حروب تحصد الحيَّ والجامدْ.. وكوب الأرض وجعََا على وجعِِ يكابدْ

أمل الصامت – كوسموس ميديا

عذرا محمود درويش، هناك من يفعلون المستحيل كل يوم حتى لا يبقى “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”.. قتل ودمار يصيب الحيّ والجامد، الأخضر واليابس، بفعل قنابلهم وصواريخهم وكبريت خراطيشهم…

عفوا “شاعر الأرض المحتلة”، ففعلا هناك من يقاوم كل يوم حتى يبقى على تلك الأراضي المحتلة ما يستحق الحياة ولكن في المقابل للطبيعة قوانينها التي لا تنتظر.

يزيد وجع الأرض كل يوم لا فقط بفعل الاستغلال المفرط لمواردها من قبل البشر بل كذلك بفعل الممارسات السلبية لأشباه البشر.. حروب ونزاعات مسلحة لا تقتصر على إيذاء الإنسان وإلحاق الضرر به وبممتلكاته فقط، بل أصبح مداها يتجاوز ذلك، إلى تعريض كل ما يلزمه لاستمرار حياته بشكل طبيعي للفناء عبر تدمير البيئة الطبيعية التي خلق ليعيش فيها.

زوال بزوال؟!

ما يشهده العالم اليوم ستدفع ثمنه الانسانية جمعاء، فلا شك أن زوال الأرض هو زوال الإنسان لا محالة. نزاع مسلح في سوريا وآخر في اليمن، ما تعيشه أفغانستان وأثيوبيا، الحرب على أوكرانيا وأخيرا وليس آخرا ما يحصل في فلسطين -وإن كان ليس بجديد- ولكن دعونا نتذكر أوجه التأثير على النظم البيئية لهذا “الخراب” لعل الذكرى تنفع.

يؤدي حرق الوقود والمباني الناتج عن الحروب والنزاعات المسلحة إلى انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وملوثات أخرى، زد على ذلك تسرب المواد الكيميائية، وهي كلها عوامل تدفع حتما نحو الزيادة في ارتفاع درجة حرارة الأرض وبالتالي التسبب في ظواهر طبيعية متطرفة مثل الفيضانات والعواصف والجفاف والزلازل.. ظواهر زاد استفحالها بفعل التغير المناخي المسجّل خلال العقود الأخيرة، والذي تعود أسبابه وفق غالبية الدراسات العلمية الموثوقة إلى الممارسات اللامسؤولة للبشر تجاه كوكب الأرض.

نزيف لا يتوقف…

يرجح مؤشر التكيف العالمي الصادر عن جامعة “نوتردام” أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق النزاع هم من بين الفئات الأكثر ضعفًا إزاء أزمة تغير المناخ والأكثر تجاهلًا من قبل العمل المناخي.

وإن كانت الحروب والنزاعات المسلحة تفاقم الأزمات المناخية، فقد أجمع جلّ العلماء على أن تغير المناخ يزيد بشكل غير مباشر من خطر اندلاع النزاع من خلال مفاقمة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية القائمة، وهنا السؤال يطرح نفسه، كيف سيتوقف هذا النزيف الذي تسببت فيه الحروب والصراعات؟

هذا الكوكب الذي تفننا نحن معشر البشر في تشييد المباني والطرقات والجسور فوقه حتى نسكنه بأمان وأريحية جيلا بعد جيل، أليس غريبا أن نقوم ونساهم نحن أنفسنا في تدميره من خلال الحروب التي نخوضها أو ندعم اندلاعها؟ ألا نعلم أن ذلك يجعل من الصعب على الجهود البيئية استعادة وصولها إلى المناطق المتضررة؟ ألا ندرك أن الممارسات القتالية تحصد مقدرات الطبيعة بما تحويه من نبات وحيوان، وتقضي على التوازن الطبيعي مثلما تحصد البشر؟ من مازال لا يعلم عن ذلك يمكن له الاطلاع على أكثر من كتاب ودراسة خُطّت في هذا الإطار.

رحم الحرب عقيم

ترجع الأمم المتحدة إقرار يوم دولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية إلى “حرصها الكبير على ضمان إدخال العمل المتعلق بالبيئة في الخطط الشاملة لمنع نشوب النزاعات وصون السلام وبنائه، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا دُمّرت الموارد الطبيعية التي تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية”.

وبالفعل ساهمت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والهياكل في صياغة قوانين وأحكام دولية لا تحصى ولا تعدّ، منها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي البيئي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي وقانون البحار، كلها قوانين دولية لتعزيز حماية البيئة الطبيعية، لكن في المقابل تقف هذه القوانين والمبادئ اليوم عاجزة عن وقف الدمار الذي يحصد جميع أنواع الكائنات الحية ويفتك بالنظم الإيكولوجية بل ويسعى بكل ما أوتي من قوة لمحو كوكب الأرض في أسرع وقت ممكن.

الآن وهنا، ونحن على مقربة من إحياء “اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية” الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 6 نوفمبر من كل سنة، تعيش فلسطين تحت وطأة هجمات غادرة تبيد كل ما يعترضها من بشر ونبات وحيوان وبنى تحتية، بطريقة قد تمتد آثارها إلى زمن مجهول، ولعل الأضرار التي ألحقتها القنبلتان الذريتان بالبيئة في هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين أثناء الحرب العالمية الثانية، أكبر دليل على ذلك.
لذا كفانا أحلاما وكلاما ولنوقف هذا الدمار فما من بيئة سليمة تولد من رحم الحرب العقيم أو تتجدد كما يجب بعد عبثها بالأخضر واليابس والإنسان والحيوان وحتى الجماد.