تحقيق مبروكة خذير وأمل الصامت – كوسموس ميديا
على الرغم من غلق موسم صيده منذ 15 ماي الفارط إلا أن الطريق نحو إيجاد كمية من الأخطبوط الطازج لم يكن شاقا، في جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس، والحال أن تاريخ فتح الموسم الجديد الموافق لـ15 أكتوبر مازال بعيدا.
جولة صغيرة في أرجاء الجزيرة تحت سماء صيف حارق، وتجد الأخطبوط “الفرشك” (حديث الصيد) متوفرا في ثلاجات الوسطاء، أو عند بعض البحارة الذين قد لا يعرضونه علانية في السوق لأن في ذلك ضربا واضحا للقانون، ولكن هناك آخرون لا يتأخرون في عرضه عليك إذا كانت لك رغبة في طبق تزيّنه أصابع “القرنيط” (التسمية المحلية للأخطبوط في جزيرة قرقنة).
“تعبت وقلبي يتألم.. لم يعد الصيد في مواسمه القانونية وفيرا كما في الماضي.. هناك أناس تسلب منك رزقك من أمام عينيك وأنت عاجز عن مقاومتهم، لا أنت تستطيع مسايرتهم والعمل على طريقتهم ولا أنت قادر على العمل بالطريقة التي تعودت عليها”.
هكذا لخص صالح (اسم مستعار) البحار الخمسيني من جزيرة قرقنة إحساسه تجاه التجاوزات التي يشهدها قطاع الصيد البحري في جزيرته وخاصة تلك التجاوزات المتعلقة بصيد الأخطبوط سواء خلال الموسم القانوني أو خارجه. إحساس يتقاسمه عدد من صغار البحارة الذين التقتهم كوسموس ميديا في مناطق مختلفة من الجزيرة.
بدأت رحلة البحث بمكالمة هاتفية لصديقة غيورة على البحر وتنوعه البيولوجي، أمضت أشهرها الأخيرة في السعودية. أرادت، هي المتابعة لشؤون تونس البيئية، أن تلفت انتباه فريق منصة كوسموس ميديا وتدعوهم إلى التحقيق في موضوع صيد صغار الأخطبوط بكميات مهولة في فترة الراحة البيولوجية في تعد صارخ على حق الجيل الحالي والأجيال القادمة في توازن إيكولوجي بحري.
سلكنا الطريق إذا إلى جزيرة قرقنة الأرخبيل الذي يقع على بعد 32,7 كلم من ولاية صفاقس (محافظة) شرقي البلاد التونسية. بدت الوجوه واجمة والحزن على أشده في عيون بعض بحارة الجزيرة. لم نكن نعلم قبل خوض غمار التحقيق في خروقات الراحة البيولوجية أنها قضية تجعل صغار البحارة يعيشون كل هذا القدر من القهر والغبن. إنهم لا ينامون ليلهم بينما تواصل شبكات تهريب الأخطبوط (القرنيط) صيده أمام أعينهم وعلى مرأى ومسمع من بعض ممثلي السلطات. حسب تصريحات جلهم.
تجاوزات مع سبق الترصد!
لم تكن مهمة التثبت من فرضية استنزاف الأخطبوط وارتكاب مجزرة إبادة هذا الحيوان البحري أثناء فترات تكاثره مهمة صعبة، فالجميع يعلم هنا أن بعض أبناء الجهة تفننوا في خرق القوانين وكوّنوا حولهم مساعدين من بحارة جاؤوا من خارج الجزيرة.
بدت الحقيقة عارية دون تكلّف عناء ومشقة البحث كثيرا. فمنذ فترة بدأ التململ يتسرب نحو صغار البحارة في جزيرة قرقنة. لقد ساءهم أن زملاءهم الآخرين وبني عمومتهم وأبناء حيهم الذين يعرفونهم فردا فردا يخرجون بمراكبهم المجهزة بـ “الدرينة” (اسم محلي لواحدة من معدات صيد الحيوانات البحرية كانت في السابق تصنع من عراجين النخيل إلا أنها باتت منتشرة أكثر في نسختها البلاستيكية المشوهة) لصيد الأخطبوط قرب السواحل الإيطالية المقابلة لجزيرة قرقنة، هناك حيث يفرّخ الأخطبوط ويضع بيضه.
“إنها جريمة يرتكبها بحارة الجزيرة مستعملين عشرات الآلاف من “الدراين” البلاستيكية مستنصرين ببعض الشباب من الصيادين وحاملين معهم بعضا آخر من بحارة مدن ساحلية من خارج جزيرة قرقنة”. يقول صالح (اسم مستعار) لكوسموس ميديا ولا تزال نبرة الإحساس بالقهر لا تفارق صوته.
يكفي أن تشرب.ي كوب قهوتكَ/قهوتكِ في أحد الموانئ وتسأل إن كان هناك “قرنيط” للبيع حتى يجيبكَ/يجيبكِ كثيرون في المكان: “نعم.. كم من كيلوغرام تريد.ين؟”
نعم إنهم يتحدثون عن الأخطبوط ذلك الكائن البحري الغامض والرائع، الذي يتميز بذكائه الفائق ومهاراته الاستثنائية.
ينتمي الأخطبوط إلى فئة الرخويات، ويمتلك ثمانية أذرع مرنة مغطاة بممضات، تسمح له بالتحكم بدقة في محيطه والتقاط فريسته.
في الماضي كان لا يتجرأ بحارة قرقنة على خرق القوانين والصيد خارج المواسم المسموحة. كانوا يبقون جرارهم الصغيرة التقليدية المسمّاة “القارور” (سنأتي على شرح هذه الطريقة في وقت لاحق) مرمية وسط البحر لكنهم لا يتجرؤون على الاستفادة منها أثناء فترة الراحة البيولوجية. إنها طريقتهم التقليدية في صيد الأخطبوط لكنهم يحترمون قرارات الدولة في فرض الراحة البيولوجية وأكثر من ذلك يحترمون البحر مصدر رزقهم وقوت عيالهم عبر السنين. إنهم يعايشون خلال السنوات الأخيرة ما حصل للبحر من تغيرات جعلت شباكهم شبه فارغة بسبب اختلال التوازن الايكولوجي وصيد عشوائي أضر بكل الأصناف الحيوانية البحرية.
اليوم وفي ظل غياب الوعي بمخاطر خروقات الراحة البيولوجية، يحدثك الجميع عن منسوب التهريب الذي أصبح يمارس على مرأى ومسمع منهم بشكل مفضوح دون رادع. بعضهم حاول أن يتواصل مع السلطات المحلية من حرس بحري وإدارات الصيد البحري وممثلين عن جمعيات المجتمع المدني دون أي نتيجة فنزيف تهريب الأخطبوط متواصل، بل إن بعضهم تعرض للتهديد بعد ان تواصلوا مع السلطات الأمنية المحلية في جزيرة قرقنة. سلطات يُتهم بعض عناصرها بالتواطئ مع المهربين الذين يدفعون الرشاوى حتى يتم غض الطرف على ما يقترفونه من جرائم في حق البيئة البحرية.
في مناطق عديدة من جزيرة قرقنة يشكو صغار البحارة من صيد غير قانوني للأخطبوط إذ تحول “القرنيط” خلال السنوات الأخيرة إلى ثروة بحرية مهددة بالانقراض بالسواحل التونسية، نتيجة تراجع كميته جراء الصيد الجائر وغير القانوني خارج الأجال المحددة للصيد.
وسط مدينة القراطن وفي شوارعها التقينا كريم بن شيخة. واحد من أبرز النشطاء البيئيين في قرقنة. عملت جمعية القراطن للتنمية المستدامة والثقافة والترفيه منذ سنوات على برامج تحسيسية حول الراحة البيولوجية و التوازن الإيكولوجي البحري.
تعول الجمعية كثيرا على وعي البحارة في الجزيرة لكن نزيف الصيد العشوائي يمارسه بعض البحارة أنفسهم لذلك تحاول الجمعية إيجاد حلول من خلال توعية الأطفال.
يقول كريم بن شيخة في حديثه لمنصة كوسموس ميديا: «التوعية يجب أن تكون موجهة للأطفال، نحن ندرك أن إصلاح العقليات صعب ومسيرة طويلة لذلك نعتقد فعلا أن الحل في التربية البيئية للأطفال فعندما يرفض الطفل أن يأكل “القرنيط” من يد أبويه خلال فترات منع صيده يمكن وقتها أن نغير واقع الحال. والمجتمع المدني يعمل في هذا الاتجاه”.
ترسانة قوانين.. لكن النزيف متواصل
يخضع تنظيم موسم صيد الأخطبوط إلى قرار وزير الفلاحة المؤرخ يوم 28 سبتمبر 1995 والمتعلق بتنظيم نشاط الصيد البحري والذي حدد موسم صيد الأخطبوط، في الفترة الممتدة من 15 أكتوبر إلى 15 ماي من كل سنة.
يرجع قرار منع صيد “القرنيط” في هذه الفترة إلى أنها أواخر فترة تكاثر هذا الكائن، تليها فترة نمو صغاره في المراعي غير العميقة، والتي تكون أقرب للصيادين.
يمنع صيد “القرنيط” (الأخطبوط) إذا كان وزنه أقل من كيلوغرام واحد، وبتجاوزه للكيلوغرام الواحد يكون الأخطبوط قد توالد وتكاثر مرة على الأقل. وكانت وزارة الفلاحة التونسية عبر مصالحها المختلفة حددت الوزن الأدنى عند صيد الأخطبوط، إلا أن الاستجابة لهذه القوانين تبقى صعبة المنال وهو ما جعل الصيادين لا يحتكمون إلى القوانين المنظمة للقطاع الفلاحي وأصبح إنتاج “القرنيط” لا يزيد وزنه عن 400 أو 500 غرام فحسب، وهو ما جعل المصالح الفلاحية تطلق صيحة فزع للمحافظة عليه كثروة بحرية.
تنقسم طرق اصطياد القرنيط القانونية إلى طريقتين أولها عبر شباك الجرّ في أعماق تتجاوز 30 مترا، والثانية عبر زرع “القارور الفخاري”، وهي الطريقة التقليدية التي يعتمدها بحّارة جزيرة قرقنة منذ مئات السنين، حيث يقومون قبل انطلاق موسم الصيد بفترة معينة بزرع جرار فخارية في مناطق بحرية وبعمق يستطيعون وحدهم تحديده بحكم التمرّس، حتى تصبح تلك الجرار مسكنا مثاليا للأخطبوط ويستطيع النمو بالحجم المطلوب الذي يسمح بصيده فور فتح الموسم.
تقابل هذه الطرق طرقا أخرى عشوائية على غرار الصيد بـ”الكركارة”، وهي شبكة عملاقة يقع رميها في البحر وتصل إلى عمق يبلغ 20 مترا وتعتمد أسلوب التجريف، ما يتسبب في الإضرار بالحياة البحرية من أعشاب وكائنات بحرية مختلفة الأشكال والأحجام.
أما بالنسبة لأماكن تواجد “القرنيط” فيتمركز هذا الكائن بخليج قابس (من صفاقس إلى الحدود التونسية الليبية) إضافة إلى الساحل والشمال.
كما تتكاثر بهذا الخليج الأسماك القاعية المستهدفة بشباك الجر (الكركارة) على غرار المرجان والتريليا والنازلي والمداس…
هذه الطرق العشوائية في الصيد استوجبت إيجاد حلول للحد منها من بينها فرض راحة بيولوجية وهي آلية بدأت تونس في تطبيقها رسميا منذ سنة 2009 في خليج قابس نظرا إلى أن هذه المنطقة تعتبر حساسة وتتميز بقصر العمق وامتداد جرفها القاري وتتوفر على نباتات تشكل مكامن ومصدر قوت للأسماك مما يؤكد أهمية حمايتها.
وتعد الراحة البيولوجية آلية من الآليات التي أرستها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، للمحافظة على الثروة السمكية بإعطاء فترة للمخزونات السمكية بثلاثة أشهر من كل سنة (جويلية و أوت وسبتمبر) للمساهمة مرة في حياتها لتجديد المخزون السمكي.
يفيد المدير العام للصيد البحري وتربية الأحياء المائيّة علي الشيخ السبوعي في حوار خص به منصة كوسموس ميديا أن هذه الآلية وبعد 8 سنوات من الشروع في تطبيقها في خليج قابس أعطت نتائج محترمة، مقرا في المقابل بوجود جملة من الإشكاليات التي تحول دون تحسين مردودوية الراحة البيولوجية.
وينخرط في هذه الراحة سنويا في خليج قابس ما بين 170 و160 مركب صيد تشغل كل واحدة منها 10 بحارة إلى جانب الرقّاعة (المختصين في ترقيع الشباك) وإقرار تعويضات مالية في شكل منحة شهرية يتم ضبطها حسب عدد البحارة وحسب أيام الإبحار ما بين 100 و160 يوم عمل، والذين يشتغلون لمدة 160 يوما يحصلون على المنحة كاملة.
ويبلغ معدل المنحة 50 بالمائة يتحصل عليها المجهز و50 بالمائة للبحار بمعدل 250 و300 دينار شهريا للبحار. ويتم خلاصها على قسطين، قسط أول في شهر أوت وقسط ثاني في شهر أكتوبر، علما وأنه يتم تمويل الراحة بواسطة صندوق تمويل الراحة البيولوجية المحدث للغرض.
وأوضح المدير العام للصيد البحري وتربية الأحياء المائيّة علي الشيخ السبوعي في هذا الإطار أن مفهوم الراحة البيولوجية يختلف عن مفهوم غلق موسم الصيد بالنسبة لأنواع بحرية معينة على غرار الأخطبوط، الأمر الذي يسقط جانب التعويضات المالية للبحارة خلال فترة غلق موسم صيد هذا الكائن.
المراكب الأجنبية الأكثر تجاوزا للراحة البيولوجية
بالعودة على المخالفات التي تم رفعها خلال فترة الراحة البيولوجية لهذا العام يؤكد المدير العام للصيد البحري وتربية الأحياء المائيّة علي الشيخ السبوعي في حواره الخاص مع منصة كسموس ميديا، أن “المراكب الأجنبية هي التي تخرق أكثر فترة الراحة البيولوجية في تونس، ولكن منذ سنتين، وإثر مجهود كبير قامت به الوزارة بالتعاون مع المنظمة الإقليمية لمصائد البحر الأبيض المتوسط، تم التمكن من تطبيق الراحة البيولوجية على كل مراكب الصيد في البحر المتوسط وعدم الصيد في خليج قابس”.
وأفاد السبوعي بأنه لم يقع بعد ذلك تسجيل سوى مخالفة وحيدة هذه السنة من طرف مركب صيد مصري، مشيرا إلى أن المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار بصلامبو يقوم سنويا بالمتابعة العلمية للراحة البيولوجية والقيام بثلاث خرجات بحرية تقييمية طيلة فترة الراحة لمزيد التدقيق في جدوى ومردودية الراحة البيولوجية.
وأضاف الشيخ السبوعي في هذا الإطار أنه في حال عدم إقرار الراحة البيولوجية لكانت الوضعية في خليج قابس كارثية واندثرت أصناف عديدة من الأسماك على غرار ما حصل في خليج ليون بفرنسا.
وشدد محدثنا على أن نتائج الراحة البيولوجية في مجملها إيجابية، لافتا إلى أن المردودية تكون في بداية فترة الراحة متوسطة ثم تتحسن بصفة ملموسة بعد انقضاء 3 أشهر سيما على مستوى تجديد المخزون السمكي والسماح بالتكاثر للأصناف المعنية.
“عندما يغلق موسم صيد القرنيط يقوم الصيادون غير الملتزمين بالراحة البيولوجية بتهريب ما يصيدونه كأنه من “الكنترا” (تعبير يقصد به السلع المهربة من بلد إلى آخر) والذي لا يستطيعون تهريبه على متن سفنهم يهربونه على متن سفن أخرى تنتمي لصيادين في منطقة اللوزة من ولاية صفاقس أو موانئ أخرى لتنقل كميات القرنيط تلك إلى المصانع”، يقول محمد (اسم مستعار) وهو من صغار البحارة بجزيرة قرقنة بصوت غاضب، متسائلا أين الدولة وأجهزة المراقبة والأمن عند تسجيل هذه المخالفات.
يرجح محمد تورط عدد من الأطراف التي يفترض أن تمنع هذه التجاوزات في تسهيلها، مؤكدا أنه يتم صيد القرنيط وبيعه بعيدا عن الطرق القانونية في قرقنة وفي أوج الراحة البيولوجية ومن يتجرأ على البوح بذلك أو التبليغ عنه ومعارضته يتعرض للنقد وينعتونه بـ”القواد” (الواشي) ..
يقول المتحدث: “حتى وإن كان الأمر وشاية فهو من أجل الدفاع عن الحق وقوت أبنائنا إلا أن الطرف المقابل يعتبره حسدا رغم أنه يقوم بارتكاب خطإ فادح.. هناك وعي لابد من استرجاعه من خلال تقديم دورات تكوينية للبحارة على غرار ما كانت تقوم به خلايا الإرشاد الفلاحي من قبل، علاوة على حملات الإعلام التوعوي التي كانت تمرر عبر التلفزيون الرسمي”.
“كرعين الدجاج” الطُّعم.. أو الوجه الآخر للأزمة؟!
تؤكد الباحثة والناشطة البيئية نور منصور في تصريح لمنصة كوسموس ميديا أهمية الأخطبوط في التوازن البيئي البحري، مشددة على ضرورة المحافظة على بقائه حتى لا يختل هذا التوازن ويزداد وضع التنوع البيولوجي البحري تدهورا.
وتقول منصور في هذا الإطار إن تواجد الأخطبوط كحيوان مفترس في السلسلة الغذائية مهم جدا إذ يقتات على عدة أنواع من الحيوانات البحرية التي إذا تكاثرت أكثر من اللازم ما نتج عنه اختلال التوازن البيئي البحري على غرار سلطعون البحر وأنواع أخرى من القشريات والصدفيات.
ولئن تعتبر القشريات والصدفيات من الأغذية المحببة لدى الأخطبوط فإن الصيادين في العادة كثيرا ما يعتمدونها كطعم يستدرجون به هذا الكائن إلى “قاروراتهم الفخارية”، لكن هذا يبقى حال الصيادين الذين يحترمون قانون البحر وطبيعته بدرجة أولى والقانون الذي تسنه السلطات بدرجة لا تقل أهمية، في حين يعمد البحارة اللاهثين وراء الكسب المادي مهما كانت الطريقة وأيما كان الثمن، إلى أنواع من الطعم قد تكون هي الكارثة بعينها.
يعتبر زيد (اسم مستعار) بحار آخر ممن التقيناهم بجزيرة قرقنة ان كل التجاوزات تمر عبر “بابور قرقنة” (الباخرة التي تربط بين مدينة صفاقس وجزيرة قرقنة)، قائلا: “كل شيء يأتي من هناك سواء كان قرنيط أو طعم بجميع أنواعه السليم والمضر بالصحة على غرار سيقان (كرعين) الدجاج التي يتسبب استغلالها في الدرينة كطعم لصيد الأخطبوط في مضار صحية للمستهلك”. وعبر في هذا السياق عن استغرابه من كيفية تمرير هذه “الممنوعات” من بوابة ميناء صفاقس وإليه رغم تواجد جميع السلطات الممثلة إدارات ووزارات الإشراف، متسائلا بالقول: “كيفاش يدخلو ما تعرفش؟ (لهجة عامية).
يحدثنا “زيد” وكله حسرة على وضع قطاع الصيد في قرقنة، مؤمنا أن إصلاح الحال لا يمكن أن ينجح إلا من خلال تطبيق القانون، قائلا: “لو يطبق القانون كل الناس يمكنهم العيش من الذي يجمع قوته على شط البحر كالذي يملك قاربا صغيرا”، ويضيف “لو يتم احترام الراحة البيولوجية حتى من لديهم رخص صيد على الأقدام بإمكانهم العثور على الحبار والأخطبوط وكسب رزق يكفل لهم حياة كريمة ولكن للأسف اليوم في منطقتنا مثلا هناك عائلات قليلة استطاعت أن تحافظ على موارد رزقها من البحر أما بقية العائلات فلها الله”.
تختلف دلالات الأخطبوط بين الباحث والصياد والبائع وصولا إلى المستهلك إلا أن هذا الكائن الذي وإن تعددت اذرعه يعيش بقلب واحد.. ولعل هذه الصورة تحيلنا إلى أنه مهما اختلفت الدلالات يبقى هدف -بل واجب- الحفاظ على هذا المخلوق المميز عن غيره من الأصناف البحرية كعنصر ثابت في الحفاظ على توازن البيئة البحرية أمر لا يجب أن يختلف حوله اثنان، وبالتالي حان الوقت لإيقاف المجزرة ومحاولات الإبادة التي ترتكب في حقه سواء من خلال عصا القانون أو عبر تنمية الوعي لدى مختلف الأطراف من بحّارة وباعة ومستهلكين.