مبروكة خذير/ بغداد/كوسموس ميديا
إتّجهت أنظار الإعلاميين وصناع القرار في العالم العربي إلى بغداد خلال هذه الفترة، حيث تنتظم في العاصمة العراقية الدورة الرابعة من مؤتمر الإعلام العربي، في الفترة الممتدة من 20 إلى 24 ماي، تحت شعار “دور الإعلام في مواجهة التغير المناخي”.
هذا الحدث، الذي ينظمه إتحاد إذاعات الدول العربية بالتعاون مع شبكة الإعلام العراقي، يمثّل نقلة نوعية، إذ تعقد النسخة الرابعة للمرة الأولى خارج مقر الإتحاد في تونس، في إعتراف بدور العراق المتنامي في دعم الإعلام العربي وتفعيل حضوره في القضايا المصيرية.
مؤتمر الإعلام العربي في قلب التّحديات البيئية
تأتي هذه الدورة في وقت تتفاقم فيه التحديات المناخية في المنطقة العربية، من موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى تهديدات الأمن الغذائي والصحي والاقتصادي. وتبرز أهمية المؤتمر في تسليط الضوء على مسؤولية الإعلام العربي في رفع وعي الجمهور وتحفيز السياسات البيئية المستدامة، عبر خطاب إعلامي موحد ومسؤول، قادر على التأثير في الرأي العام وصناع القرار.
يستهل المؤتمر فعالياته في 21 ماي بورشتي عمل متخصصتين تركزان على توظيف التكنولوجيا في خدمة البيئة. الورشة الأولى، “الإنذار المبكر للجميع – EW4All”، تتم بالشراكة مع الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU)، وتستعرض تجارب رائدة من BBC، اتحاد الإذاعات الآسيوية، ووزارة البيئة العراقية في تعزيز دور الإعلام في نشر التحذيرات البيئية.
أما الورشة الثانية، “توظيف الذكاء الاصطناعي في إعلام المناخ”، فتجمع خبراء من تونس، الصين، العراق، وسوريا لمناقشة كيفية إنتاج محتوى بيئي مخصص، تحليل اهتمامات الجمهور، ومكافحة المعلومات المضللة، ما يعكس وعي المنظمين العميق بأهمية التكنولوجيا في تطوير المشهد الإعلامي البيئي.
يمتد المؤتمر على مدار يومين، في 22 و23 ماي، ويتناول أربعة محاور رئيسية تقدم رؤية شاملة وعملية. يبدأ بـ “مدخل إلى التغير المناخي: الأسباب والمخاطر”، مركزًا على الخلفية العلمية والقصص الإنسانية التي تسلط الضوء على هشاشة الواقع العربي أمام الكوارث المناخية. يليه محور “واقع الإعلام العربي في تغطية قضايا التغير المناخي”، الذي يقدم تحليلًا نقديًا لمهنية التغطية، ويستعرض تجارب الإعلام المتخصص وصحافة الحلول. المحور الثالث، “الشراكات الدولية والمجتمع المدني”، يضم منظمات دولية بارزة مثل الأمم المتحدة، اليونسكو، منظمة الأغذية والزراعة، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بهدف تعزيز التعاون وتبادل المعرفة. وأخيرًا، يتناول محور “التكوين والتدريب الإعلامي في المجال البيئي” أهمية تطوير مهارات الإعلاميين من خلال برامج تدريبية متخصصة تجمع بين التكنولوجيا، أخلاقيات المهنة، والتحقق من الأخبار لضمان تغطية إعلامية دقيقة وفعالة.
إعلان بغداد: مرجعية عربية جديدة
من المنتظر أن تتوج أعمال المؤتمر بـ”إعلان بغداد”، وهو وثيقة توجيهية تتضمن أبرز التوصيات العملية، لتكون مرجعًا لصياغة سياسات إعلامية وطنية مستنيرة، وتأسيس شراكات إقليمية ودولية قائمة على التأثير المشترك في مواجهة التغير المناخي.
يشارك في المؤتمر خبراء من مختلف الدول العربية والأجنبية، ومنظمات دولية متخصصة، ما يثري النقاشات ويعزز فرص تبادل الخبرات. ويهدف المؤتمر إلى وضع خارطة طريق عربية لإعلام بيئي مستدام، عبر توصيات عملية قابلة للتنفيذ.
وبحسب تقارير الاتحاد الدولي للاتصالات، فإن 70% من الكوارث الطبيعية في المنطقة العربية خلال العقد الأخير كانت ذات صلة مباشرة بالتغير المناخي، ما يضاعف الحاجة إلى إعلام متخصص وقادر على الاستجابة السريعة.
تشير إحصاءات بيئية إلى أن المنطقة العربية تواجه خسائر اقتصادية سنوية تقدر بمليارات الدولارات نتيجة موجات الجفاف والعواصف الرملية والفيضانات.
في ظل انتشار المعلومات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز أهمية تطوير أدوات تحقق رقمية وتدريب الإعلاميين على التعامل مع الأخبار الكاذبة، وهو ما يتوافق مع توجهات المؤتمر في تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في الإعلام البيئي.
ومن قلب بغداد، ينطلق نداء جديد: الإعلام العربي لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل شريك فاعل في معركة التغير المناخي، قادر على بناء وعي جماعي وتحفيز السياسات البيئية المستدامة، في زمن تتطلب فيه التحديات البيئية استجابة إعلامية موحدة وفعالة.
مؤتمر الإعلام العربي يكشف عن حاجتنا المُلحة إلى إعلام بيئي عميق
أشارت ملاحظات عام 2025 إلى أن تغطية الإعلام العربي لقضايا تغير المناخ تتسم بالتقطع، حيث غالبًا ما تتوارى هذه القضية المحورية خلف العناوين السياسية والاقتصادية. يطرح هذا الواقع تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التهميش، ويكشف عن تحديات عديدة تواجه الصحافة المتخصصة في الشأن البيئي.
يُعدّ النقص في الكفاءات الصحفية المتخصصة في قضايا المناخ أحد أبرز هذه التحديات. فعدد كبير من الصحفيين يفتقرون إلى التدريب الكافي في هذا المجال، مما يؤدي إلى تغطيات سطحية لا تتضمن تحليلات علمية معمقة أو قصصًا إنسانية مؤثرة. وحتى في حالات الكوارث البيئية أو المؤتمرات الدولية المعنية بالمناخ، يقتصر الاهتمام الإعلامي غالبًا على فترة زمنية محدودة، سرعان ما يتلاشى ويعود الاهتمام بقضايا المناخ إلى الهامش.
تُضاف إلى ذلك محدودية الإمكانيات المتاحة للصحفيين، سواء على صعيد الموارد المالية أو الأدوات التقنية الضرورية لإعداد تقارير شاملة. كما أن الوصول إلى البيانات العلمية غالبًا ما يكون صعبًا، مما يعيق إعداد تقارير معمقة ودقيقة. وفي ظل هيمنة الأخبار السياسية والاقتصادية على الأجندة الإعلامية، يجد الصحفيون أنفسهم مضطرين لتقليص مساحة قضايا المناخ، بالرغم من اتساع نطاق تأثيراتها على كافة جوانب الحياة.
الى ذلك يلاحظ أيضًا ضعف التفاعل الجماهيري مع قضايا المناخ، والذي قد يعزى إلى تدني مستوى الوعي البيئي العام، أو لعدم نجاح الإعلام في ربط التغير المناخي بالحياة اليومية للمواطنين. وحتى عند عرض الكوارث البيئية، نادرًا ما يتم التركيز على الحلول الممكنة أو المبادرات المحلية الناجحة، مما قد يوحي بأن الإعلام يكتفي بعرض المشكلة دون تقديم رؤى أو آمال.
أما في عصر الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، تبرز تحديات انتشار المعلومات المضللة بسرعة، مما يزيد من العبء على الإعلاميين للتحقق من صحة الأخبار والصور. في هذا السياق، يبدو أن تطوير صحافة المناخ في العالم العربي يتطلب جهودًا جماعية، تشمل تدريب الصحفيين، وتعزيز التعاون مع الخبراء والعلماء، بهدف دمج قضايا المناخ في صلب الخطاب الإعلامي اليومي، وتجاوز مجرد التغطية الخبرية العابرة.
تُسهم القصص السردية بشكل كبير في تعزيز فهم القضايا البيئية داخل المجتمعات العربية. فهي تتيح نقل المعلومات المعقدة بأسلوب مبسط وجذاب يلامس وجدان المتلقين، ويقربهم من واقع التغير المناخي وتأثيراته المباشرة. من خلال توظيف القصص الإنسانية الواقعية، يمكن توضيح الكيفية التي تؤثر بها الظواهر البيئية على حياة الأفراد والعائلات، مما يجعل القضايا البيئية أكثر واقعية وملموسة للجمهور.
تستخدم القصص السردية، خاصة في السياق العربي، تقنيات سردية تقليدية تعتمد على الشخصيات والحبكات التي تعكس القيم والعادات والتقاليد المحلية، مما يساعد على ربط القضايا البيئية بالهوية الثقافية والاجتماعية للمجتمعات. هذا الربط الثقافي يعزز من قبول وتأثير الرسائل البيئية، حيث يشعر الأفراد بأن هذه القضايا ليست مجرد معلومات علمية مجردة، بل جزء من حياتهم اليومية وتاريخهم المشترك.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم القصص في تبسيط المفاهيم العلمية المعقدة، وتحويلها إلى رسائل واضحة ومفهومة، مما يرفع من مستوى الوعي الجماهيري ويحفز على المشاركة في جهود حماية البيئة. كما أن القصص توفر مساحة للتفكير وإعادة تقييم السلوكيات الفردية والجماعية، وتشجع على تبني ممارسات مستدامة.
والجدير بالذكر انه من الناحية النفسية والاجتماعية، تتميز القصص بقدرة فريدة على تغيير المعتقدات والسلوكيات، إذ تخلق تجربة تفاعلية للمتلقي، مما يزيد من تأثير الرسالة البيئية ويقلل من مقاومة الأفكار الجديدة أو المثيرة للجدل. بناءً عليه، يمثل توظيف السرد القصصي في الإعلام البيئي أداة فعالة لتعزيز الوعي البيئي وبناء ثقافة الاستدامة في المجتمع العربي.