سليديرمقالات

شح المياه والفساد: تحديان رئيسيان يواجهان قطاع المياه في تونس والمنطقة العربية

أمل الصامت – كوسموس ميديا

عاشت تونس يومي 10 و11 جوان الحالي، على وقع فعاليات مؤتمر إقليمي رفيع المستوى حول “نزاهة قطاع المياه في المنطقة العربية: المخاطر والحلول وأدوار الأطراف المعنيين”، وذلك بتنظيم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التونسية.

وشارك في المؤتمر وفود من 10 دول عربية، ضمت وزراء وممثلين عن وزارات المياه وهيئات النزاهة ومكافحة الفساد، إلى جانب خبراء من منظمات دولية ومراكز بحوث ومنظمات مجتمع مدني مختصة.

ويعتبر قطاع المياه في تونس من القطاعات الإستراتيجية التي تحظى بالأولوية القصوى في التمويل والدراسات الاستشرافية في الحوكمة ضمن الهدفين 6 و12 من أهداف الأمم المتحدة الـ17 والتي صادقت عليها تونس وتعطيها الأولوية اللازمة، وفق ما صرح به وزير الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي، على هامش افتتاح المؤتمر.

تركيز على التحديات والحلول

تناولت جلسات المؤتمر على مدار يومين مختلف التحديات التي تواجه قطاع المياه في المنطقة العربية، ودور النزاهة في التعامل معها من منظور التنمية المستدامة. كما ناقش المشاركون سبل تعزيز حوكمة قطاع المياه، مستفيدين من تدابير اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وفي ذات السياق خصصت جلسة خاصة لعرض التجارب المقارنة في إدارة مخاطر الفساد في قطاع المياه، حيث تم تسليط الضوء على التجربة التونسية في هذا المجال.

وفي هذا الإطار، أكد رئيس الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية عماد الحزقي، في تصريح لكوسموس ميديا على هامش المؤتمر، على أهمية تحقيق التوازن بين العرض والطلب على المياه، خاصة مع ازدياد الطلب في مختلف الاستخدامات، مع ضرورة حسن توظيف الموارد المائية وحوكمتها النزيهة.

وشدد الحزقي على خطورة الحفر العشوائي للآبار، الذي ارتفع من 15 ألف بئر إلى الضعف خلال السنوات الأربع الماضية، مشيرا إلى دور الهيئة في معالجة هذه المشاكل، من خلال مراقبة تقرير دائرة المحاسبات الخاص بإحكام التصرف في مياه الري، وضمان عدم هدرها.

ولفت محدثنا في ذات السياق، إلى حالة شبكة التزويد بالمياه المتقادمة، حيث أصبح 40% منها مهترئًا، مما يتسبب في ضياع كميات كبيرة من المياه، مشددا في المقابل على ضرورة صيانة السدود التي تعاني أغلبها “حالة رثة” للحفاظ على الموارد المائية.

وأضاف أن معالجة هذه المشاكل تتطلب تضافر الجهود بين مختلف الهياكل والمؤسسات المعنية بقطاع المياه، من القطاع العام (كالصوناد) إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني.

أهمية قطاع المياه للتنمية المستدامة

أكد رئيس المستشارين ومدير المشروع الإقليمي لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة في المركز الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية أركان السبلاني على أهمية قطاع المياه كركيزة أساسية للتنمية في أي دولة، مشيرًا إلى معاناة الدول العربية من نقص المياه لأسباب جغرافية بدرجة أولى، علاوة على تأثيرات التغيرات المناخية وتنامي الطلب وضعف الحوكمة.

وأشار السبلاني، في تصريح لوسائل الاعلام على هامش المؤتمر، إلى أن الفساد يكلف قطاع المياه عالميًا 10% من الاستثمارات، بينما تصل هذه النسبة إلى 20-40% في مشاريع بنى تحتية مائية، قائلا: “اليوم تحتاج الدول العربية إلى عشرات مليارات الدولارات للاستثمار في قطاع المياه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.

من حهته كشف وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي، عن رؤية مستقبلية لقطاع المياه في تونس حتى عام 2050، تهدف إلى التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية، وذلك من خلال دعم إدارة الطلب على المياه وتعبئة الموارد المائية غير التقليدية.

وشدد الوزير على ضرورة الشفافية والمتابعة والمراقبة والمحاسبة في إدارة الموارد المائية لضمان استدامتها، والتوزيع العادل للمياه، وحمايتها من التلوث والاستنزاف المفرط.

أبعاد إقليمية ودولية

سلط المؤتمر الضوء على الأبعاد الإقليمية والدولية لتعزيز نزاهة قطاع المياه بما في ذلك الجوانب المتعلقة بحماية الموارد المائية المشتركة من التلوث وسوء الاستغلال، والجوانب المتعلقة بدور الفساد في قطاع المياه في تعظيم مخاطر وقوع كوارث وصراعات يتعدى تأثيرها دولة واحدة الى دول الجوار، إضافة الى دور نزاهة قطاع المياه في جذب الاستثمارات الأجنبية وتمويلات التنمية مع تنامي تركيز المجتمع الدولي على نظم مكافحة الفساد العابرة للحدود.

العراق والتي تسمى ببلد النهرين دجلة والفرات تأثرت بدورها بنقص حاد في الموارد المائية وفق ما أكده وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب عبد الله، وذلك بسبب التغيرات المناخية من جهة وممارسات دول المنبع (تركيا وإيران) التي تتحكم بنسب كبيرة من مياه نهري دجلة والفرات، من جهة أخرى.

وأشار الوزير العراقي إلى وجود مباحثات مع دول المنبع حول الاتفاق على توزيع المياه بشكل عادل ومنصف، وفق مبادئ القانون الدولي، لضمان احتياجات الشعب العراقي ومواجهة التحديات المتزايدة.

الوزير التونسي عبد المنعم بلعاتي كان قد اعتبر من جانبه، أنه ليس على تونس أو غيرها من الدول العربية أن تتحمل تداعيات ما تسببت فيه الدول الصناعية الكبرى من تغيرات مناخية ووضع أدى الى شح المياه، داعيا هذه الدول لتحمل مسؤولياتها وإيجاد حلول كفيلة بالحد من الخطر الذي كان منتظرا أن يحدث في غضون سنة 2030 إلا أنه داهم كل الدول السنة الفارطة دون أن يطرق الباب، على حد تعبيره.

لئن كشفت تونس عن رؤية مستقبلية لقطاع المياه حتى عام 2050، تهدف إلى التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية، وذلك من خلال دعم إدارة الطلب على المياه وتعبئة الموارد المائية غير التقليدية، إلا أن وزير الفلاحة والموارد المائيّة والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي، يعتبر أن “القادم سيكون أصعب”، وفق ما صرح به في اختتام أشغال الملتقى، مستدركا “أن الوقت في غاية من الأهمية ولا يجب إضاعته، ولا بدّ من استغلال كل الفرص وتبادل الخبرات والعمل في إطار تشاركي للتصدي لهذا الخطر الداهم المرتبط بتغيّر المناخ.

زر الذهاب إلى الأعلى