة على الأسماك الغضروفية وجميع الكائنات البحرية النادرة والمهددة بالانقراض وذلك بتوعية الحرفاء وإقناعهم بجدوى هذا التمشي حتى نحافظ جميعا على ثرواتنا البحرية ونتمكن من تكريس مبدأ “لا لاستهلاك الكائنات البحرية المهددة بالانقراض” حتى لا تتفاجىء الأجيال القادمة بفقدانها، حسب تقديرها.

جهود حثيثة

خلال اليوم الثاني من المخيم، قام المشاركون بجولة ميدانية في ميناء الصيد البحري (حومة السوق) في جزيرة جربة، وشملت المشاركة جميع الخبراء والباحثين والطلاب والصيادين. كما تم عقد اجتماع مع الصيادين للاستماع إلى مقترحاتهم وآرائهم، وكانت هذه المناسبة مثمرة وفرصة سانحة لاكتشاف وتحديد الأدوات المستخدمة في صيد الأسماك الغضروفية.

ومن بين هذه  الأدوات نذكر “الصنارة” و التي يختلف حجمها حسب نوع القرش المراد صيده و تكون مصنوعة عادة من مواد مقاومة للقطع.

تضم تونس 63 نوعا من الأسماك الغضروفية على طول السواحل التونسية وتتواجد بكثرة في خليج قابس نظرا للخصائص الملائمة لنموها وتكاثرها، ويتم اصطيادهم بطريقة عرضية إما عن طريق “الصنارة” أو الشباك، وفق ما صرح به مهندس أول في علوم الصيد البحري بالإدارة العامة للصيد البحري ومراقبة الأسماك بوزارة الفلاحة سفيان بن عبد الحميد.

وأفاد بن عبد الحميد كوسموس ميديا، بأن الإدارة تعمل جاهدة على حماية الأسماك الغضروفية بناءا على أهميتها البيئية، مشيرا إلى بذل جهود مستمرة عل مستوى تحسين التشريعات وتوعية البحارة بضرورة المحافظة على هذه الكائنات وضمان استدامتها وبقائها.

كما أفاد المهندس المساعد بوكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي زياد قطاري بدوره، بأن الوكالة تسعى لحماية المنظومات البحرية والساحلية الممتدة من جزيرة جالطة وزمبرة وجزيرة قوريا والكنايس وجزيرة رأس الرمل بجربة من خلال إدراجهم ضمن إطار المحميات البحرية وفرض القوانين لحماية الأسماك الصغيرة بما فيها أسماك القرش التي تتواجد بكثرة في هذه الأماكن، وبمنع الصيد الصيد فيها والتقليل من سرعة المراكب في محيط هذه الأماكن لضمان استمرارية البيئة البحرية.

تحديات ومسؤوليات

شدّد الأستاذ في العلوم البيولوجية بجامعة قابس، والباحث بالمعهد الوطني لعلوم وتكنولولجيا البحار خالد شويخي إلى التحديات الكبيرة التي تواجه أسماك القرش نتيجة لتغيرات المناخ والتلوث، بالإضافة إلى الصيد المفرط والعشوائيمؤكدا ضرورة حماية هذه الكائنات البحرية والحفاظ عليها باستخدام جميع الوسائل الممكنة من خلال التعاون بين مختلف الجهات والأطراف المعنية، بما في ذلك المنظمات البيئية، والحكومات، والمجتمع المدني، وحتى الصيادين وذلك لقيمتها على مستوى السلسة الغذائية.

ويعتبر محدثنا أن أسماك القرش تلعب دورا بيئيا مهما في النظام البحري، وعليه ينبغي الحفاظ عليها لتجنب الآثار السلبية على البيئية التي قد تحدث نتيجة فقدانها باعتبار أن هذ الكائنات في قمة السلسة الغذائية وإذا تضررت انهارت كل السلسلة الغذائية ويمكن أن يلحق ضررها ببعض الأسماك الأخرى على غرار أسماك التن والسردين، وقد تشكل أيضا خطرا كبيرا على الاقتصاد  المحلي ومورد رزق الصيادين.

تثمين السلطعون الأزرق

تمحور اليوم الثالث من المخيم العلمي “أحميني” حول دور الصياد في الحفاظ على الكائنات البحرية بعد عرض نتائج الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والقيام بسلسلة من الورشات مع الصيادين من جربة وغنوش والكنايس، والتي أفضت إلى اقتراح جملة من الحلول البديلة تعكس مدى التزام الصيادين بحماية أسماك القرش والمتمثلة في التعويل على صيد السلطعون الأزرق عوض أسماك القرش وصيد الحبار وغيرها من الأنوع الأخرى من أجل تحقيق هدفين الأول حماية الأسماك الغضروفية والمحافظة على ديمومتها وفي المقابل عدم المس من مورد رزق الصياد.

كما تم عرض دراسة حول تثمين وتحويل السلطعون الأزرق أشرفت على تقديمها المكلفة بالمشاريع صلب الصندوق العالمي للطبيعة مريم الفقيه، والتي أفادت بـأن مشروع “تثمين السلطعون الأزرق” يأتي في إطار حماية الأسماك المهددة بالانقراض مثل القرش والرايات لا في تونس فحسب بل في كامل منطقة البحر الأبيض المتوسط وذلك بسبب ممارسات الصيد الجائر.

وترى الفقيه أن مشروع “تثمين السلطعون الأزرق ” يُعدّ بديلًا مستدامًا يسهم في الحفاظ على التوازن البيئي وتوفير فرص اقتصادية للصيادين. كما يساهم في دعم استمرارية أسلوب الحياة في المجتمعات الساحلية، ويعزز الوعي بأهمية الحفاظ على التنوع البيولوجي.

حلول مستدامة

أعرب رئيس مجمع التنمية للصيد البحري بغنوش، ساسي علية في تصريح لكوسموس ميديا، عن استعداده للمشاركة في جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي للبحار والمحافظة على استدامة الموارد البحرية، مشددا على أهمية مراعاة مورد رزق الصيادين، حيث أن مهنة الصيد تعتبر مصدرا رئيسيا لعيشهم.

ومن منظوره كصياد، يرى محدثنا أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونًا فعّالًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الصيادين، والباحثين، والخبراء، والمجتمع المدني. ويقترح ساسي علية بعض الحلول العملية لتحقيق هذا التوازن، بما في ذلك:

  • التقليل من مدة الصيد المخصصة لإصطياد بعض الأصناف المهددة بالإقراض، بهدف الحفاظ على تنوعها.
  • إعادة الأسماك إلى البحر في حالة صيدها بشكل غير مقصود، وتعويض فترة صيد الأسماك الغضروفية بصيد أنواع أخرى متاحة مثل صيد السلطعون الأزرق.
  • دعم الصيادين من خلال توفير المعدات اللازمة لصيد الأنواع البديلة، مثل السلطعون، للمساهمة في تحقيق التوازن البيئي وتحفيز الابتعاد عن صيد الأسماك المهددة بالانقراض.
  • تطبيق ذكي لتعزيز الوعي

و شهد اليوم الختامي لمخيم القرش زيارة ميدانية إلى ميناء الصيد البحري حومة السوق جربة أين تم تقديم تطبيق ذكي يعمل على المساعدة في التعرف على أنواع الأسماك الغضروفية وخصائصها، ما يعتبر خطوة هامة نحو تعزيز الوعي للحفاظ على البيئة البحرية وذلك بمشاركة مجموعة من الصيادين وعدد من الخبراء والنشطاء والباحثين و الإعلاميين إضافة إلى مؤثرين وصانعي محتوى بيئي إيكولوجي.

تبادل المعلومات العلمية

أكد صانع المحتوى المعروف بـ “The Dreamer” ربيع بن إبراهيم، خلال مشاركته في فعاليات مخيم القرش، على أهمية التواصل مع الخبراء والمختصين والباحثين في مجال حماية أسماك القرش، معتبرا أنّ مثل هذه الفعاليات والتظاهرات تمثل فرصة لفهم شامل ومعرفة عميقة بموضوع حماية أسماك القرش، مما يضمن توفر معلومات دقيقة وعلمية مستندة إلى مصادر موثوقة.

وأوضح بن ابراهيم، في تصريح لكوسموس ميديا، أن تبادل هذه المعلومات والتأثير على الرأي العام يمكن أن يسهم في جذب انتباه المتابعين وتوجيههم نحو أهمية الحفاظ على هذه الكائنات البحرية الحيوية.

فيما شهد القسم الثاني من يوم الإختتام ورشة عمل مع الممثلين عن الجمعيات البيئية بتونس وليبيا تمحورت حول التوعية البيئية وتعزيز الوعي بالمحافظة على الكائنات البحرية المهددة بالانقراض.

وأفاد المشرف على الورشة حسام قديش وهو أستاذ مساعد في جامعة قابس، أن الحملات التوعوية لها أهمية كبيرة في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد بشان مختلف القضايا البيئية.

وتابع في تصريح لكوسموس ميديا قائلا: “الطريقة الأمثل لتحقيق أهداف الحملات التوعوية هي بدء التوعية من المدارس والأندية في الكليات والمعاهد العليا، لأن لها تأثيرا كبيرا خاصة على الشباب والفئات العمرية الصغيرة.

وأشار حسام قديش إلى أن الحفاظ على الغضروفيات يستلزم تعاوناً متبادلاً بين جميع الأطراف المتداخلة على غرار الإدارات والمجتمع المدني والباحثين والخبراء.

يُعدّ مخيم القرش خطوة هامة نحو تعزيز الوعي حول أهمية حماية هذه الكائنات البحرية الحيوية. نظرا لتهديدها بالإنقراض وتعرضها لمخاطر الصيد العرضي والصيد المستهدف بالطرق التقليدية في ليبيا وتونس. كما ساهم هذا المخيم في تبادل المعلومات العلمية ونشر المعرفة حول أسماك القرش، ودعم جهود عديد الأطراف في الحفاظ على هذه الكائنات في البيئة البحرية.

زر الذهاب إلى الأعلى