سليديرمقالات

دار “الكووركينغ” بالزهروني: عندما تتحوّل المسألة البيئيّة إلى ثقافة مواطنيّة في الأحياء الشعبيّة

في الخامس من يونيو 2025، تحوّل شارع النخيل بحي الزهروني، أحد الأحياء الشعبية غرب العاصمة تونس، إلى فضاء نابض بالحياة والوعي البيئي.

بمبادرة من عربية الهمامي، مؤسّسة مركز “دار الكوركينغ”، وبالشراكة مع منظمة TIME Sustainability وجمعية التفكير الثقافي، عاش الحي تظاهرة غير مسبوقة جمعت بين الفن، البيئة، والمواطنة، وحوّلت الفضاء العمومي من شارع عادي إلى منصة مفتوحة للتغيير.

هذا الحدث، المتزامن مع اليوم العالمي للبيئة، لم يكن مجرّد احتفال، بل تجربة اجتماعية وثقافية عبّرت عن اندماج الفنّ بالمواطنة البيئية في سياق حضري يعاني من التهميش، التلّوث، وغياب العدالة البيئية.

البيئة كحق يومي، لا إمتياز نخبوي

تُظهر الدراسات الحديثة أن الفئات الهشة غالبًا ما تدفع الثمن الأعلى للتدهور البيئي. وحسب تقرير البنك الدولي (2022)، يعيش حوالي 90% من سكان المدن في البلدان النامية في مناطق تتجاوز فيها معدلات التلوث الهوائي الحدود الآمنة، ما ينعكس على صحتهم وجودة حياتهم.

في هذا السياق، تؤكد عربية الهمامي أن “البيئة لا تُفهم إلا من داخل نسيجها الاجتماعي. الحق في بيئة سليمة هو حق مدني وثقافي، لا ترف نخبوي، بل جزء لا يتجزأ من كرامة الإنسان.”

هذا الطرح يتقاطع مع الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة، الذي يدعو إلى بناء مدن ومجتمعات محلية شاملة، آمنة، ومستدامة.

تضمنت التظاهرة ورشات لإعادة التدوير، رسم جداري، أنشطة للأطفال، وجلسات حوار مفتوحة. وأظهرت دراسة نُشرت في مجلة Environmental Communication (2023) أن الفنون التشاركية ترفع من استيعاب الرسائل البيئية بنسبة 45% مقارنة بالوسائل التقليدية، ما يعزز أهمية دمج الثقافة والفن في العمل البيئي.

شارع النخيل تحوّل خلال ساعات إلى مدرسة بيئية مفتوحة. بمشاركة سكان الحي ونشطاء المجتمع المدني، صار الشارع مسرحًا للتوعية والمساءلة، في مواجهة واقع تُظهره أرقام محلية مفزعة: أكثر من 70% من سكان المدن التونسية يتعرضون يوميًا لتلوث الهواء والنفايات الصلبة، خاصة في المناطق الطرفية.

ثقافة مواطنيّة في الأحياء الشعبيّةالإقتصاد الدائري: من نفايات النسيج إلى زينة فنية

أُدرجت خلال التظاهرة أنشطة تعتمد على مبدأ الاقتصاد الدائري، منها تحويل نفايات النسيج إلى لوحات وزينة بالتعاون مع الأطفال. هذا التوجه ليس رفاهية بيئية، بل ضرورة، خاصة وأن العالم ينتج أكثر من 92 مليون طن من النفايات النسيجية سنويًا، قد ترتفع إلى 134 مليون طن بحلول 2030. فقط 13% منها يُعاد تدويره، والباقي يُحرق أو يُهمل.

الخبيرة إيمان اللوّاتي أكدت أن “تشجيع الأطفال والنشء على تبني نمط استهلاك ذكي ومبدأ الاقتصاد الدائري لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لضمان مستقبل أكثر إستدامة.”

المواطنة البيئية: ممارسة يومية لا حملة موسميّة

صرّحت عربية الهمامي بأن “التحوّل البيئي لا يبدأ من القوانين فحسب، بل من الميدان، حين يُستعاد الفضاء العمومي كمنبر للتربية والمساءلة والإبداع المجتمعي.” وأضافت أن البيئة ليست مشروعًا نخبويًا، بل قضية يومية تمس المواطنة الفاعلة، العدالة الاجتماعية، وشروط العيش الكريم.

الطالب محمد أمين النفطي، أحد المشاركين، لخّص التجربة قائلاً: “”العمل البيئي ليس مجرد نظريات، بل هو ممارسة يومية. لقد حوّلنا نفايات النسيج إلى لوحات فنية، وأثبتنا أن التغيير يبدأ من التفاصيل الصغيرة.”

نحو نموذج مواطني للتغيير البيئي

ما حدث في شارع النخيل ليس حدثًا عابرًا، بل نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه الممارسات البيئية المواطِنية. عندما يلتقي الفن بالوعي، وتُستعاد الشوارع كمجالات للتعبير، يصبح التغيير ممكنًا وملموسًا.

البيئة ليست عبئًا ولا رفاهًا، بل مسار جماعي نحو مدينة أكثر عدلًا، وفضاء يعبّر عن الحاضر ويصوغ المستقبل.

فتحية خذير / كوسموس ميديا 

زر الذهاب إلى الأعلى