تعد ضريبة الكربون إحدى الأدوات الاقتصادية التي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في دفع تونس نحو الانتقال الطاقي والإقتصاد الأخضر.
الهدف الأساسي من هذه الضريبة هو تحميل الملوثين تكلفة الأضرار البيئية الناتجة عن انبعاثاتهم الكربونية، بما يحفزهم على تطوير تقنيات أنظف والابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. لكن ما هو واقع هذه الضريبة في تونس ومدى فعاليتها في تسريع الانتقال الطاقي؟
ضريبة الكربون في السياق التونسي
في قانون المالية 2024، تم إدخال ضريبة على المنتجات الطاقية مثل البنزين، الديزل، الغاز الطبيعي، والكهرباء، مع زيادات طفيفة على تذاكر الطيران والمسافرين البحريين وذلك بهدف تحميل الملوثين تكلفة الأضرار البيئية لانبعاثاتهم. هذه الضريبة تعتبر من أدوات تسعير الكربون التي تهدف إلى تحفيز خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري المسبب لتغير المناخ.
و أكّد وزير التجارة وتنمية الصادرات، سمير عبيد، في وقت سابق أنّ “فرض رسوم على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع حلول سنة 2026 على مجموعة من المنتجات التي ستشمل في مرحلة أولى الصلب والأسمنت والكهرباء والأسمدة والهيدروجين، سيضع الشركات المصدّرة أمام تحدّيات كبرى”.
تؤثر ضريبة الكربون بشكل إيجابي على استثمارات الطاقة المتجددة من خلال رفع تكلفة الوقود الأحفوري، مما يخلق حافزاً اقتصادياً للشركات والمستهلكين للتحول نحو مصادر طاقة أنظف. تصميم ضريبة الكربون بشكل مناسب ومتوازن يجعلها تعكس التكلفة الحقيقية للانبعاثات، فتدفع إلى خفض استهلاك الوقود الأحفوري وتحفز الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
الدراسات تشير إلى أن فرض ضريبة كربون بمعدل موحد لكل طن من ثاني أكسيد الكربون يساعد على تقليل الانبعاثات بآليات الاقتصاد السوقي، ويشجع على التطور التكنولوجي والابتكار في مجال الطاقات النظيفة. كما أنها تدفع إلى تحسين مزيج الطاقة بحيث يقل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويزيد استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وغيرها من المصادر المتجددة.
في تونس، تُعتبر ضريبة الكربون أداة اقتصادية تهدف إلى دعم تنفيذ السياسة المناخية الوطنية والحد من الانبعاثات، وتعزيز الانتقال الطاقي نحو مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة. كما تساعد الضريبة في توفير موارد مالية يمكن إعادة استثمارها في مشاريع التنمية المستدامة والطاقة النظيفة. و تهدف ضريبة الكربون إلى تشجيع الاستثمارات في كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، خصوصًا في المناطق التي لديها إمكانيات كبيرة لتقليل الانبعاثات.
تأتي هذه الضريبة في سياق جهود تونس للامتثال لاتفاقيات المناخ الدولية وتعزيز تنافسية صادراتها التي قد تتعرض لضرائب كربون في الأسواق العالمية مستقبلاً. ويمكن أن تشكل مصدرًا هامًا لتمويل مشروعات التنمية المستدامة في البلاد. في تونس، تُعتبر ضريبة الكربون أداة داعمة للسياسة المناخية الوطنية، تشجع على الاستثمار في الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وتسهم في التزام البلاد باتفاقيات المناخ الدولية، وتحسين تنافسية الصادرات التونسية في الأسواق العالمية. كما تساعد الضريبة في توفير موارد مالية يمكن إعادة استثمارها في مشاريع التنمية المستدامة والطاقة النظيفة.
إيجابيات ضريبة الكربون في تونس تشمل:
- تعزيز الطموحات المناخية: تعد ضريبة الكربون أداة فعالة لدعم السياسة العامة في تونس بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يساهم في تحقيق أهداف المساهمات الوطنية المحددة ضمن اتفاق باريس للمناخ.
- تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة: الضريبة تشجع على الاستثمار في مشاريع كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة، خاصة في المناطق التي تملك إمكانيات كبيرة لتقليل الانبعاثات، مما يدعم الانتقال الطاقي الوطني.
- تحسين القدرة التنافسية للصناعات: من خلال فرض الضريبة، تتحفز الصناعات التونسية لاعتماد تقنيات أنظف وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، مما يساعدها على البقاء قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية التي بدأت تفرض معايير بيئية صارمة.
- توفير تمويل لمشاريع مستدامة: عائدات ضريبة الكربون يمكن أن تُعاد استثمارها في دعم مشروعات البيئة والطاقة النظيفة، ما يفتح آفاقاً جديدة لتمويل التحول البيئي.
- الامتثال للمعايير الدولية: تطبيق ضريبة الكربون يضع تونس ضمن الدول المتقدمة في مجال مكافحة تغير المناخ، ويقلل من المخاطر المرتبطة بحواجز التجارة البيئية التي بدأ الاتحاد الأوروبي وغيره من الشركاء التجاريين تطبيقها.
- تعزيز الوعي البيئي والممارسات المستدامة: تثقيف المجتمع والمؤسسات حول أهمية خفض الانبعاثات وتعزيز ثقافة المسؤولية البيئية.
تعتبر الحكومة التونسية ان ضريبة الكربون تمثل فرصة استراتيجية لتونس لدفع التحول الطاقي والتنمية المستدامة، مع تحسين أداء الاقتصاد الصناعي والخدماتي في ظل التحولات العالمية نحو الاقتصاد الأخضر.
لكن و برغم الطموح المعلن الذي يوحي بالتّوجه إلى آلية حديثة ومستدامة، يرى بعض خبراء الاقتصاد أن المبالغ المفروضة رمزية جداً، بحيث لا تشكّل حافزاً مالياً حقيقياً لتغيير سلوك المستهلكين أو الشركات الكبيرة التي تستخدم كميات كبيرة من الوقود.
تؤدي هذه الضريبة في شكلها الحالي إلى رفع تكاليف الاستهلاك على المواطنين بشكل مباشر وغير مباشر، دون أن توفّر بدائل حقيقية للطاقة النظيفة. بذلك تصبح الضريبة عبئاً اجتماعياً خاصة على الفئات الأقل دخلاً، ويستمر الملوثون في الاستفادة من ربحية نشاطهم دون تغييرات جذرية.
تتطلب ضريبة الكربون وجود سياسات تكميلية تدعم الابتكار وتزيل الحواجز التقنية والاقتصادية التي قد تعيق التحول السريع، خاصة في الدول النامية و التي تعاني من ضعف بنى تحتية للطاقة المتجددة.
باختصار، تعتبر ضريبة الكربون أداة فعالة لتحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة ولكنها تحتاج إلى تصميم متكامل مع سياسات داعمة لضمان تأثيرها الاقتصادي والبيئي الإيجابي.
تأثير محدود على الانتقال الطاقي
لضريبة الكربون أن تكون فعالة يجب أن تكون ضمن نموذج اقتصادي يشجع الشركات على الاستثمار في الطاقات المتجددة والتقنيات النظيفة من خلال حوافز مالية وضرائبية وخطط دعم. إضافة إلى توفير بدائل للطاقة مثل النقل العام المستدام، وتحسين كفاءة المباني، وتأمين وصول الطاقة المتجددة للمستهلكين بأسعار تنافسية.
في تونس، تواجه عملية الانتقال الطاقي تحديات عميقة تشمل ضعف الإنتاج المحلي من الطاقة، ارتفاع نسبة الاعتماد على الواردات الطاقية التي تترك آثاراً سلبية على الميزانية العامة، وبطء وتيرة المشاريع في مجال الطاقات المتجددة رغم الإمكانات المناخية الكبيرة للبلاد خصوصاً في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
التحديات الرئيسية لتطبيق ضريبة الكربون في تونس تتمثل في:
- توازن الأهداف البيئية مع النمو الاقتصادي: تطبيق الضريبة يتطلب تحقيق توازن بين الحد من الانبعاثات والمحافظة على القدرة التنافسية للنمو الاقتصادي، خاصة مع تأثر القطاعات الصناعية والتصديرية التي قد تواجه صعوبات في المنافسة.
- الحاجة لتطوير التكنولوجيا والطاقة النظيفة: ضعف البنية التحتية والتكنولوجيا المطلوبة للتحول نحو الطاقة المتجددة يضع عبئاً على قدرة تونس على تحقيق أهداف ضريبة الكربون.
- التعاون الدولي والتنسيق: لأن مشكلة التغير المناخي عالمية، فإن تطبيق ضريبة الكربون بفعالية يحتاج إلى تعاون دولي وتنسيق مع شركاء تجاريين، خصوصاً مع الاتحاد الأوروبي الذي يفرض آليات تعديل حدود الكربون على منتجات الواردات.
- تأثير الضريبة على الصادرات: خطر فرض تعرفة الكربون الأوروبية حيث قد تفرض رسوم على المنتجات التونسية عند التصدير إلى الاتحاد الأوروبي، ما يهدد تنافسية الصادرات التونسية ويدفع لتغيير الشركاء التجاريين.
- العبء على الفئات الضعيفة والشركات: زيادة التكاليف قد ترفع الأسعار على المستهلكين، خاصة الفئات الاجتماعية الضعيفة، بالإضافة إلى تحديات تواجه الشركات في التكيف مع هذه الضرائب.
- ضرورة رفع الوعي البيئي والتنسيق الداخلي: يتطلب التطبيق الناجح زيادة وعي المجتمع بأهمية الضريبة، فضلاً عن تعاون وتنسيق بين مختلف الإدارات والمؤسسات الاقتصادية لضمان التنفيذ الفعال.
- الابتكار ودعم البحث والتطوير: لتجاوز التحديات الاقتصادية يجب دعم الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة لتحسين قدرة الشركات على التأقلم وزيادة فرص المنافسة في الأسواق الدولية.
تأكيد وزير التجارة التونسي يشير إلى أن ضريبة الكربون هي أداة قوية لكنها تحتاج إلى حلول مبتكرة وتعاون واسع النطاق لتحقيق تأثير بيئي واقتصادي إيجابي.
هل يفيد تطبيق هذه الضريبة في تحقيق الأهداف المناخية عالميا ؟
تنقسم التحليلات ما بين مؤيد لقدرة فرض ضرائب الكربون على تحقيق الهدف المناخي، وتعتبر السويد نموذجا يحتذى في هذا الخصوص. فضريبة الكربون التي تطبقها تبلغ 127 دولارا لكل طن، كما أنها تمكنت من تخفيض الانبعاثات بنسبة 25% منذ عام 1995، بينما تَوَسَّع الاقتصاد بنسبة 75% منذ ذلك الحين.
وفي المقابل يذهب البعض للتشكيك في قدرة تلك الضرائب على إحداث الفارق بالشكل المطلوب، حيث تتردد بعض البلدان في تطبيق تلك الضرائب أو رفع قيمتها لاستشعارها القلق من أثر ارتفاع تكلفة الطاقة على تنافسية صناعاتها.
فمن المرجح ألا يكون للضريبة الجديدة تأثير يذكر في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة، إذ تقدر هيئة تابعة للأمم المتحدة بأن الانبعاثات ستنخفض بمقدار27 مليون طن فقط عندما يعدَّل حد الكربون ليبلغ 44 دولاراً للطن المتري، أي بنسبة 0.1% من إجمالي الانبعاثات. وعند 88 دولاراً ستنخفض الانبعاثات بمقدار45 مليون طن، علماً بأن سعر الكربون في الاتحاد الأوروبي يبلغ حالياً نحو 53 يورو (62 دولاراً) للطن.
وجدير بالإشارة أن وكالة الطاقة الدولية تقدّر أنه للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، سيتعين على الاقتصادات المتقدمة أن تدفع سعراً للكربون يبلغ نحو 75 دولاراً لكل طن من الانبعاثات بحلول عام 2025، وما يصل إلى 250 دولاراً للطن بحلول منتصف القرن. أما بالنسبة إلى بعض الأسواق الناشئة، فترجح الوكالة أن تبدأ الأسعار من 3 دولارات للطن، وترتفع إلى 55 دولاراً بحلول عام 2050. ويتوقع أن تستخدم نحو نصف الدول التي وقَّعت على اتفاقية المناخ بباريس، والبالغ عددها 200 دولة تقريباً، شكلاً من أشكال تسعير الكربون للوصول إلى أهدافها.
ثانيا: تطور أسواق الكربون:
لقد تطورت الأسواق والآليات الكربونية بشكل مطرد خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث تم النظر إلى التسعير المباشر للكربون من خلال عدسة أوسع، ليس فقط كسياسة رئيسية للحد من التغير المناخي، ولكن كأداة لزيادة الإيرادات، ودفع الابتكار، والمساعدة في تحقيق أهداف الاستدامة والتنمية الشاملة.
وقد ارتفعت حصة الانبعاثات العالمية التي تغطيها ضرائب الكربون ونظم التداول في الانبعاثات من 7٪ إلى حوالي 23٪ تغطيها في الآونة الحالية حوالي 73 أداة من أدوات تسعير الكربون. وتشير الخريطة التالية إجمالي مبادرات تسعير الكربون المطبقة حول العالم حتى عام 2023.
شروط نجاح ضريبة الكربون ودور السياسات المساندة
لعدم الوقوع في فخ ضريبة استهلاك إضافية فقط، ينبغي على الحكومة التونسية أن تدمج ضريبة الكربون في إطار سياسة شاملة تدعم:
- تشجيع الشركات المعتمدة على الطاقة النظيفة عبر تخفيضات ضريبية وتحفيزات مالية.
- إتاحة بدائل طاقية حقيقية وبأسعار مناسبة للمستهلكين.
- إعادة توزيع عوائد الضريبة لدعم الأسر ذات الدخل المحدود.
- تعزيز المنافسة العادلة وابتكار حلول بيئية مستدامة.
ما تزال ضريبة الكربون في تونس في بداياتها وتحتاج إلى إعادة تصميم مع تعزيز السياسات الداعمة للانتقال الطاقي، حتى لا تكون مجرد ضريبة استهلاك تضع عبئاً إضافياً على المواطنين دون تحقيق أهداف بيئية حقيقية. الانتقال إلى طاقة نظيفة ومستدامة هو هدف وطني يستوجب تضافر جهود السياسات المالية، الاقتصادية، والاجتماعية لجعل تونس دولة منافسة ومستدامة بيئياً في المستقبل القريب.
فتحية خذير – كوسموس ميديا