سليديرمقالات

طائر البطريق: رحلة شاقة لضيف تونس الغريب؟!

لطفي فارحي – كوسموس ميديا

لطالما اتفق الجميع على أن تونس تمتلك موقعا جغرافيا استراتيجيا، حيث تقع على البحر الأبيض المتوسط وتتميز بمناخ معتدل، إضافة إلى أنها تمثل نقطة التقاء دول الشمال بالجنوب، لكن هذه المميزات شُوّهت اليوم بسبب التغيرات المناخية وما يرافقها من ظواهر طبيعية غير مألوفة.

هذه الظواهر جعلت من نمط حياة الكائنات الحية مضطربا ودفعتهم إلى الهجرة بحثا عن أماكن أكثر أمنا وملائمة لمتطلباتهم الطبيعية، ومن أبرز هذه الكائنات نجد طائر البطريق الذي حط الرحال مؤخرا في البحر الأبيض المتوسط، ليدفع بأهل الاختصاص إلى البحث وراء هذه الظاهرة.

“توردا”.. الخصائص والمميزات

البطريق توردا (Le pingouin torda) أو البطريق الصغير (petit pingouin)، هو طائر بحري ذو لونين مع أجنحة قصيرة وحجم صغير. الجزء العلوي من الجسم والرقبة والرأس والمنقار أسود، في حين أن الجانب السفلي من الأجنحة والبطن والصدر أبيض نقي، تشق أجنحته ومنقاره خطوط بيضاء أما الأرجل فهي مشبوكة رمادية داكنة اللون.

يعيش البطريق الصغير في شمال المحيط الأطلسي وشمال غرب روسيا وهو كائن بحري بالأساس يعود إلى اليابسة في موسم التكاثر فقط. وتعتبر الأسماك وجبته المفضلة لكنه يتغذى أيضا على القشريات والرخويات.

ظاهرة قديمة جديدة؟!

من المتعارف عليه أن طائر البطريق يفضل العيش في الطقس البارد، ولكن وعلى عكس ذلك شهدت البلاد التونسية في آخر سنتين استقبال أعداد كبيرة من طائر البطريق “توردا”، مما دفع المختصين إلى التحرك والسعي لفهم هذه الظاهرة، وتقديم الحماية لهذا الزائر الفريد.

وفي هذا الإطار أكد الخبير في الطيور رضا عوني في تصريح لكوسموس ميديا، أن زيارة هذا الطائر لتونس ليست الأولى من نوعها، مفيدا بأن تاريخ زياراته يعود إلى ثمانينات القرن الماضي وبأنه من الطيور المهاجرة التي تعيش في المياه الباردة في شمال المحيط الأطلسي ويتجه إلى مضيق جبل طارق الواقع بين المغرب وإسبانيا أثناء موسم التكاثر.

واستدرك محدثنا بالقول: “بالرغم من أن عملية هجرة هذا الطائر طبيعية إلا أن الأعداد المهاجرة والتي استقبلتها تونس في آخر سنتين كانت كبيرة وتجاوزت الأرقام العادية، مما استدعى الخبراء ومنظمات المجتمع المدني إلى التحرك لحماية هذه الطيور خاصة بعد نفوق أعداد كبيرة منها في حوض البحر الأبيض المتوسط وخاصة في تونس”.

أسباب النفوق…

قال الخبير في الطيور رضا عوني إنه وبالتعاون مع الجمعية التونسية للحياة البرية وبالشراكة مع عدد من المنظمات الدولية والمحلية التي تهتم بالمجال البيئي في تونس ولمدة شهرين، وفي إطار مبادرة “توردا”، تم العمل على رصد أعداد الطيور والحيوانات البحرية على طول السواحل التونسية سواء كانت حية أو ميتة. قائلا انه تم رصد اكثر من 80 طائر توردا.

وفي إجابته عن سؤال كوسموس ميديا بخصوص سبب نفوق طائر البطريق بعد وصوله إلى تونس، قال عوني إنه بعد القيام يالتحاليل لعدد من الطيور النافقة تبين أن السبب هو الإعياء والتعب وليس إنفلوانزا الطيور مثلما يشاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أن المسافة التي يقطعها بحثا عن مكان ملائم للتكاثر والعيش طويلة جدا.

وفي نفس الإطار نشر صانع المحتوى التونسي ربيع بن ابراهيم الشهير بـ “The Dreamer”، فيديو قال إنه تثمينا للعمل الذي قامت بيه الجمعيات البيئية التونسية في دراسة البطريق وتعداد الطيور والتنوع البيولوجي في تونس.

وأضاف أن السنة الفارطة تم رصد أكثر من 89 طائر بطريق في الشواطئ التونسية، 32 منها نافقة في حين عادت البقية إلى موطنها الأم. وخلال هذه السنة تم رصد 20 طائر توردا، منها 15 على قيد الحياة و5 ميتة.

وكشف الفيديو المشار إليه أنه تم القيام بتحاليل لخمسة طيور في معهد باستور الحكومي للتأكد مما إذا كانت مصابة بفيروس إنفلونزا الطيور أم لا، لتكون النتيجة سلبية والطيور سليمة.

وبخصوص التنوع البيولوجي أفاد الفيديو بأنه تم رصد جنوح 112 كائنا بحريا على الشواطئ التونسية خلال سنتي 2023 و2024. مؤكدا أن عملية التمشيط والتعداد شملت أكثر من 180 ألف كائن بحري وساحلي والعديد من الكائنات الحية الأخرى البرية والبحرية.

ترتقي هجرة طائر البطريق “توردا” إلى تونس إلى مستوى الظاهرة الطبيعية المثيرة للاهتمام، والتي تُؤكد مدى تأثير التغيرات المناخية على أنماط حياة الكائنات الحية.

زر الذهاب إلى الأعلى