“نجاة فقيري – كوسموس ميديا – “أنتشر حيث يوجد الإنسان أتراكم في كل مكان في الشوارع والمدن والمحيطات والبيئة، والمصبّات وأحيانا في مكان رسكلتي.. صغير الحجم مختلف الألوان وشفاف في بعض من الأحيان. ألوّث المياه والتربة والهواء وأسبب “أضرارا صحيّة للإنسان والحيوان والنبات.” بعد التخلص منّي أحتاج مئات السنين كي أختفي “فمن أنا”؟
يخبرنا الخبير البيئي الأستاذ نضال عطية، منسّق البرامج البيئية لمؤسسة HENRICH PÖL STIFTUNG هاينريش بول الألمانية في مكتبها بتونس، أن العلاقة الوطيدة بين الإنسان والبلاستيك أخذت منحىً خطيرًا بعد تنامي إستعماله وسيطرته على حياتنا اليومية وبيئتنا ومحيطاتنا. ويؤكّد في هذا السياق أن الفكرة النّمطية عن أضرار البلاستيك المتمثلة “في كيس بلاستيكي يخنق سلحفاة” هي جانب بسيط جدًا من الكارثة الحقيقية التي تسبّبها النفايات البلاستيكية.
يعتقد مستخدمو الأكياس البلاستيكية أن رحلة الكيس تبدأ عند نقطة البيع، حيث يتم توزيعه على المستهلكين، وتنتهي عند التخلص منه في القمامة أو عشوائيا في الطبيعة. لكن دورة حياة ذلك الكيس الصغير طويلة جدا و”يمكن أن تستمر أكثر من 400 سنة”. ومن المهم معرفة أن الأكياس البلاستيكية ذات الإستخدام الواحد تحتاج إلى مئات السنين لتتحلّل، مما يعني أنها ستظل موجودة في البيئة لفترة طويلة مسببة مشكلات بيئية عديدة، مثل اختناق الحيوانات المائية والطيور وتلوث البيئة البحرية وتهديد صحة الإنسان.
وتتضمّن رحلة الكيس البلاستيكي ثلاثة مراحل هامة، يمكن أن نقسمها حسب المكان من المصنع إلى نقطة البيع ثم إلى نقطة التخلص من الكيس.
ولادة يسيرة…
يولد الكيس البلاستيكي ذو الاستعمال الواحد داخل المصنع من مادة البولي إيثيلين “المستخرجة أساسا من النفط والغار الطبيعي باستعمال كيماويات مركّبة وخطيرة” للحصول على جزيئات بيضاء صغيرة يقع تسخينها على درجة حرارة مرتفعة وتشكيلها ثم تبريدها ويمكن استعمال إضافات كالألوان مثلا.
يفيد علماء جامعة “فريجي أمستردام” والمركز الطبي بجامعة أمستردام الهولندية أن مادة “البولي إيثيلين” غير سامّة عموما، “وهي غالبا ما تستعمل في تغليف الأطعمة، لكن قد تصبح خطيرة عند تعرضها للحرارة أو تسربها إلى الجلد والدم”.
يوجد بتونس قرابة ثمانين مصنعًا للأكياس البلاستيكية، تنتج سنويا 3.2 مليار كيس، أي ما يمثل قرابة 90 بالمائة من إجمالي الإستهلاك المحلي وتستورد مليار كيس بلاستيكي. ويعتبر إنتاج الأكياس البلاستيكية وبيعها وحتى استهلاكها الأقل تكلفة على الإطلاق من غيرها في تونس.
كيف يعيش؟
وفق الأمم المتحدة “يتم استخدام كيس بلاستيكي واحد لمدة 20 دقيقة في المتوسّط”، فبعد التعبئة والتغليف يتم توزيع الكيس البلاستيكي إلى المتاجر والأسواق والمستهلكين ويدخل الكيس رحلة قصيرة من الاستعمالات بين يدي المستهلك عامّة وربات البيوت خاصة ككيس قمامة أو في تخزين الأغذية أو تجميدها أو في حفظ الحاجيات أو لف السندويتشات ما يعرض صحة الإنسان لأخطار كثيرة.
يبلغ معدّل الاستهلاك السنوي للأكياس البلاستيكية في تونس 4.2 مليار كيس ويقدّر استهلاك التونسي الواحد بـ 400 كيس بلاستيكي سنويا. كما يوزّع الخبز يوميّا في 5 ملايين كيس بلاستيكي ذي الاستعمال الواحد وفق وزارة البيئة التونسية.
نهاية عسيرة ومضارّ كثيرة
إمّا أن يتم التخلص من الكيس في مكانه الصحيح بين النفايات البلاستيكية المعدّة للرسكلة، مما يساعد على إعادة تدوير الكيس البلاستيكي بطرق مختلفة لتحويله إلى منتجات جديدة، مثل الأنابيب والأسلاك والمنتجات الأخرى التي تستخدم في البناء. أو يتم التخلص من الكيس البلاستيكي في البحر أو في بيئة مفتوحة، حيث لا يمكن له أن يتحلل إلا بعد فترة طويلة من الزمن ليتحول إلى جزيئات صغيرة تسمى “ميكروبلاستيك” يصعب جدّا إزالتها من البيئة.
يفيد الخبير البيئي نضال عطية أن حقيقة التأثيرات تبدأ فعليا بعد تحلل المادّة البلاستيكية وتفتّتها إلى جزيئات صغيرة “الميكوربلاستيك”، موضّحا أنّ دورة حياة البلاستيك عامّة والكيس البلاستيكي خاصة معقّدة وهي قادرة على العودة إلى حنفيات الماء التي يستعملها الإنسان. وقال أن المرأة هي الأكثر عرضة لمخاطر وتأثيرات المواد البلاستيكية، داعيا إلى التركيز على أهميّة دور المرأة في التوعية من جهة وحمايتها كمتضرّر من جهة أخرى.
وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن 99 بالمائة من جميع الطيور البحرية ستكون قد ابتلعت مواد بلاستيكية بحلول منتصف القرن. “ليس هذا فحسب، بل وسينتهى المطاف بالبلاستيك في بطون البشر”.
وتمثل المواد البلاستيكية “85 بالمئة على الأقل من إجمالي القمامة البحرية”، ويستهلك العالم سنويا 500 مليار كيس بلاستيكي، 1 بالمائة فقط يتجه إلى الرسكلة !وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للبيئة.
تونس تغرق في البلاستيك
رحّب الصندوق العالمي للطبيعة بقرار حظر استخدام الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد في المخابز بتونس واعتبرها خطوة لمكافحة التلوث البلاستيكي.
وكانت تونس قد منعت إستعمال الأكياس البلاستيكية في المخابز ومحلات بيع الخبز مع بداية شهر رمضان 9 أفريل 2023، وأقرت عقوبات لمخالفي هذا القرار بخطيّة مالية تتراوح بين مائة دينار وخمسون ألف دينار تونسي.
تؤكّد الصحفيّة التونسية، الأستاذة مبروكة خذير، منتجة أفلام وثائقية بيئية وصاحبة منصة “كوسموس ميديا”، أن قرار المنع “صارم”، حيث خضعت له المخابز وعملت على تطبيقه. لكن المواطن المتذمّر من حمل خبزه الساخن بين يديه بداية شهر رمضان قد بات يحضر كيسه البلاستيكي معه لشراء الخبز أو يشتري كيسا من نقاط البيع العشوائية” التي انتعشت على ضوء القرار” وتركّزت أمام المخابز، بعد أن كانت تقدّم مجانية مع الخبز. و”قليل جدّا فقط من يستعمل قفّته الإيكولوجية”.
وتناولت “كوسموس ميديا” قرار المنع مع كل الأطراف المتداخلة، من الوزارة إلى المخابز، إلى المواطن وصولاً إلى داخل المصنع، وكشفت نقاطا كثيرة على لسان ممثل عن كل طرف:
وللعلم فقد أصدرت تونس أمرا حكوميّا في 16 جانفي 2020، يتعلّق بضبط أنواع الأكياس البلاستيكية التي يُمنع إنتاجها وتوريدها وتوزيعها ومسكها بالسوق الداخلية.
وفي أوت 2022 أعلنت وزارة البيئة التونسية عن إيقاف تصنيع هذه الأكياس وتداولها نهائيا لكن تطبيق القرار مازال يعاني صعوبات إلى اليوم.
ويقول الخبير البيئي نضال عطيّة، أن تونس انتهجت سياسات ومحاولات للتصدي لانتشار البلاستيك والحدّ من إستعماله لكنها غير كافية خاصّة مع غياب التواصل والتوعية الوثيقة بين الدّولة والمواطن في ظلّ العلاقة الوثيقة بين التونسي والبلاستيك.
وأفاد عطية، أن مكتب مؤسسة هاينريش بول قد صاغ رفقة مجموعة من الخبراء والشباب المهتمين بالتصدّي لآفة البلاستيك ورقة سياسات تضمّ عديد النقاط الهامّة التي يمكن أن يتمّ الإشتغال عليها من طرف وزارة البيئة التونسية .
تعاني تونس من مشكلة خطيرة في إدارة النفايات البلاستيكية. فوفقا لوزارة البيئة التونسية تبلغ كمية النفايات البلاستيكية المنتجة في البلاد يوميّا حوالي 1900 طن. وقد كشفت وزيرة البيئة التونسية في ندوة صحفية، أن المواطن التونسي يستهلك 400 كيس بلاستيكي في السنة مقابل 200 في أوروبا، قائلة في هذا الصّدد إنه من المخجل أن تكون تونس في المرتبة الرابعة في إنتاج النفايات البلاستيكية من بلدان البحر الأبيض المتوسط.
ودعت الوزيرة التونسية، في تصريح لـ”كوسموس ميديا” إلى تكاثف الجهود لتطبيق قانون المنع، مؤكدة وجود بدائل للمواطن كما دعت الصناعيين إلى محاولة العمل على تصنيع أكياس بديلة صديقة للبيئة، دون أن توضّح التمشي والكيفية والكلفة.
من جهته دق المكلف بالإعلام في وزارة البيئة مهدي العبدلي، في تصريحات صحفية، ناقوس الخطر مفيدا أن المواطن التونسي يستهلك 5 غرامات من البلاستيك في طعامه أسبوعيا بسبب الأكياس البلاستيكية في المحيط. حيث يتم إلقاء 6.8 كيلوغرامات من البلاستيك يوميا، على كل كيلومتر من الشواطئ التونسية، وفق إحصائيات الوزارة. وهي إحصائيات ليست بالغريبة على المنطقة المتوسطية الغارقة بالنفايات البلاستيكية. إذا يعتبر البحر الأبيض المتوسط من أكثر البحار تلوثا ليصبح “مقبرة عالمية للبلاستيك” بأتم معنى الكلمة.
تحتاج تونس لجملة من الإجراءات العاجلة للحدّ من انتشار البلاستيك وإنقاذ شواطئها وبيئتها وتطبيق ناجع لقرار منع إنتاج واستهلاك الأكياس البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد. يذكر منها الأستاذ نضال عطية 4 نقاط هامّة ورئيسية، وفق تصوّره، تتمثل أوّلا في تقليص إنتاج البلاستيك وتقليص توريده ثانيا، إذ تصنف تونس السادسة إفريقيا في توريد البلاستيك،
أما ثالثا فينصح الخبير بمتابعة مدى تطبيق القرار ومصارحة وتشريك المواطنين في ذلك. أما النقطة الرابعة فتتمثل في مسك البلاستيك والتوعية بخطورته والانضمام إلى المجهودات العالمية للقضاء على إنتاج واستهلاك البلاستيك حيث تسعى الأمم المتحدة إلى إرساء قانون عالمي للتصدي لمشكلة البلاستيك ستتم المصادقة عليه في 2024.
تقليص الإنتاج وتحسين البنية التحتية وتشجيع الابتكار وتعزيز التشريعات وتوعية المواطنين وتشجيع المبادرات المجتمعية إضافة إلى حماية الشواطىء ومراقبة المخالفين وتطبيق القوانين المعلّقة، هي بعض الخطوات التي يمكن اتخاذها لحلّ مشكل النفايات البلاستيكية في تونس، تفاديا لكارثة وشيكة تختنق فيها تونس بلاستيكيا، لكن الأمر عالق إلى حدّ اللحظة بين تطبيق القانون وخلق التدابير اللاّزمة لمراعاة كل الأطراف المتداخلة.
لعبة: أنقذ الحيوان البحري من الكيس البلاستيكي
تنويه: أنجز هذا العمل بالشراكة بين “كوسموس ميديا” و”المركز الدولي للصحفيين” ضمن برنامج “Engage” للصحفيين ومنشئي الأخبار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي قدم بدعم من “مشروع ميتا للصحافة”
