سليديرمقالات

في اليوم العالمي لأسماك القرش

الصندوق العالمي للطبيعة يطلق خطة وطنية لحماية الأسماك الغضروفية

بمناسبة اليوم العالمي لحماية أسماك القرش،الموافق ل 14 جويلية 2025 نظّم الصندوق العالمي للطبيعة في شمال إفريقيا، بالشّراكة مع المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار والإدارة العامة للصيد البحري ، تظاهرة احتفالية استثنائية بدار الحوت صلامبو جمعت خبراء الصيد البحري، ومسؤولي هياكل حكومية، ومنظمات مهنية ومجتمعية، إلى جانب وسائل الإعلام.

تهدف هذه الخطة إلى حماية القروش والريات التي تُعد من أكثر الكائنات البحرية المهددة بالانقراض نتيجة الصيد العرضي، والتغيرات المناخية، والتدهور المتسارع للأنظمة البيئية البحرية.

طابع إستثنائي للإحتفال باليوم العالمي للأسماك الغضروفية

تمّ خلال هذا الحدث تنظيم نقطة إعلامية مخصصة لتقديم الخطة الوطنية من أجل المحافظة على الأسماك الغضروفية في تونس، وتوزيع نسخ من الطبعة الأولى لهذا العمل المشترك، الهادف إلى وضع إطار عملي لحماية هذه الأنواع المهددة وضمان استدامة النظم البيئية البحرية في البلاد التونسية من خلال دعم برامج البحث العلمي والمعارف العلمية المتعلقة بهذه الأصناف، وملائمة التشريع الوطني المتعلق بالمصايد السمكية، وإطلاق آليات لبناء القدرات والمرافقة الفنية و الإقتصادية للمجتمعات السّاحلية.

كما تمّ خلال هذه التظاهرة تقديم بسطة حول الوضع الراهن لهذه الأصناف في البحر الأبيض المتوسط وفي تونس عرض نتائج مشروع “إعادة تأهيل مخزونات القروش والريات بخليج قابس” الذي ينفذه الصندوق العالمي للطبيعة منذ ثلاث سنوات.

بالإضافة إلى عرض نتائج علمية حديثة حول الجينات الخاصة بعدد من الأصناف المتواجدة بالمياه التونسية. وتقديم نتائج تجارب عملية للتقليص من الصيد العرضي لهذه الأصناف من قبل مراكب الصّيد التقليدي.

وفي هذا الإطار أفادت المكلّفة بمشاريع في الصندوق العالمي للطبيعة، مريم الفقي، في تصريح لها لراديو شباب العالية، بأن الإحتفال باليوم العالمي للأسماك الغضروفية هذه السنة يحمل طابعا إستثنائيا، حيث تمّ خلاله إطلاق أول نسخة من الخطة الوطنية لحماية الأسماك الغضروفية. وقد أكّدت أن هذه الخطة نتجت عن جهود مكثّفة ومتناسقة من قبل والخبراء ومكوّنات المجتمع المدني و البحارة، منذ مرحلة النّقاش الأولية وصولا إلى مراحل التفعيل الرسمية.

وأضافت الفقي أنّ اليوم، وبمناسبة هذا الإحتفال، “نحن متواجدون في دار الحوت بصلامبو، حيث نسعى إلى تقديم حلول عملية ضمن مشروع إستعادة أعداد أسماك القرش”.

جهود حثيثة ومتواصلة

أفاد المدير العام لإدارة الصيد البحري و تربية الأسماك علي الشيخ السبوعي  تصريحه لراديو شباب العالية، ان هذه المناسبة تحظى بأهمية بالغة، وتُعد نقطة تحول حاسمة في معالجة هذه القضايا. مؤكدا على ضرورة  إيجاد توازن دقيق بين الحفاظ على البيئة البحرية وضمان دخل البحار الي يعتمد على الصيد كمورد رزقه الأساسي.

وأضاف انه في إطار الاحتفال باليوم العالمي لحماية أسماك القرش، نُطلق اليوم أولى مراحل تنفيذ خطة العمل الوطنية. إلا أن دعم هذه الخطة يتطلب وضع تشريعات قانونية ملائمة وإجراء بحوث علمية دقيقة، “تمكننا من مراجعة القوانين بما يخدم حماية الثروة السمكية، وتوفير بدائل اقتصادية تضمن لقمة عيش البحّار.”

وختم تصريحه قائلاً:”إننا ندرك أن أمامنا مشوارا طويلا من العمل، ولكننا نأمل أن تكون هذه الخطوة بداية حقيقية نحو حماية الثروة السمكية، وخاصة أسماك القرش.”

خطّة وطنية…ثمرة تعاون تشاركي

تُعد الخطّة الوطنية التي أطلقت ثمرة تعاون متعدد الأطراف و تستند إلى عدة محاور أساسية.

و في هذا السياق أوضح الخبير في التنوع البيولوجي البحري، محمد نجم الدين برادعي في تصريح له لكوسموس ميديا على هامش مخيم القرش الذي احتضنته مدين جرجيس في شهر جوان الفارط أن الركيزة الأولى لهذه الخطة هي البحث العلمي، حيث لا يمكن الحديث عن حماية فعلية دون الاعتماد على بيانات علمية دقيقة. كما أشار إلى أهمية وعي البحّارة، الذين يمثلون فاعلا رئيسيا في جهود الحماية، مضيفا: “لا يمكن إحداث تغيير حقيقي دون إشراك الصيادين في مسار الوعي والممارسات المستدامة”.

ولم يغفل برادعي أيضا دور المستهلك، الذي يمكن التعويل عليه لحماية القروش عبر اختياراته الواعية، مؤكدا على ضرورة تعزيز القدرات المحلية في التعرّف على الأنواع، وتحسين إدارة المصائد من خلال تتبع الكميات المصطادة.

و ستكون خطة العمل الوطنية متوافقة مع اتفاقية برشلونة التي اعتمدتها دول البحر الأبيض المتوسط و البروتوكول المتعلق بالمناطق المتعلقة بحماية خاصة و التنوع البيولوجي في البحر الأبيض المتوسط.إضافة الى اتفاقية الأمم المتحدة بشان المخزونات السّمكية.

خلفية وضرورة إستراتيجية

تضم تونس 65 نوعا من الأسماك الغضروفية على طول السواحل التونسية وتتواجد بكثرة في خليج قابس نظرا للخصائص الملائمة لنموها وتكاثرها،  و يتميز البحر الأبيض المتوسط بتنوع الأسماك الغضروفية حيث تضم مالا يقل عن 48 نوعا من اسماك القرش و 38 نوعا من أسماك الرية و اثنين من أنواع اسماك الخرافية .

و تصنف تونس كثاني اكبر صائد لاسماك القرش في المتوسط بعد ليبيا بكمية تصل إلى 4.161 طن، و هي نسبة أعلى بثلاث مرات من  ايطاليا 1.347 طن و مصر 1.141 طن وفق تقرير للصندوق العالمي للطبيعة.

و يعد خليج قابس موطن غني بالقروش و منطقة تكاثر رئيسية لبعض الأنواع  مثل القروش البيضاء واسماك “القيتارة”، لكن الصيد غير المستدام يضعها على حافة الانقراض.

تتراوح معدلات التهديد بين 40 و 80 بالمائة في تونس، مع اختفاء بعض الأنواع بسبب الصيد العشوائي والصيد العرضي.

القروش… مفتاح صحة المحيطات و حُرّاسه

يشير خبراء البيئة البحرية إلى أن أسماك القرش تحتل قمة الهرم الغذائي، ما يجعلها تلعب دورا رئيسيا في ضبط التوازن بين الأنواع البحرية. فهي تتغذى غالبا على الأسماك الضعيفة، وتمنع تفشّي الأمراض في التجمعات السمكية، وتحافظ على جودة المخزون السمكي.

كما تُعدّ القروش خط الدفاع الأول عن مروج الحشائش البحرية والشعاب المرجانية، حيث تساهم بحركتها المستمرة في منع الرعي الجائر من قبل أنواع أخرى، ما يسمح لهذه الموائل الدقيقة بالازدهار والقيام بوظائفها البيئية، كإنتاج الأوكسجين وتكاثر الأنواع.

وغياب القروش، وفقا للعلماء، قد يؤدي إلى سلسلة من الانهيارات البيئية التي تمس ليس فقط التنوع البيولوجي، بل أيضًا الأمن الغذائي والاقتصاد الساحلي لدول تعتمد على مواردها البحرية.

نحو مستقبل بحري متوازن

إن حماية القروش والريات ليست ترفا بيئيا، بل خيار استراتيجي لضمان استدامة الثروات البحرية التي تعتمد عليها مجتمعات ساحلية بأكملها من اجل ضمان لقمة عيشهم.

 وتُعدّ الخطة الوطنية لحماية اسماك القرش خطوة جريئة تُعطي الأمل بأن الوعي البيئي في تصاعد، وأن صوت العلم بدأ يعلو على صوت الخرافة والخوف.

تكمن أهمية هذه المبادرة في كونها سابقة وطنية، تضع تونس في طليعة الدول المتوسطية التي تنتهج مقاربة علمية ومجتمعية لحماية القروش والريات. وهي دعوة مفتوحة لكل المعنيين، من صيادين ومؤسسات وإعلاميين ومواطنين، للانخراط في هذه الجهود.

ففي الوقت الذي يواصل فيه العالم نضاله من أجل المحيطات، تُعلن تونس في يوم القروش العالمي أنها جزء من الحل، لا من الأزمة.

رجاء الدريدي / كوسموس ميديا 

زر الذهاب إلى الأعلى