في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا نتيجة الأنشطة البشرية، أصبحت موجات الحر الشديدة تتكرر بشكل أكبر وتزداد حدتها، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على حياة الناس. ومن هنا، تعمل منظمة الأرصاد الجوية العالمية مع أعضائها وشركائها على تكثيف الجهود لمواجهة هذه الظاهرة التي توصف بأنها “القاتل الصامت”.
تزداد أهمية التحذيرات التي تصدرها خدمات الأرصاد الوطنية وخطط العمل المنسقة لمواجهة تأثيرات موجات الحر على الصحة، وذلك لحماية سلامة ورفاهية الجمهور. ويُعتبر شهر يوليو عادةً أكثر شهور السنة حرارة في نصف الكرة الشمالي، وهذا العام لم يكن استثناءً. فقد شهدت مناطق واسعة من غرب أوروبا، وأجزاء من أمريكا الشمالية، وشمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا الوسطى، ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة.
في غرب أوروبا، سيطر نظام ضغط جوي مرتفع قوي، حبس الهواء الجاف القادم من شمال أفريقيا فوق المنطقة، مما أدى إلى موجات حر شديدة أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية. وفي بعض المناطق في غرب وجنوب غرب أوروبا، تحطمت أرقام قياسية لدرجات الحرارة الدنيا والقصوى خلال شهر يونيو، وهو أمر غير معتاد ليس فقط لشدة الحرارة، بل أيضًا لتوقيت حدوثها، إذ عادةً ما تظهر هذه الموجات الحارة في ذروة الصيف وليس في بداية الصيف.
كما ساهم ارتفاع درجات حرارة سطح البحر في البحر الأبيض المتوسط في تعزيز هذه الموجات الحارة، مما زاد من تأثيرها على المناطق البرية المجاورة. كل هذه العوامل تؤكد ضرورة الاستعداد والتعاون الدولي لمواجهة تحديات موجات الحر المتزايدة، لحماية الأرواح وضمان سلامة المجتمعات.
ملخص موجز حول موجات الحر في أوروبا وتأثيراتها
تشهد أوروبا حاليًا موجة حر شديدة ناجمة عن تدفق هواء حار من القارة الأفريقية، حيث سجلت درجات حرارة قياسية تجاوزت 46 درجة مئوية في جنوب إسبانيا، مع تأثيرات مماثلة في البرتغال وإيطاليا واليونان والمغرب وسويسرا.
تسببت هذه الموجة في إصدار تحذيرات من درجات حرارة خطيرة في عدة دول، منها تحذير أحمر في فرنسا يشير إلى خطر يهدد الحياة، وتحذيرات برتقالية في مناطق أخرى، بسبب ارتفاع درجات الحرارة فوق 40 درجة مئوية.
تتفاقم آثار هذه الحرارة بشكل خاص في المدن نتيجة ظاهرة “جزيرة الحرارة الحضرية”، التي تجعل المناطق الحضرية أكثر دفئًا من المناطق الريفية، مما يزيد من مخاطر الإجهاد الحراري ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات خلال الفترات الحارة.
تشير التقارير العلمية إلى أن موجات الحر الشديدة أصبحت أكثر تواترًا وشدة منذ بداية الألفية، مع توقعات بزيادة تعرض سكان أوروبا لمخاطر الإجهاد الحراري بحلول منتصف القرن الحالي، خاصة في جنوب وأجزاء من شرق وغرب ووسط أوروبا.
المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تعزز جهودها لحماية الناس من مخاطر الطقس القاتلة
تواصل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تعزيز جهودها لحماية الناس من المخاطر الجوية التي تهدد حياتهم، من خلال مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع”. وتتمثل إحدى الركائز الأساسية لهذه المبادرة في آلية التنسيق الخاصة بالمنظمة (WCM)، التي تقدم الدعم للمناطق المعرضة للأزمات والنزاعات عبر تقديم المشورة الفنية الدقيقة والرصد المستمر للوضع، من خلال جمع معلومات موثوقة حول الطقس والمناخ والمياه من أعضاء ومراكز المنظمة، مثل تقرير “المسح الأسبوعي العالمي للهيدرومeteorology”.
تعمل المنظمة عن كثب مع منظمة الصحة العالمية عبر المكتب المشترك للمناخ والصحة، لتعزيز التعاون في هذا المجال الحيوي. ومن خلال شبكة المعلومات العالمية لصحة الحرارة (GHHIN)، تقود المنظمة وشركاؤها في الأمم المتحدة جهوداً لتعزيز الحوكمة المتعلقة بالمخاطر الناجمة عن موجات الحر الشديدة، عبر تزويد السلطات الوطنية والحكومات المحلية بالإرشادات الفنية والأدوات العملية اللازمة للاستعداد والاستجابة لهذا الخطر المتزايد.
يدعم مشروع حوكمة مخاطر الحرارة الشديدة صانعي القرار في مواجهة التحديات المؤسسية والقانونية والتشغيلية، من خلال تشجيع تبني نهج متكامل يربط بين قطاعات المناخ والصحة والطوارئ وغيرها من الجهات الحكومية للعمل بشكل منسق وفعال.
وفي الفترة من 23 إلى 27 يونيو، جمعت شبكة GHHIN خبراء عالميين في لندن لمناقشة سبل تحسين رصد تأثيرات الحرارة الشديدة على الصحة، والعمل على تطوير أنظمة مراقبة الصحة العامة وتوحيد المعايير المستخدمة لمتابعة حالات المرض والوفيات المرتبطة بالحرارة.
تأتي هذه الجهود لتعزيز قدرة وكالات الصحة العامة على الاستجابة بسرعة وفعالية، وحماية الفئات الأكثر ضعفاً في مواجهة موجات الحر التي تزداد تواترها وخطورتها مع تغير المناخ.
مبروكة خذير / كوسموس ميديا