إحتضنت مدينة عين دراهم من ولاية جندوبة، بين 23 و25 ماي 2025، فعاليات ملتقى الفلاحة البيئية للشمال، وهي تظاهرة بيئية ثرية ومميزة نظّمتها ضيعة “حُمران للعيش المستدام” بالشراكة مع الشبكة التونسية للانتقال الى الفلاحة البيئة .
شكّل هذا الملتقى مناسبة فريدة جمعت ممثلين عن الهياكل الإدارية، منظمات المجتمع المدني، فلاحين ، ومهتمين بالفلاحة البيئة من مختلف جهات الشمال التونسي.
وأفاد صاحب ضيعة حمران للعيش المستدام عمر بالأمين، في تصريح لكوسموس ميديا، أن هذه المبادرة تهدف إلى التعريف بالفلاحة البيئية، وبناء جسور بين الإدارات، والهياكل التمويلية، والفلاحين، وكل من يسعى إلى التّحول و الانتقال نحو نموذج فلاحي مستدام.
وأضاف: “حرصنا على جمع الإدارات، والمؤسسات، والفلاحين وكذلك كل من لديه رغبة في انتهاج الفلاحة البيئية”، مشيرا إلى أن هذا الملتقى كان فرصة لعرض سياسات التمويل المتاحة، والهياكل المرافقة، والتقنيات الحديثة، ومفاهيم التشاركية في الفلاحة.
كما تم التطرق، خلال الجلسات والورشات، إلى آليات تسويق و تثمين المنتوجات البيئية وكيفية تعزيز حضورها في السوق المحلي والوطني، بهدف دعم الفلاح البيئي وضمان استدامة نموذجه الإقتصادي.
انطلاق الندوة بجلسة ملهمة حول الانتقال إلى الزراعة الإيكولوجية
شهدت الجلسة الأولى من الندوة عرضًا ثريًا ومُلهمًا حول كيفية دعم مختلف المؤسسات لعملية الانتقال نحو الزراعة البيئية، التي تمثل مستقبل الزراعة المستدامة. بدأ المتحدثون اللقاء بمشاركة تجارب ميدانية من منظماتهم، حيث كشفت وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية (APIA) عن وجود برامج دعم موجهة للزراعة الإيكولوجية، رغم عدم استخدام المصطلح بشكل مباشر، مثل دعم أنظمة الري الحديثة والحفاظ على الموارد الحيوية كالمياه والتربة.
في المقابل، سلطت وكالة النهوض بالتكوين الفلاحي (AVFA) الضوء على مبادراتها النموذجية في منطقة الكاف، حيث تم تحويل 4 هكتارات إلى زراعة بيئية حقيقية، مما يعكس جدية التزامها بتعزيز هذا النهج الزراعي المستدام الذي يحافظ على البيئة ويعزز الإنتاج.
أما مؤسسة هاينريش بول (H. Boll)، فقد أكدت على أهمية التحول التكيفي في استراتيجياتها الجديدة، مشددة على أن الإيمان العميق والرغبة الصادقة في التغيير هما مفتاح النجاح، مع ضرورة التنسيق والتعاون بين المؤسسات لضمان تحقيق الأهداف المشتركة.
وفي سياق متصل، أشار المعهد الوطني للزراعات الكبرى (INGC) إلى دعمه المستمر لممارسات الزراعة المباشرة خلال السنوات الماضية، مع تسليط الضوء على التحديات التي تعترض توسيع نطاق الزراعة الإيكولوجية، مثل العوائق الاقتصادية، وغياب استراتيجية وطنية واضحة، بالإضافة إلى الصعوبات التقنية في تكييف المسارات الزراعية التقليدية.
من جهته، عبّر مشروع PRESTO التابع لـ CEFA عن التزامه الراسخ بمرافقة الفلاحين في شمال تونس، إلى جانب المجتمع المدني والمؤسسات، في رحلة الانتقال نحو الزراعة البيئية، مشيرًا إلى أن الربحية وتمويل فترة الانتقال تمثلان أبرز التحديات التي تستوجب حلولًا مبتكرة.
واختتمت الجلسة بحوار مفتوح مع الحضور، حيث تم طرح أفكار ومقترحات بناءة، من بينها إنشاء علامة جودة مميزة للمنتجات الإيكولوجية، وتأسيس معهد وطني متخصص في الزراعة الإيكولوجية. كما أكد المشاركون على أهمية تعزيز فهم آليات الدعم العمومي لضمان نجاح هذا التحول الحيوي نحو مستقبل زراعي مستدام.
تمويل الفلاحة البيئية ضرورة إستراتيجية
بالعودة إلى تفاصيل الملتقى، افتتحت الأشغال بجلسة رسمية أعقبتها سلسلة من الحوارات التفاعلية التي ركزت على آليات الدعم والتمويل الموجهة لتيسير الانتقال نحو الفلاحة البيئية. شارك في هذه النقاشات عدد من الفاعلين من القطاعين العام والخاص، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني. وقد سلطت المداخلات الضوء على أبرز التحديات التي تواجه الفلاحين، خاصة ما يتعلق بصعوبة الوصول إلى التمويلات الميسرة وغياب الحوافز العملية التي تشجع على تبني نماذج إنتاج بيئي مستدام.
تبادل الخبرات و التقنيات
شهد الملتقى عرضا لتجارب و خبرات متنوعة في الفلاحة البيئية على غرار تجربة مزرعة فصيلة بالمغرب.
وفي هذا السياق قال جهاد المليح صاحب مزرعة فصيلة خلال تصريحه لكوسموس ميديا:”كانت التربة في مزرعتي شبه ميتة وتعاني من ظروف مناخية صعبة، لكننا عبر تطبيق تقنيات بيئية مثل الزراعة الحراجية، واستخدام البذور الأصيلة المقاومة للجفاف والأمراض، والاعتماد على الأسمدة العضوية مع التخلي عن المواد الكيميائية والحراثة، استطعنا إعادة الحياة للتربة وإنتاج الخضر،و الغلال، والنباتات العطرية، رغم ضعف الموارد المائية.”
و أشار محدثنا إلى فعالية الفلاحة البيئية في مواجهة تحديات المناخ و شح المياه وتحقيق إنتاج مستدام.
ومن جهتها استعرضت جمعية les amis de CAPTE Tunisie نظام الزراعة الحراجية لأهمية دوره في إعادة التوازن الايكولوجي.إذ يقوم هذا النظام على تنويع الغطاء النباتي في نفس الرقعة الأرضية، حيث تتعايش الأشجار والشجيرات مع النباتات والخضروات، إلى جانب إمكانية إدماج تربية الحيوانات بطريقة تخلق تفاعلات مفيدة بيئيا واقتصاديا.
و هذا النموذج لا يساهم فقط في تنويع الإنتاج واستغلال الأرض طيلة السنة، بل يُعد حلا فعّالًا لمجابهة التغيرات المناخية، إذ تساعد الأشجار على حماية التربة من الانجراف، وتوفير الظل، وتحسين خصوبتها، فضلًا عن دورها في ترشيد استهلاك المياه.
تجارب وابتكارات نموذجية
ضمن فعاليات ملتقى الفلاحة البيئية، قُدّمت تجربة نموذجية رائدة تحت عنوان Itinéraire technique Touness el Khadra (RTAE )، وهي مبادرة تقنية تشرف عليها الشبكة التونسية للفلاحة البيئية (RTTA)، وتهدف إلى إرساء مسار فلاحي بيئي يعتمد على الزرع الدائم المغطى (Couverts Végétaux)، والزراعة بدون حرث (Semis Direct)، مع التخلي التام عن استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية.
يرتكز هذا النموذج على فلسفة تقوم على تجديد التربة عضويا، عبر استخدام المواد العضوية الحيوانية (MO.a)، وتعزيز خصوبتها بالكائنات الحية الدقيقة، إلى جانب دمج الأشجار في الحقول الزراعية (Agroforesterie) كآلية لتثبيت التربة، خلق تنوع بيولوجي، وتوفير مناخ محلي أكثر ملائمة للزراعة المستدامة.
تعتمد الخطة التقنية على دورة زراعية مدروسة تمتد على 365 يوما دون ري اصطناعي، حيث يتم استعمال النباتات المغطية بشكل دائم، مع تدويرها وسحقها لإثراء التربة وتحفيز نمو المحاصيل الأساسية. كما يتم توظيف آلات زراعية متخصصة مثل “Semoir agroforestier” و”Rouleau FACA” لتهيئة الأرض وزرع البذور دون الإخلال بالبنية الطبيعية للتربة.
ومن بين الابتكارات المدمجة في هذا المسار، نذكر:
- التحكم البيولوجي في الآفات باستخدام محلولات ميكروبية طبيعية.
- تقنيات ذكية لحفظ المياه مثل الرش المتوازن والخزانات المتنقلة.
- التخزين الطبيعي للرطوبة عبر النباتات المغطية، ما يسمح بتغذية الموائد المائية الجوفية بدل استنزافها.
هذا النموذج لا يمثّل فقط بديلا بيئيا للفلاحة التقليدية، بل يؤسّس لثقافة زراعية جديدة تستعيد علاقة الفلاح بالأرض، دون اعتماد على المدخلات الصناعية الملوثة، وفي انسجام تام مع المنظومة البيئية المحيطة.
الهيدرولوجيا التجديدية في خدمة الفلاحة البيئية
في إطار ملتقى الفلاحة البيئية بشمال تونس، تحدثت الباحثة في علوم الزراعة و صاحبة ضيعة حمران للعيش المستدام مريم بكار، عن أهمية الهيدرولوجيا كعنصر حاسم في تصميم أنظمة زراعية مستدامة تحترم التربة وتحافظ على الموارد المائية.
أكدت مريم بكّار أن الهيدرولوجيا التجديدية تقوم على أربعة مبادئ أساسية ينبغي أن يعتمدها الفلاحون لتكييف ممارساتهم مع التغيرات المناخية ومحدودية المياه و هي كالتالي:
Infiltrer – تشجيع تسرب المياه إلى التربة عبر تقنيات زراعية تسمح بزيادة امتصاص المياه بدل جريانها السطحي.
Stocker – تخزين المياه داخل التربة من خلال تحسين بنيتها واستخدام الغطاء النباتي، ما يسمح بتوفير الماء للنباتات لفترات أطول.
Ralentir – إبطاء حركة المياه السطحية لحمايتها من التبخر أو الضياع، وذلك عبر إنشاء حواجز طبيعية أو ترابية.
Evapotranspiration – الاستفادة من عملية التبخر في النباتات لضبط دورة الماء بشكل متوازن داخل النظام البيئي الزّراعي.
وقد أوضحت الباحثة أن تطبيق هذه المبادئ لا يساهم فقط في ترشيد استهلاك المياه، بل يعزز كذلك صمود المنظومات الزراعية أمام التغيرات المناخية، من خلال تحسين التربة وزيادة إنتاجية المحاصيل بطريقة طبيعية.
كما شددت بكّار على أهمية نقل هذه المعارف إلى الفلاحين الصغار وتمكينهم من أدوات تطبيقية بسيطة تساعدهم على حماية أراضيهم ومصادر عيشهم.
وشددت الباحثة على أن هذه المنهجية تمكّن الفلاح من التحكم في ثروته المائية وتحسين إنتاجيته بشكل طبيعي دون الاعتماد على موارد خارجية.مضيفة:”الفكرة هي أن نكثّف من تخزين وتسريب المياه داخل الأرض حتى لا نخسرها. هذه تقنيات تساهم بفعالية في مجابهة شح المياه وتعطينا حلولًا مستدامة.”
تطبيقات ميدانية
شهد الملتقى أيضا أنشطة تطبيقية وزيارات ميدانية مكنت المشاركين من اكتساب خبرات عملية قيمة.
فقد اشتملت الفعاليات على ورشة تدريبية متخصصة في إنتاج الأسمدة الحيوية، حيث تعلّم الحاضرون أساليب صناعة “بوكاشي” أي إنتاج الأسمدة الحيوية بطريقة طبيعية ومستدامة تساهم في تحسين خصوبة التربة وتقليل الاعتماد على المواد الكيميائية.
كما شهد تنظيم ورشة أخرى حول تقنيات تطعيم النباتات، تهدف إلى تعزيز مقاومة المحاصيل الزراعية للأمراض وزيادة إنتاجيتها، مما يُعزز من جودة الإنتاج الزراعي ويضمن استدامة الفلاحة البيئية.
خيار بيئي و إقتصادي
وفي إطار تبنّي ممارسات فلاحية مستدامة، يشكل اعتماد الزراعة دون حرث خيارا بيئيا متقدما لجملة من الفلاحين التونسيين، من بينهم ما شاء الله محجوبي، الذي اختار هذا التوجه حفاظا على التربة وتقليصا للكلفة.
ومن جانبه، أكّد الفلاح ما شاء الله محجوبي، أصيل ولاية جندوبة والمختص في الزراعات الكبرى، أنّه اعتمد تقنية الزراعة دون حرث كخيار بديل يحافظ على رطوبة التربة ويحدّ من تبخر الكربون. واعتبر أنّ هذه الممارسة تساعد على تقليص التكاليف مقارنة بالحرث التقليدي، الذي وصفه بالمكلف والضار بالتربة على المدى الطويل.
وأوضح محجوبي أنّه من خلال عدم استعمال تقنية الحرث يترك التربة تستريح سنويًا حتى تنشط فيها االكائنات الدقيقة وتستعيد خصوبتها. وأشار إلى أنّه بعد ثلاث سنوات من تطبيق هذه الطريقة، لاحظ تحسنا كبيرا في مردودية الإنتاج وجودة التربة.
ودعا في هذا السياق إلى ضرورة تدخل الدولة لدعم الفلاحين الراغبين في تبني هذه الممارسات، خصوصا من خلال توفير البذور المناسبة للزراعة الحافظة، معتبرا أن نجاح هذا التوجه يتطلب شراكة فعلية بين الفلاحين والسلطات المعنية.
الإعلام متعدد الوسائط شريك في التّحول
تضمنت الجلسة الثانية من الملتقى بحث سبل تعزيز ثقافة الفلاحة البيئية عبر الإعلام الرقمي والمنصات التفاعلية، حيث تم عرض تجارب مبتكرة ، وبودكاست Ecologia وYaluna. كما تم تسليط الضوء على مبادرات توعوية شبابية تونسية من بينها مبادرة ATAE، التي تساهم في نشر الوعي البيئي وتعزيز الانخراط المجتمعي في قضايا الزراعة المستدامة.
و في هذا السياق اعتبر مقدم بودكاست ايكولوجيا عرفات بن مرزو ان أدوات الإعلام البديل، مثل البودكاست، باتت ضرورية لنشر مفاهيم الفلاحة البيئيّة وتغيير سلوكيات المستهلك.
ولفت بن مرزو إلى أن هذه الوسائط الحديثة تسمح بالوصول إلى فئات واسعة من الجمهور، خاصة أنها ترافقهم في حياتهم اليومية وتمنحهم فرصة الاستماع في أي وقت، سواء أثناء القيادة أو التنقل، مما يعزز فعالية الرسالة البيئية.
التكنولوجيا في خدمة المنتج البيئي
في اليوم الثالث من الملتقى، خُصصت الجلسات لموضوع تسويق وتثمين منتجات الفلاحة البيئية، حيث تم تقديم نماذج ناجحة لمنصات بيع إلكترونية مثل Agritable.
و في هذا السياق أفادت صاحبة الشركة الناشئة Agritable، هاجر سيلة، إن منصتهم الرقمية تتيح للمستهلكين التسوق لاقتناء المنتجات الفلاحية، مثل الخضر والغلال، وقد تم إحداث ركن خاص بالمنتوجات البيولوجية لتمكين الفلاحين من تسويق منتجاتهم وتحقيق أرباح مباشرة.
وأكدت هاجر أن الإقبال على هذا النوع من المنتجات في تزايد، إذ أصبح المستهلك اليوم يبحث عن الأكل الصحي والطبيعي. لكنها في المقابل أشارت إلى أن ضعف القدرة الشرائية لا يزال يمثل عائقا حقيقيا، وهو ما يتطلب، في نظرها، تعزيز التعاون بين الفلاح والمستهلك لإيجاد معادلة تجعل من البيولوجي خيارًا متاحًا وسهل المنال للجميع.
بين الضمان البيئي وثقة المستهلك
كما طُرحت مبادرات لضمان الجودة من خلال نظم الضمان التشاركي (ATP)، وجرى التأكيد على ضرورة تأطير السوق البيئية وتعزيز ثقة المستهلك.
و في هذا السياق أفادت منسقة المشاريع بالجمعية التونسية للزراعة المستدامة،سحر مدب أن نظام SPG، أو ما يُعرف بالنظام التشاركي للضمان، يمثل مقاربة مبتكرة تهدف إلى ضمان جودة المنتجات البيئية وتتبع مسارها. وأشارت إلى أن من أبرز الإشكاليات التي تم رصدها أن المستهلك التونسي غالبا ما يقتني منتجات دون معرفة مصدرها أو طرق إنتاجها.
وترى سحر أن الحل يكمن في إشراك المستهلك في منظومة التتبع والتدقيق، وهي الفكرة الجوهرية التّي يقوم عليها نظام SPG. فالمستهلك، بحسب قولها، لم يعد مجرد متلقٍ سلبي، بل أصبح طرفًا فاعلًا في عملية المراقبة، مما يعزز الثقة المتبادلة بينه وبين المنتج.
وتضيف: “نحن نؤمن بأن الشفافية هي حجر الأساس لأي علاقة صحية بين المنتج والمستهلك، وSPG يوفر هذا الإطار التشاركي لضمان المصداقية والاستدامة في قطاع الزراعة البيئية”.
المدارس كمنصة لترسيخ ثقافة الزراعة البيئيّة
من بين المبادرات التي تم عرضها خلال الملتقى، برزت تجارب تسعى إلى الدفع نحو تبني نمط غذائي صحي وتشجيع الفلاحة البيئية كخيار مستدام. في هذا السياق، قالت راضية الوحيشي، ناشطة بيئية وممثلة عن جمعية شبكة أطفال الأرض، إن جمعيتهم تملك القدرة على تقديم حلول بديلة تساهم في توفير أغذية سليمة داخل المدارس، وذلك عبر التوجه نحو الزراعة البيولوجية كخيار استراتيجي.
وأوضحت محدثتنا أن الحل يكمن في إطلاق مشاريع فلاحية داخل المؤسسات التربوية، مثل إنشاء حدائق لزراعة الخضر، يمكن من خلالها تزويد التلاميذ بمعلومات عملية حول أهمية الفلاحة الإيكولوجية، إلى جانب ترسيخ ثقافة التغذية المتوازنة في أذهانهم، وهو ما من شأنه أن يُحدث تأثيرا إيجابيا حتى على أوليائهم، ويدفع نحو الإنتقال إلى نمط إستهلاك بيولوجي داخل الأسر.
وشددت الوحيشي على أن هذه المبادرات لا تكتمل إلا بتعميم التجربة على مختلف المدارس، حتى تتحول إلى فضاءات حاضنة للزراعة البيولوجية والتربية البيئية في الآن نفسه.
الفلاحة البيئية في خدمة التمكين والعيش المستدام
ضمن فعاليات الملتقى الخاص بالفلاحة البيئية، برزت تجربة رائدة ، من عين دراهم، حيث تساهم مبادرة “AINNA HUB”، الشريك المحلي لضيعة حمران للعيش المستدام ضمن قسم Ainna social، في تفعيل مبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال الفلاحة البيئية.
وتُعد هذه المبادرة مثالًا حيا على كيفية توظيف الزراعة الإيكولوجية في تمكين النساء، إذ تشارك 15 امرأة في زراعة النباتات الطبيعية وتحويلها إلى منتجات غذائية مستدامة مثل (البسيسة، الزيوت المقطرة و المياه العطرية )، وغيرها. كما يتم تثمين نفايات الغابة والمخلفات العضوية عبر تحويلها إلى مواد قابلة للاستخدام، مما يعزز من حماية الغابات وتنمية الموارد المحلية.
هذه التجربة تعكس الربط العملي بين الفلاحة البيئية، التمكين الاقتصادي، وحماية التنوع البيولوجي، وهو ما يسعى الملتقى إلى تسليط الضوء عليه وتعزيزه في مختلف جهات البلاد.
سوق المنتجين… نبض اللقاء
بالتوازي مع جلسات الملتقى، تواصل نشاط سوق المنتجين، حيث عرض عشرات النساء منتجاتهم من زيوت طبيعية و مياه عطرية و مستحضرات غذائية و تجميلية ، إضافة إلى معدات وتقنيات فلاحية مستدامة.
السوق لم يكن فقط فضاءا للتبادل التجاري، بل منصة للتفاعل المباشر بين المنتجين والحضور من مهنيين ومهتمين.
مثل هذا الملتقى فرصة فريدة لتعزيز شبكات التعاون بين الفاعلين في الفلاحة البيئية، وتبادل التجارب بين شمال إفريقيا وأوروبا. كما أكد المشاركون على أهمية تمكين الفلاحين، وتحفيز السوق المحلية لخلق بيئة مستدامة تُسهم في الأمن الغذائي وتواجه التحديات المناخية في تونس.
رجاء الدريدي / كوسموس ميديا