سليديرمقالات

ماذا يحدث في الشّريط السّاحلي التونسي؟

يشهد  الشريط الساحلي التونسي في الآونة الأخيرة أزمة بيئية متفاقمة تجلّت في إنتشار صور لتلوّث البحر، تغيّر لونه إلى ألوان غير طبيعية، إنتشار الأوساخ، ونفوق أعداد كبيرة من الأسماك والكائنات البحرية.

هذه الظاهرة التي طالت مناطق عدة مثل خليج المنستير وشواطئ ولايات تونس، بن عروس، أريانة وبنزرت، تعكس أزمة بيئية مزمنة تهدد الثروة البحرية وصحة المواطنين.

أسباب التّلوث وتغيّر لون البحر

تلوث المياه الصناعية والصرف الصحي

تعد المناطق الصناعية الكبرى في تونس، خصوصًا ولايات بن عروس وقابس، من المصادر الأساسية لتلوث المياه البحرية. تقوم العديد من المؤسسات الصناعية بإلقاء مخلفاتها الصناعية، التي غالبًا ما تكون مياه مستعملة غير معالجة أو معالجة جزئيًا، مباشرة في البحر دون رقابة فعالة. قابس أيضا  و على سبيل المثال تحوّلت اليوم لأحد أكثر الشواطئ تلوّثًا منذ تأسيس مجمّع الصناعات الكيميائية بمنطقة شط السلام بمحافظة قابس سنة 1972. إذ أدت أنشطة استخراج الفوسفات وتحويله لكارثة بيئية كبيرة في الخليج. فحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يتم إلقاء أكثر من عشرين ألف طن يوميًا من مادة الفسفوجيبس المشعة في البحر، أي أكثر من 7 ملايين طن في السنة. وهو ما أضر بالتنوع البيولوجي، فالخليج الذي كان يحتوي على أكثر من 270 نوعًا من السمك، ولم يبقَ منها الآن سوى 50 نوعًا أو أقل.

تكاثر الطحالب المجهرية والبكتيريا المختزلة للكبريت

في خليج المنستير، أحد أشهر سواحل وسط تونس، استفاق أهالي مدينة قصيبة المديوني قبل أيام على فقدان مياه البحر لونها الطبيعي وتحوّلها إلى اللون الوردي، ما دفع المنظمات البيئية إلى المطالبة بإعلان الطوارئ بسبب درجة التلوث العالية في المنطقة البحرية.
وقالت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري إن “تغيّر لون مياه البحر نتج من ظاهرة تكاثر الطحالب المجهرية التي تسببت في نفوق بعض الكائنات البحرية في خليج المنستير خلال أيام بين 18 و21 جوان الفارط . وأوضحت أن “الظاهرة شملت السواحل من قصيبة المديوني إلى لمطة وصيادة جنوب شرقي خليج المنستير”، وأعلنت أنها كلّفت فريقاً يضم خبراء متخصصين بإجراء تحاليل فيزيائية وكيميائية وبيولوجية، وأن نتائج الاختبارات الأولية أظهرت أن الظاهرة الحالية، بخلاف تلك السابقة، نتجت غالباً من تكاثر البكتيريا المختزلة للكبريت التي تعود أساساً إلى تكاثر الطحالب المجهرية”.
وأدت هذه العوامل، بحسب وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلى انخفاض حاد في الأكسجين الذائب في المياه أو حتى انعدامه، ما تسبب في نفوق كائنات بحرية توجد في المنطقة.

توقف محطات التطهير وتجاهل الحلول

تواجه تونس مشكلات كبيرة في معالجة مياه الصرف الصحي، حيث تعطل العديد من محطات التطهير أو تعمل بكفاءة منخفضة. عدم تطبيق الحلول المقترحة وإهمال الصيانة ساهم في تفاقم التلوث البحري، مما أدى إلى احتقان شعبي وتحذيرات من تأثير التلوث على سلامة الأسماك وصحة الإنسان. تعود قصة التلوث في محافظة بن عروس إلى أكثر من 30 عامًا، وتحديدًا منذ بعث الديوان الوطني للتطهير المكلّف بإدارة خدمة الصرف الصحي ومقاومة كل مصادر التلوث البحري سنة 1974، حيث تحول إلى أحد أكبر المسؤولين عن الوضعية الكارثية لشواطئ هذه المنطقة بسبب سكبه مياه الصرف الصحي دون معالجة في البحر بذريعة أنه لا يملك الموارد البشرية واللوجستية والمادية للقيام بمعالجة هذه المياه كما ينبغي. وأدى ذلك إلى كارثة بيئية حيث تغيّرت نوعية المياه التي أصبح لها لون ورائحة كريهة وانتشرت البكتيريا المتسببة في عدة أمراض وخاصة منها الجلدية ومرض الكوليرا إضافة إلى نفوق العديد من الحيوانات البحرية.

تلوث بيئي مزمن ومتراكم

التلوث البحري في تونس ليس حادثة عابرة، بل هو نتيجة تراكم ملوثات صناعية وبشرية على مدى عقود. العديد من السواحل تعتبر مكبات عشوائية للنفايات، مما يؤثر بشكل مباشر على الثروة السمكية ويهدد استدامة البيئة البحرية.

تقارير وإحصائيات رسمية

يمتد الشريط الساحلي في تونس على طول 1300 كلم، ولكنه يعاني في السنوات الأخيرة من عدة ملوّثات جعلت حوالى 30 شاطئًا غير صالحة للسباحة، بعضها يعاني مستويات متقدّمة من التلوث باتت تهدد حياة الكائنات البحرية وصحة المتساكنين

أعلنت وزارة الصحة التونسية في شهر جوان الفارط أن 28 نقطة شاطئية غير صالحة للسباحة بسبب تلوث المياه، خاصة في ولايات تونس، بن عروس، أريانة وبنزرت، نتيجة وجود بكتيريا خطيرة مثل الستربتوكوك والسالمونيلا. فيما أشارت دراسة وزارة البيئة إلى أن حوالي 70% من الشواطئ التونسية تعاني من مستويات تلوث متفاوتة، مما يضع تونس في المرتبة 37 عالميًا في مؤشر التلوث لعام 2025. و قد كشف تقرير محكمة المحاسبات لعام 2014 أن 74% من المؤسسات الصناعية في تونس تسكب مياهًا مستعملة غير مطابقة للمواصفات، مع ضعف واضح في الرقابة البيئية.

آراء الخبراء والناشطين

وصفت الخبيرة أسماء السقا حلايلي من كلية العلوم ببنزرت الوضع بأنه “واقع بيئي مرير يهدد السواحل التونسية”، داعية إلى تفعيل الرقابة وتطبيق القوانين البيئية لحماية الثروات البحرية ومستقبل الأجيال القادمة.

و أكد الناشط محمد قعلول من المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن التلوث الحالي هو نتيجة تراكم ملوثات عمرها أكثر من 20 عامًا، مشيرًا إلى أن خليج المنستير كان مكبًا للنفايات الصناعية ومياه الصرف الصحي، مما تسبب في كارثة بيئية تهدد الحياة البحرية ومصادر رزق آلاف البحارة.

و أشار عضو المنتدى التونسي منير حسين إلى أن مياه الصرف الصحي هي السبب الرئيسي في تلوث مياه البحر في خليج المنستير، وأن ذلك أدى إلى نفوق الكائنات البحرية وفقدان آلاف البحارة لمصادر رزقهم.

تتنوع مصادر تلوث البحر في تونس الناجم عن تراكم نفايات صناعية وصرف صحي غير معالج، مما أدى إلى تغيّر لون المياه، إنتشار الأوساخ، تكاثر الطحالب السامة، ونفوق الأسماك. هذه الأزمة البيئية المزمنة تتطلب تحركًا عاجلًا من السلطات المعنية لتفعيل الرقابة البيئية، تحسين معالجة مياه الصرف الصحي، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال. الحفاظ على البيئة البحرية ليس فقط ضرورة بيئية، بل هو أيضًا مطلب اقتصادي واجتماعي لضمان صحة المواطنين و إستدامة الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

فتحية خذير / كوسموس ميديا 

 

زر الذهاب إلى الأعلى