سليديرمقالات

كارثة فيضانات الخليج: هل كان الاستمطار الاصطناعي الضحيّة أم الجلاّد؟

أمل الصامت – كوسموس ميديا

“منخفض المطير الجوي”، مصطلح تداولته وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم منذ الأسبوع الماضي على خلفية تعرض سلطنة عمان والإمارات والسعودية إلى هطول كميات أمطار غير مسبوقة منذ عقود وهبوب رياح عاصفة خلفت خسائر مادية وبشرية على حد سواء.

والمنخفضات الجوية هي واحدة من العوامل الرئيسية التي تؤثر على الطقس وتسبب تغيرات في الأحوال الجوية. وتتشكل هذه الظواهر الجوية المعقدة نتيجة تفاعلات متعددة بين الهواء والحرارة والرطوبة والضغط الجوي، حسب التعريف الوارد على موقع المركز العربي للمناخ.

فيضانات الخليج والتفسير العلمي؟!

تنقسم المنخفضات الجوية أساسا، وفق ما جاء في موقع المركز العربي للمناخ إلى 3 أنواع:

  • منخفضات حرارية: تحدث هذه المنخفضات بسبب تسخين سطح الأرض بشكل زائد في منطقة معينة، مما يؤدي إلى انخفاض الضغط الجوي. يمكن أن تسبب هذه المنخفضات ظواهر جوية مثل العواصف الرعدية والزوابع.
  • منخفضات جبهية: تحدث هذه المنخفضات عندما تتصادم الجبهة الباردة بالجبهة الدافئة. ويمكن أن تسبب هطول الأمطار وتغييرات في درجات الحرارة.
  • منخفضات العروض العليا: تحدث هذه المنخفضات في طبقة الجو العليا وتلعب دورًا مهمًا في تكوين الطقس. يمكن أن تتحرك هذه المنخفضات بسرعة وتؤثر على الأحوال الجوية في مناطق واسعة.

ومن تأثيرات هذه المنخفضات على الطقس نذكر هطول الأمطار كما يمكن أن تتسبب في هطول الثلوج إذا كانت درجات الحرارة منخفضة بما فيه الكفاية، وهبوب الرياح القوية خاصة في مناطق الجبال والمناطق الساحلية، والانقلاب في درجات الحرارة من خلال جلب الهواء البارد للانخفاضات والهواء الدافئ للارتفاعات، إلى جانب تسجيل تغيرات في الرطوبة وهو ما يؤدي عامة إلى تشكل السحب وهطول الأمطار.

ولعل هذا التفسير العلمي للمنخفض الجوي يقودنا شيئا فشيئا إلى تحليل التقلبات الجوية الحادة التي عرفتها دول الخليج السابق ذكرها، خاصة وأنها عرفت العديد من التأويلات بين قائل إنها نتيجة لظاهرة النينو، (هي الظاهرة المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة البحار وتغير أنماط الطقس في جميع أنحاء العالم)، فيما عزاها آخرون إلى برنامج تلقيح السحب الذي تتبعه دولة الإمارات، في حين أرجعها أغلب العلماء إلى أنشطة البشر التي تؤدي يوما بعد يوم إلى المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة حول العالم.

هل الاستمطار الاصطناعي هو السبب؟

في تصريح لكوسموس ميديا أكد الخبير في المناخ حمدي حشاد أن الظروف المناخية كانت ملائمة لنزول الأمطار في المناطق المشار إليها، حيث تم تسجيل ظهور سحب حمليّة ومنخفض جوي، مشيرا إلى أن التلقيح الاصطناعي لتحفيز السحب على الاستمطار لا يمكن أن يتم إلاّ بوجود هذه الظروف الملائمة.

وأفاد حشاد في علاقة ببرنامج الاستمطار الاصطناعي الذي تقوده أساسا السعودية والإمارات في المنطقة، بأن تضارب الآراء من قبل العلماء حول إمكانية تسبب هذا البرنامج في الفيضانات الأخيرة يجعل الأمر لا يتجاوز الفرضية التي يمكن نفيها أو تأكيدها حسب ما ستثبته البحوث مستقبلا، وفق تقييمه.

واستدرك محدثنا قائلا: “رغم الاختلال المناخي الذي نعيش على وقعه مؤخرا والظواهر الطبيعية التي أصبحت أكثر عنفا إلا أنني أعتقد أنه ليس من الطبيعي حدوث الأمطار الغزيرة والعواصف في هذا الوقت من السنة. هناك فعلا ظروف طبيعية تساهم في هطول الأمطار بمستويات أعلى من المعتاد ولكن ليس لمستوى فيضانات طوفانية بالحجم الذي شاهدناه”.

في المقابل خلصت عملية تحقق من صحة فرضية أن الاستمطار الاصطناعي أو ما يعرف بـ”تلقيح السحب” هو سبب الكارثة، قامت بها قناة “دوتشي فيله” الألمانية، إلى أن الأمر لا يتجاوز مجرّد “ادعاء خاطئ”، مستندة في ذلك إلى ردّ رسمي بلغها من فريق بحثي في جامعة “هوهنهايم” الألمانية يجري مشروعا بحثيا مشتركا مع المركز الوطني للأرصاد في الإمارات، كتب فيه عالم الأرصاد الجوية “أوليفر برانش” أنه ليس لديه أي معلومات عن أي عملية تلقيح للسحب في بداية الأسبوع.

وأضاف برانش في ردّه: “من غير الواقعي على الإطلاق أن يتسبب تلقيح السحب في هطول هذه الكمية الكبيرة من الأمطار”، موضحا أن احتمال وجود علاقة بين أنشطة تلقيح السحب والفيضانات في دبي يقترب من الصفر”.

ما هو الاستمطار الاصطناعي؟

يعرّف مستشار الموارد المائية في هيئة البيئة بأبوظبي د. محمد عبد الحميد داوود الاستمطار الاصطناعي على أنه “محاولة لإسقاط الأمطار من السحب في الغلاف الجوي بشكلٍ صناعي من خلال نثر بعض الموارد التي تساعد في تكثيف السحب وتكوين قطرات من المياه قادرة على السقوط من خلال إحداث تغييرات فيزيائية وكيميائية معينة في العمليات الميكرو فيزيائية للسحب، وهو ما يعرف باسم تكثيف السحب صناعياً، ومن خلال هذه العملية يمكن التحكم في كمية أو نوع أو معدلات هطول الأمطار من هذه السحب”.

وأشار داوود في تصريح نقله عنه موقع صحيفة الوطن، إلى أن “عملية الاستمطار وتغيير الطقس صناعياً مازالت تواجه بعض التحديات العلمية ومن أهمها صعوبة توثيق وتسجيل الزيادات في هطول الأمطار عن المعدلات الطبيعية”.

ولعل هذه المعطيات تجعل فرضية تسبب الاستمطار الاصطناعي في الفيضانات التي شهدتها المنطقة خلال الأسبوع الفارط أضعف أكثر فأكثر علاوة على ما سبق ذكره.

عملية “بذر السحب” والدول المطبقة…

تطبق حاليا أكثر من أربعين دولة حول العالم عملية الاستمطار وبذر السحب من أجل تعديل الطقس أو تحسين مواردها المائية، ومن أبرز هذه الدول الصين وروسيا وتايلند، وفق ما أورده موقع الجزيرة نت.

وتعود جذور تطبيق عملية الاستمطار إلى عام 1947، انطلاقا من أستراليا التي قامت بتنفيذ أول تجربة ناجحة لاستمطار السحب، وتطورت التقنيات الخاصة بها وتحسنت نتائجها بشكل ملموس منذ ذلك الحين، مما أدى إلى التوسع في استخدامها وتطبيقها عالميا، حيث تعد أستراليا والولايات المتحدة الأميركية من الدول الرائدة في هذا المجال.

وعلى مستوى العالم العربي تعدّ السعودية والإمارات وعمان والمغرب من أكثر دول المنطقة تطبيقا لتقنيات الاستمطار والتجارب الخاصة بها، فيما تعد الأردن أحدث الدول العربية تطبيقا لهذه التقنية.

الكلفة الباهظة!

تبلغ تكلفة عملية تكنولوجيا الاستمطار الاصطناعي، وفق ما جاء في موقع “المرجع”، حوالي 6 مليارات ريال سعودي في العام الواحد. كما أشارت الإحصائيات إلى أن تكلفة استمطار حوالي 24 سحابة يبلغ 5 آلاف دولار.

ويقول الخبير في المناخ حمدي حشاد إن الكلفة المادية لعمليات الاستمطار الصناعي باهظة جدا ولكن التكثيف من تطبيقها وانتشار رقعة اللجوء إليها حول العالم سيكون أكثر كلفة على التوازن البيئي، إذ تندرج هذه العملية ضمن الأنشطة البشرية التي تتعارض مع قوانين الطبيعة ما يدفع نحو مزيد الاختلال علاوة على خلق مزيد من اللاّ مساواة/اللاّ عدالة البيئية، حسب تقديره.

ويسبب الاستمطار الاصطناعي وفق ما جاء على لسان محدثنا، حرمان المناطق البعيدة عن السواحل والمحيطات من وصول مياه الأمطار إليها، كما يؤدي إلى امتصاص الماء في التربة وتقليل تركيز بخار الماء في الغلاف الجوي فوق الأرض، وبالتالي زيادة تبخر مياه المحيطات.

ولعل هذه السلبيات تقتصر على تكنولوجيا الاستمطار الاصطناعي الخالية من أي مواد كيماوية ضارة والتي تعتمد فقط على الأملاح الطبيعية مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم، وهو ما أكدت الإمارات في برنامجها الخاص بالاستمطار على اعتماده دون غيره.

أما إذا تعلق الأمر بعمليات الاستمطار القائمة على حقن السحب الركامية بمادة يوديد الفضة وثاني أكسيد الكربون المُجمد والأملاح الرطبة، فيصبح احتمال تأثير هذه المواد الكيميائية سلبا على صحة الإنسان والحيوان والبيئة عموما أكبر، حيث تتزايد المخاوف من احتمال اختلاط آثار مادة يوديد الفضة السامة -على وجه الخصوص- بمياه الأمطار وتسربها من ثم للمحاصيل الزراعية أو مياه الشرب السطحية، وفق ما أوردته الجزيرة نت.

عودة على الأحداث…

في حين تظهر توقعات الطقس في دولة الغمارات العربية المتحدة أن الوضع مستقر، إلا أن بعض العواصف لا تزال ممكنة. وبحسب الأرقام الرسمية قتل حتى الآن، شخص واحد، هو رجل مسن توفي عندما جُرفت سيارته في رأس الخيمة، وفقاً لوسائل إعلام محلية. ومع استمرار شلل في بعض الطرق والبنية التحتية الأخرى، يحسب المسؤولون في دبي تكلفة الأضرار.

وفي السعودية شملت الأمطار الرعدية والسيول كلا من مكة والمدينة وعسير والباحة وجازان ونجران، مع وصول سرعة الرياح إلى 30 كيلومترا في الساعة.

وكانت التأثيرات الناجمة عن المنخفض الجوي، قد وصلت إلى اليمن من بوابته الشرقية، يوم الأربعاء الماضي، حيث امتدت إلى مختلف مديريات محافظة حضرموت، متسببة بانهمار غزير للأمطار المصاحبة للعواصف الرعدية، لتغرق مياه السيول أجزاء واسعة من تلك المناطق.

وتسبب المنخفض الجوي بوفاة 21 شخصا في سلطنة عمان، ولا يزال البحث جاريا عن 4 مفقودين. كما أدى إلى إغلاق بعض الطرق وانقطاع في خدمات الكهرباء والاتصالات.

لئن أثارت المستجدات المناخية التي عرفتها منطقة الخليج مؤخرا العديد من التساؤلات حول الأسباب والنتائج وسبل التجاوز، إلا أن الحديث عن فرضية جعل الاستمطار الاصطناعي المشهد كارثيا جعلت الأنظار تتجه نحو جدوى هذه التقنية وسلبياتها وهو ما حاولنا التطرق إليه من خلال هذه الورقة التي عملنا من خلالها على تجميع المعطيات العلمية وقراءتها بطريقة مبسطة يسهل على الجميع فهمها.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى