سليديرمقالات

تعاون مائي بين تونس والجزائر وليبيا: هل يضمن مستقبلا أفضل للمنطقة؟

فتحية خذير – كوسموس ميديا

إنشاء آلية مشتركة لإدارة المياه الجوفية في المثلث الحدودي المشترك بالصحراء يكون مقرها الجزائر، هو أبرز مخرجات الاجتماع الوزاري الجزائري الليبي والتونسي الملتئم في الجزائر يوم أمس الأربعاء 24 أفريل.

وقد دخلت حكومات تونس والجزائر وليبيا، سريعا في مرحلة تجسيد الأفكار والتصورات التي تبناها البيان الختامي الصادر عن القمة الثلاثية الملتئمة بتونس بداية هذا الأسبوع، وذلك عبر توقيع الحكومات الثلاثة على آلية التشاور حول المياه الجوفية في منطقة الصحراء الشمالية.

الاجتماع الوزاري المشترك بين تونس والجزائر وليبيا
الاجتماع الوزاري المشترك بين تونس والجزائر وليبيا

وأفاد البيان الختامي للاجتماع الوزاري الجزائري الليبي والتونسي بأن هذا الاتفاق يأتي في إطار دعم التكامل بين الدول الثلاثة من “أجل تعزيز أمنها المائي وقدراتها على كسب الرهانات المشتركة إدراكاً منها بأهمية الموارد المائية في تحقيق التنمية المستدامة ودورها كعامل سلام واستقرار في الدول الثلاثة”.

وكانت مراسم توقيع هذا الاتفاق قد جرت بالجزائر وذلك بحضور كل من وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري التونسي عبد المنعم بلعاتي ووزير الموارد والأمن المائي الجزائري طه دربال، ووكيل وزير الموارد المائية الليبي محمد فرج الصيد قنيدي.

المياه الجوفية المشتركة بين الموجود والمنشود

أفاد المهندس الخبير في الموارد المائية محمد صالح قليّد في تصريح لكوسموس ميديا، بأن هذا الاتفاق – على أهميته – إلا أنه قد جاء متأخرا، نظرا لأن استغلال المياه الجوفية المشتركة بين البلدان الثلاث قد انطلق منذ عقود من الزمن مع استغلال النهر العظيم في ليبيا والاستعمال المكثف لـ”واد سوف” في الجزائر، بينما اقتصر استغلال تونس للمياه الجوفية المشتركة على الواحات في الجنوب التونسي.

ويذكر في هذا الباب أن ملف المياه الجوفية المشتركة بين تونس والجزائر وليبيا كان في أكثر من مناسبة محل خلاف بين الحكومات، وهو ما تجلى أثناء تنفيذ الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي لمشروع النهر الصناعي العظيم، حيث عبرت الجزائر حينها عن امتعاضها من الخطوة، بدعوى أن المشروع يستنزف المياه الواقعة على ترابها، ودعت طرابلس إلى توافق وتوحيد نوع الاستغلال والحفر وأشكاله من أجل عدم تأثير أي طرف على الطرف الآخر.

وفي هذا الإطار، أشار الخبير في الموارد المائية محمد صالح قليّد إلى أن القوانين الدولية للأمم المتحدة تفرض إيجاد اتفاقيات بين البلدان لإدارة المياه المشتركة سواء منها الباطنية أو كذلك السطحية عبر الأودية والأنهار، مشددا على ضرورة إيجاد اتفاقية مشتركة بين تونس والجزائر لإدارة كيفية استغلال المياه في وادي مجردة وملاق المشتركان بين البلدين خاصة وأن الجزائر قد أقامت سدودا على ضفاف وادي مجردة.

واعتبر محدّثنا أن استغلال تونس للمياه الجوفية المشتركة لازال محتشما نظرا لما تعانيه البلاد من أزمة طاقية.

هذا وأكد المهندس الخبير في الموارد المائية محمد صالح قليّد أن تعزيز التعاون والتنسيق بين تونس والجزائر وليبيا في مجال الموارد المائية بطريقة مستدامة يتطلب أيضا حوكمة وترشيدا مشتركا لحسن استغلال هذه المياه الجوفية المشتركة بالصحراء الشمالية حتى تكون هناك أرضية ملائمة للمزيد من التعاون بين الدول الثلاثة خاصة فيما يتعلق بالقطاع الفلاحي.

تتمتع الجزائر بنصيب الأسد من المياه الجوفية المشتركة بينها وبين تونس وليبيا بحوالي 80 بالمائة وعلى مساحة تمتد على 700 ألف كلم مربع، فيما تتقاسم تونس وليبيا المساحة المتبقية بحوالي 80 ألف كيلومتر مربع لتونس و250 ألف كيلومتر مربع لليبيا.

ويقدّر مخزون تونس من المياه الجوفية عامة بحوالي 1400 مليار متر مكعّب، يتركّز أغلبها (60%) في الجنوب، ويبلغ مستوى استهلاكها حوالي 120%.

إدارة أزمة شح المياه في تونس والجزائر وليبيا

تواجه بلدان المنطقة العربية ضغوطات في ميدان التزود بالمياه الزراعية والصالحة للشرب، أمام موجة الجفاف التي تضرب المنطقة في السنوات الأخيرة، وتأثير التغيرات المناخية عليها.

وكانت تونس قد سجلت نقصا في إيرادات السدود الى حدود 30 بالمائة سنة 2023، بعد تراجع التساقطات بنسبة 70 بالمائة عام 2022، مما يرجح تراجع نصيب الفرد من الماء إلى ما تحت 250 متر مكعب للفرد خلال عام 2023، بعد أن كان في حدود 420 متر مكعب للفرد سنويا. وهو ما دفع البلاد إلى اعتماد نظام الحصص في توزيع المياه الصالحة للشرب، ومنع استعمالها في الزراعة.

في المقابل ولمواجهة شح المياه في الحظائر تنفذ الجزائر استراتيجية وطنية للمياه تهدف إلى تلبية حاجة الجزائريين من ماء الشرب عن طريق تحلية مياه البحر بنسبة تصل إلى 60 بالمائة في غضون سنة 2030.

ويتم حاليا تغطية 17% من الاحتياجات بالمياه المحلاة، وفق الأرقام الرسمية، وسترتفع تدريجيا لتصل 42% عام 2024، و60% في سنة 2030.

كما ستستفيد ولايات الجنوب من برنامج نزع الأملاح من المياه الجوفية، مما سيؤمّن إمدادات المياه لسكان الصحراء، حسب تعهدات الحكومة الجزائرية.

وتمثل أزمة المياه الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الليبيين لا سيما وأن البلاد لا تتميز بأنهار تجري فيها وتوفر مصدرًا سهلا للمياه العذبة، وهو ما استعاضت عنه الدولة الليبية بمشروع النهر الصناعي الذي بدأ في أكتوبر من عام 1984، إلا أنه لم يشكل حلاّ جذريا لأزمة البلاد والتي تفاقمت مع الانقسام السياسي وسط غياب حوكمة رشيدة للموارد المائية في ليبيا.

يبدو أن أزمة شح المياه قد اضطرت حكومات كل من تونس الجزائر وليبيا للبحث عن أرضية تفاهم لإدارة جماعية للمياه الجوفية المشتركة بالصحراء الشمالية. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول الثلاثة للتعاون في إطار إيجاد حلول قد تساهم في التخفيف من حدة هذه الأزمة، اعتبر الخبراء البيئيون أن الحروب المائية قد بدأت تلوح في الأفق وأن المناطق المرشحة للنزاعات حول الماء عبر العالم ستتزايد باستمرار مع تزايد عدد السكان من 6.8 مليار الآن إلى حوالي 9 مليارات بحلول 2050.

زر الذهاب إلى الأعلى