أثار قرار الحكومة التونسية بإنشاء وحدات نموذجية لإنتاج الأمونيا الخضراء في ڨابس جدلا واسعا بين الفاعلين في المجتمع المدني والنشطاء البيئيين.
في الوقت الذي تصفه السلطات بأنه مخطط مفصلي لدعم الصناعة وتعزيز الاقتصاد الوطني، يراه المعارضون استمرارا لسياسات تكرّس التلوث وتعمّق الأضرار البيئية والصحية في ولاية تعاني منذ عقود من تداعيات الأنشطة الصناعية الكيميائية.
الدافع الحكومي وراء المشروع
تُدافع الحكومة التونسية عن مشروع إنشاء وحدات نموذجية لإنتاج الأمونيا الخضراء في ڨابس باعتباره يندرج ضمن الخطّة الوطنية لتطوير قطاع الفوسفاط والصناعات الكيميائية خلال الفترة الممتدة بين 2025 و2030.
ووفقا للبيان الصادر عن المجلس الوزاري في 5 مارس 2025، فإن الحكومة ترى أن هذا المشروع يمثّل فرصة لتوسيع الإنتاج الصناعي وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، إذ أنه يرتكز على استخدام الهيدروجين المستخرج من الطاقة المتجددة في تصنيع الأمونيا.
ومن الناحية الاقتصادية، تسعى الحكومة إلى تحسين الميزان التجاري من خلال رفع القدرة التنافسية للصناعات المحلية في الأسواق العالمية.
ردود الأفعال المعارضة لمشروع الأمونيا الخضراء
لم تمرّ هذه القرارات دون اعتراض، حيث عبّر العديد من النشطاء عن رفضهم الشديد لإقامة هذه الوحدات في ڨابس، معتبرين أن الجهة لم تعد تتحمل المزيد من الأعباء البيئية.
ووصف الناشط في المجتمع المدني، خير الدين دبية، في تصريح له عبر حسابه الرسمي بالفايسبوك، يوم اتخاذ القرار بـ “اليوم الأسود” في تاريخ ڨابس، مؤكدا أن المشروع يكرّس إستمرار التّلوث الصّناعي الذي تعاني منه المنطقة منذ السبعينات.
مشددا بالقول: ” سياسة الأمر الواقع التي تمارس فيها الحكومة مع ڨابس، والتنكّر للقرارات القديمة في موضوع الجرائم البيئية، مهين للأهالي وإستخفاف بنضالتهم “.
ويرى معارضو المشروع أن التّركيز على تطوير الصناعات الكيميائية في ڨابس يعكس سياسة غير عادلة في توزيع المشاريع التنموية، حيث تُعامل الولاية كمجرد منصة صناعية دون مراعاة إحتياجات سكّانها الصّحية والبيئية بما أنه سيؤدي إلى تفاقم أزمة التلوث، خاصة في ظل غياب إجراءات صارمة للحدّ من الانبعاثات الصناعية وحماية المحيط.
من جهته، كشف النائب بمجلس نواب الشعب عن جهة ڨابس، عبد السلام الدحماني، في مداخلة إعلامية عبر راديو عليسة ڨابس، أن غياب التشريك الفعلي للنواب والمواطنين في اتخاذ القرارات بات واقعا مريرا، مشيرا إلى أن القرارات الأخيرة تقتصر على عناوين مختزلة، تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة، مما يستدعي مزيدا من التمحيص.
وأضاف أن الحكومة مطالبة بالعمل على تحقيق “المقبوليّة الاجتماعية” ، معتبرا أن تهميش المواطنين في عملية صنع القرار يمثّل نكسة حقيقية لتونس. وشدد الدحماني على أن الثّورة التونسية قامت على مبدأ المشاركة الفعالة في إتخاذ القرارات، وهو مبدأ يجب الالتزام به في جميع السياسات الحكومية.
وأوضح أن أهالي ڨابس يعانون من “ذاكرة متألمة” إذ يشعرون بتجاهل السلطات المستمر لقضاياهم الحياتية، خاصة في ظل تنفيذ المشاريع دون مراعاة تداعياتها الخطيرة.
الأضرار البيئية والصحية لإنتاج الأمونيا الخضراء
رغم الفوائد البيئية المحتملة لإنتاج الأمونيا الخضراء، إلا أن تطبيق هذه الخطة في مناطق مثل ولاية ڨابس قد يترتب عليه عدة آثار بيئية وصحية.
التأثير على الموارد الطبيعية
إنتاج الأمونيا الخضراء يعتمد على التحليل الكهربائي للماء، وهي عملية تتطلب كميات كبيرة من المياه والطاقة. وفقا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة الذي صدر سنة 2022، فإن إنتاج طن واحد من الأمونيا الخضراء يحتاج إلى حوالي 1.8 طن من الماء، مما يشكل ضغطا إضافيا على المناطق الجافة.
وعلى الرغم من أن الأمونيا الخضراء تُنتج من مصادر متجددة، إلا أن العمليات المرتبطة بتصنيعها يمكن أن تؤدي إلى بعض الانبعاثات البيئية السامة، خاصة إذا لم يكن هناك التزام صارم باستخدام طاقة نظيفة بالكامل.
وبحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية لسنة 2023، فإن أي انقطاع في إمدادات الطاقة المتجددة قد يجبر المصانع على اللجوء إلى الكهرباء التقليدية، مما يقلل من الفوائد البيئية المرجوة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن نقل وتخزين الهيدروجين المستخدم في الإنتاج قد ينطوي على مخاطر، مثل تسرب الغاز أو الحوادث الصناعية، مما يستوجب بنية تحتية آمنة ومتطورة.
الأضرار الصحية المرتبطة بالأمونيا
التعرض للأمونيا يعتبر ضارا بالصحة، سواء للعمال داخل المصانع أو للسكان القريبين من وحدات الإنتاج. فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، يؤدي استنشاق الأمونيا بتركيزات عالية إلى تلف في الأنسجة الرئوية، بينما يتسبب التعرض المستمر لمستويات منخفضة في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض الرئة المزمنة مثل الربو. وفي حالة حدوث تسرب، فإن مصادر المياه والهواء تتلوث مما يشكل خطرا على جميع الكائنات الحية المحيطة بالمنطقة.
يظل مشروع إنشاء وحدات لإنتاج الأمونيا الخضراء في ڨابس محط جدل كبير بين مؤيد ومعارض، بين من يرون فيه فرصة لتعزيز الاقتصاد الوطني والمساهمة في التحول نحو الطاقة المتجددة، ومن يرون فيه تهديدا للبيئة وصحة السكان في منطقة طالما عانت من آثار التلوث الصناعي، خاصة في ظل غياب دراسات بيئية شفافة تُقيّم التأثيرات المحتملة لهذا المشروع على المدى البعيد. فرغم وعود الحكومة بتحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية، يطالب الناشطون البيئيون بتبني مقاربة أكثر شمولية، تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف، مع تعزيز الشفافية في صنع القرار وتمكين المجتمع المدني من آليات رقابة حقيقية تراعي الاعتبارات البيئية والاجتماعية في آن واحد.
ميساء زعيره / كوسموس ميديا