سليديرمقالات

الطاقة النظيفة في تونس: حلم بعيد المنال أم حقيقة قابلة للتحقيق؟

أمل الصامت – كوسموس ميديا

أثار لجوء الدولة التونسية إلى تكثيف عقود اللزمات المتعلقة بإنتاج الطاقات المتجددة -تحديدا الطاقة الشمسية- من أجل التسريع في نسق برنامج الانتقال الطاقي، تعالي الأصوات بشأن استحالة القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة.

وللإشارة، تهدف الاستراتيجية الوطنية في قطاع الطاقة إلى تحقيق معدل إدماج الطاقات المتجددة في المزيج الوطني للكهرباء بنسبة 35 ٪ في أفق سنة 2030، والتقليص من عجز ميزان الطاقة الأولية والنهوض بالاستثمار في مجال الطاقات المتجددة وتنويع مصادر الطاقة بالاعتماد على الطاقات النظيفة.

هل اللزمات كافية؟

انتقد عديد المختصين والمهنيين وحتى المنظمات هذه الاستراتيجية التي اعتبروا أنها ترجح كفة نظام اللزمات على كفة نظام الانتاج الذاتي اللامركزي في الجهد المنخفض ونظام التراخيص بالنسبة للمشاريع التي لا تتجاوز قدرتها سقفا محددا بالقانون.

ففي سنة 2015 تم إصدار قانون يتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة (قانون 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015) والذي حدد مختلف أنظمة الإنتاج مع تمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في تحقيق الأهداف التي حددتها الدولة من خلال نظام اللزمات بالنسبة للمشاريع التي تتجاوز قدرتها المركبة 10 ميغاواط للطاقة الشمسية و30 ميغاواط لطاقة الرياح و15 ميغاواط للكتلة الحيوية و5 ميغاواط للمصادر الأخرى، إلى جانب نظام التراخيص بالنسبة للمشاريع التي لا تتجاوز قدرتها المركبة الأسقف المذكورة، بالإضافة إلى نظام الإنتاج الذاتي لجميع أصناف الحرفاء.

ولعل وتيرة الانتقادات باتت متزايدة في الفترة الأخيرة، تزامنا مع انطلاق المرحلة الأولى من برنامج إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في إطار نظام اللزمات والتي تم خلالها إسناد 5 مشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 500 ميغاواط بخمسة ولايات وهي تطاوين (200 ميغاواط) وتوزر (50ميغاواط) وسيدي بوزيد (50ميغاواط) والقيروان ( 100ميغاواط) وقفصة (100 ميغاواط).

وأول هذه المشاريع انطلقت من القيروان، حيث شهدت منطقة المتبسطة بالجهة يوم 8 ماي الجاري، وضع حجر الأساس لانطلاق إنجاز محطة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بقدرة 100 ميغاواط المشار إليها سابقا. وترجع لزمة إنتاج هذه المحطة إلى مجمع “أمايا باور”، الإماراتي.

ومن المنتظر أن تدخل هذه المحطة حيز الانتاج في غضون 18 شهرا على أقصى تقدير، وفق ما أكده رئيس مجلس إدارة مجمع “أمايا للطاقة” حسين النويس في تصريح لكوسموس ميديا، مثمنا المزايا الطبيعية التي تتمتع بها البلاد التونسية مما يجعلها قادرة على إنتاج الطاقة النظيفة والمضي قدما في تحقيق الانتقال الطاقي.

نظام اللزمات: محرك أساسي أم عبء ثقيل؟

وعن طول الاجراءات التي شهدها هذا المشروع خاصة وأن اللزمة ذهبت إلى المجمع منذ سنة 2020، ولم ينطلق العمل بها إلا هذا العام، أجاب النويس قائلا: “بالفعل تطلب الأمر طول نفس ولكن ثقتنا في تونس وإدارتها كبيرة، والدليل أننا سنواصل في هذا المشروع في انتظار انطلاق مشروع محطة تطاوين أيضا في خلال 5 أشهر على أقصى تقدير”.

واعتبر محدثنا أن أي تجربة في بداياتها تأخذ وقتا، لافتا إلى أن تجربة الانطلاق في اعتماد طاقة متجددة ونظيفة بعيدا عن الطاقة التقليدية بالنسبة لتونس تعتبر تجربة جديدة وهدفا مهمّا وجب الاشتغال عليه بغضّ النظر عن كل العراقيل التي يمكن أن تعترضها، وفق تقديره.

وكانت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة فاطمة الثابت شيبوب أكدت في كلمة لها خلال موكب التدشين، حرص الحكومة وسعيها على تذليل الصعوبات ورفع العراقيل، بما من شأنه أن يساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبية قصد تطوير البنية التحتية الطاقية والتقليص من العجز الطاقي.

من جهته، ذكّر كاتب الدولة المكلف بالانتقال الطاقي وائل شوشان في إجابة على سؤال كوسموس ميديا حول موقف الحكومة من بطء نسق الاجراءات المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية في قطاع الطاقة، بالتعديلات التي شهدتها بعض النصوص القانونية في ديسمبر 2023، خاصة في ما يتعلق بنظام الاستهلاك الذاتي بالنسبة للمؤسسات، مؤكدا على عمل الحكومة على التسهيل في نظام التراخيص بتحسين العقد النموذجي لشراء الكهرباء بين الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمستثمرين

وبالنسبة لنظام اللزمات اكتفى محدثنا بالقول: “كانت هناك بعض المشاكل التي تمت حلحلتها مؤخرا وهو ما ساهم في انطلاق أول مشروع بالقيروان”.

ولم ينكر شوشان أن الرقم المنشود لتحقيق معدل إدماج الطاقات المتجددة في المزيج الوطني للكهرباء بنسبة 35 ٪ في أفق سنة 2030 يبدو صعبا، مستدركا أن هذا الهدف لن يتحقق فقط في إطار نظام اللزمات بل أيضا من خلال نظامي التراخيص والاستهلاك الذاتي.

وأضاف قائلا: “بلوغ 4800 ميغا واط من الطاقة المتجددة في أفق 2030 يمكن تحقيقه بتظافر الجهود.. وكنا أطلقنا 500 ميغا واط في مرحلة أولى، ثم 1700 ميغا واط في مرحلة ثانية وهناك طلبات أخرى ستفتح بحلول سنتي 2026 و2027 في إطار نظام اللزمات من جهة، ولكن أيضا في إطار المشاريع الصغرى والمتوسطة التي تتنزل في إطار نظامي التراخيص ومشاريع الاستهلاك الذاتي”.

دور الشركة التونسية للكهرباء والغاز

تعتبر الشركة الوطنية للكهرباء والغاز، وفق ما أكده المسؤول الحكومي وائل شوشان، شريكا أولا وفعالا في تحقيق أهداف هذه الاستراتيجية.

كوسموس ميديا كان لها لقاء مع الرئيس المدير العام للستاغ فيصل طريفة، أكد خلاله التزام الشركة بدعم جهود الدولة في البرنامج الوطني للانتقال الطاقي، معتبرا أن الانخراط في الطاقات المتجددة والنظيفة من شأنه التقليل في كلفة انتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي والتي أصبحت باهضة الثمن خاصة وأنها بالعملة الصعبة.

وعن قدرة الستاغ على استيعاب طاقة النتاج المعلن عنها سواء في إطار المرحلة الأولى الحالية أو المراحل المرتقبة، أفاد طريفة بعمل الشركة على مشاريع لتطوير الشبكة تسير حاليا بنسق عادي مع المشاريع الكبرى الحالية، مؤكدا استعداد الشركة لاستعاب القدرة المبرمجة في افق 2030 بـ 4800 ميغاواط تدريجيا، مذكرا بمشروع الربط مع إيطاليا المعروف بمشروع “ألماد” بقدرة 600 ميغاواط والذي من شأنه أن يساعد كثيرا في تطوير قدرة استيعاب الشركة لما تنتجه مشاريع الطاقات المتجددة.

حوار وطني ضروري؟!

تستعد كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية “كوناكت” لعقد ندوة صحفية الخميس 16 ماي الجاري، من اجل الإعلان عن نتائج الاستشارة الوطنية حول الانتقال الطاقي التي بادرت بإطلاقها خلال شهر فيفري الفارط في كامل تراب الجمهورية في محاولة لتشخيص ما تحقق إلى حد الآن في برنامج الانتقال الطاقي للدولة مقارنة بما تم برمجته السنة الفارطة، على أن ترفع هذه النتائج لوزارة الإشراف من اجل إيجاد الحلول، وفق ما أكده عضو المكتب التنفيذي للكنفدرالية والخبير الاقتصادي شكيب بن مصطفى لكوسموس ميديا.

واعتبر بن مصطفى، في تقييمه للواقع مقارنة بالمنشود، أن تونس لا تزال بعيدة عن الأهداف المرسومة، مشددا على ضرورة تغيير الاستراتيجية وخوض حوار مع الفاعلين في القطاع من اجل إيجاد حلول عملية، حسب تعبيره.

وفسّر محدثنا أن صعوبة الوصول إلى الأهداف لا تكمن في الأرقام في حد ذاتها بل في طريقة الوصول إليها، حيث أن فتح طلبات عروض في إطار نظام اللزمات بقدرة إنتاج تصل إلى 1700 ميغاواط دون فتح طلب عروض لتطوير شبكة الستاغ لن يحل المشكل، مشيرا إلى أن التعويل على نظام التراخيص بالنسبة للمشاريع الصغرى، بالإضافة إلى نظام الإنتاج الذاتي لجميع أصناف الحرفاء من شأنه أن يحقق التوازن، وفق تقديره.

في الواقع لم يعد الاعتماد على الطاقات المتجددة كمصادر أساسية للطاقة في البلاد مجرد حلم بل هدف لا بدّ من بلوغه لعدة اعتبارات اقتصادية واجتماعية وبيئية خاصة في ظل التحديات المتعلقة بالتخفيض من انبعاث الكربون والغازات الدفيئة والبصمة الكربونية عند التصدير في أفق سنة 2027، والتي تفرضها التحديات المناخية على المستوى العالمي لا فقط على مستوى وطني خاص بتونس، فالكلّ بات في مركب واحد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى