سليديرمقالات

من المختبر إلى المجتمع: كيف يبني الصحفي العلمي جسور المعرفة؟

مبروكة خذيركوسموس ميدياعمان الأردن

في عصر تتسارع فيه الاكتشافات العلمية وتتكاثر التحديات المجتمعية، أصبح تعزيز قدرات الصحافيين العلميين ضرورةً ملحة لضمان نقل المعرفة العلمية بأسلوب دقيق وفعّال يلبي حاجات الجمهور ويخدم قضايا مجتمعاتهم.

فالصحافة العلمية ليست مجرد نقل للمعلومات، بل هي جسر يربط بين العلماء والجمهور، يُسهم في تشكيل الوعي والمعرفة، ويساعد على تبسيط العلوم وإيصالها إلى شرائح واسعة بأسلوب مبسط وموضوعي.

من هنا تنبع أهمية صقل مهارات الصحافيين العلميين، الذين يُعتبرون العقول الراقية وضمير المجتمع الحي، في مواجهة ظاهرة الابتعاد عن الحقيقة العلمية، ومحاربة الخرافات، وتعزيز ثقافة التفكير النقدي، بما يدعم التنمية المستدامة ويحفّز الإبداع والابتكار لخدمة الإنسان والمجتمع.

ضمن هذا السياق وفي خطوة نوعية لتعزيز الإعلام العلمي في العالم العربي، عقد معهد الإعلام الأردني دورة تدريبية على مدى يومين تحت عنوان “تعزيز وبناء القدرات العربية في مجال الإعلام العلمي”، شارك فيها إعلاميون من مختلف الدول العربية برعاية وتنسيق من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) واللجنة الوطنية الأردنية للتربية والثقافة والعلوم.

 

وفي افتتاح الدورة، أكدت مديرة معهد الإعلام الأردني الدكتورة ميرنا ابوزيد،على أهمية الصحافة العلمية في تعزيز وعي الرأي العام بما يهم صحة الإنسان وبقائه، مشددة على قدرة الإعلام العلمي في إنارة العقول ونقل المعرفة العلمية بأمانة، فضلاً عن تثمين إنجازات العلماء العرب في خدمة المجتمعات.

من جهته، وصف الدكتور محمد سند أبو درويش الذي يشغل منصب مدير إدارة العلوم و البحث العلمي في المنظمة العربية للتربية و الثقافة و العلوم، وصف الإعلام العلمي بأنه أحد الدعائم الأساسية لمواجهة تحديات التنمية والاقتصاد والبيئة والصحة الاجتماعية، مشيراً إلى أن الإعلام العلمي ليس فقط ناقلاً للمعلومة بل فاعل تنموي يمكنه دفع عجلة التقدم في مجالات متعددة.

يأتي هذا البرنامج في إطار ايمان راسخ بأهمية البحث العلمي والتكنولوجي وأهمية نشر الإعلام العلمي وبناء القدرات لمواجهة القضايا العلمية العربية، مستهدفاً تطوير مهارات الإعلاميين في نقل المعرفة العلمية بأساليب مهنية مبتكرة تتواكب مع قضايا التنمية المستدامة.

الصحافة العلمية: بوصلة المجتمعات نحو مستقبل مستدام

استهلت الجلسات الافتتاحية بسلسلة من المحاضرات الثرية، حيث ناقشت الجلسة الأولى التي قدمتها الإعلامية و الاكاديمية في مجال الصحافة و البيئة،راغدة حداد، أساسيات الإعلام العلمي ودوره المجتمعي، مركزين على التحديات التي تواجه الإعلام العلمي العربي وأهمية نشر الثقافة العلمية خاصة في ضوء أهداف التنمية المستدامة. 

كما تطرقت جلسة أخرى قدّمها محمد الهواري رئيس تحرير مؤسسة الفنار للإعلام، إلى كيفية اختبار الموضوعات العلمية المناسبة للجمهور وتحليل الجمهور المستهدف، مع عرض دراسات حالة ناجحة.

 وركزت جلسة الصحافة البيئية والعلوم، التي تناولت التغير المناخي، على دور الصحافة البيئية في التوعية بأحد أهم التحديات العالمية، مع التأكيد على ضرورة تسليط الضوء على إنجازات العلماء العرب وكيفية إجراء مقابلات صحفية ناجحة معهم، إلى جانب التحديات التي تواجه الصحفيين في مجال الإعلام العلمي.

الحضور العربي الواسع في هذا البرنامج يعبر عن نتاج جهد جماعي يمتد إلى عدة دول عربية، ويدعم رؤى راسخة بشأن أهمية الإعلام العلمي في تطوير مجتمعاتنا. فقد أصبح الإعلام العلمي إحدى الركائز الأساسية التي تدفع بعجلة التنمية وتعزز من وعي المجتمعات بالقضايا العلمية والبيئية والاقتصادية الراهنة، وذلك عبر تنويع المنتج الإعلامي والتطور الإبداعي في التناول الإعلامي والتركيز على قضايا تناسب مؤشرات التنمية المستدامة، بحسب ما أُعلن في الجلسات المختلفة.

باختصار إذا، هذه المبادرة تعيد التأكيد على ضرورة الاستثمار في الإعلام العلمي كجسر يربط بين العلم والجمهور، ويوفر للمجتمعات العربية أدوات فكرية ومعرفية تساعدها على مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.

عندما يلتقي العلم بالقصة: كيف يخدم الصحفي العلمي قضايا بيئتنا ومجتمعنا؟

في سياق لقائه مع مؤسسة كوسموس مديا أكد محمد الهواري على ضرورة تسليط الضوء على إنجازات العلماء العرب بوصفه ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة في المنطقة العربية، وذلك لعدة أسباب حيوية ترتبط بترسيخ الهوية العلمية والثقافية، وتعزيز الوعي المجتمعي، بالإضافة إلى دفع عجلة الابتكار والتطوير الذي يلبي تحديات العصر.

وقال الهواري في حديثه لكوسموس ميديا:” أولاً، إن إبراز إنجازات العلماء العرب يساهم في ترسيخ قيم البحث العلمي والابتكار لدى الأجيال الجديدة، باعتبار هذه الإنجازات مصدر إلهام يحفز الشباب على مواصلة المسيرة العلمية والإبداعية. فهذا الإرث الحضاري الغني يشكل دافعًا قويًا لبناء مستقبل معرفي مستدام يُقارب الابتكار بإرث العلماء العرب الذين سطروا بصمات خالدة في الطب، والفلك، والرياضيات، والعلوم الإنسانية. ثانياً، من خلال تسليط الضوء على هذه الإنجازات يتم تعزيز الثقافة العلمية في المجتمعات العربية، وهو أمر ضروري لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المنطقة، مثل ندرة الموارد، والتغير المناخي، والأمن الغذائي، والصحة العامة.فالإعلام العلمي الذي يبرز هذه الإسهامات يلعب دوراً محورياً في تعزيز وعي الرأي العام، مما يدعم اتخاذ قرارات مستنيرة تساعد في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.”

وأضاف رئيس تحرير مؤسسة الفنار للإعلام:” الإنجازات العلمية العربية تُبرز أهمية استمرار الاستثمار في المعرفة وبناء القدرات البشرية، وهو ما يحفز دعم البحث العلمي وتشجيع التعاون الإقليمي والدولي في مجالات التكنولوجيا والابتكار والتنمية. وذلك مناسب لتعزيز التكامل بين الدول والمؤسسات، عبر دعم نماذج تنموية قائمة على العلم والتكنولوجيا، تسهم في تحقيق استدامة الموارد وتحسين جودة الحياة.”

اما محمد التفراوتي الناشط و الكاتب البيئي المغربي الذي يتراس مركز «افاق بيئية للإعلام البيئي و التنمية المستدامة” فقد صرح لمؤسسة كوسموس ميديا ان :”إشراك العلماء وأعمالهم في الإعلام العلمي يكرّس التفاعل بين العلوم والسياسات، ويزيل الحواجز أمام تطبيق الحلول العلمية في السياسات التنموية، ما يسهل مواجهة الأزمات العالمية والوطنية بصورة أكثر فاعلية.و هذا يعزز دور السياسة القائمة على الأدلة، ويضمن تحقق أهداف التنمية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.

بالتالي، فإن تسليط الضوء على إنجازات العلماء العرب يعزز التحفيز العلمي والمعرفي للشباب.”

أكثر من مجرد خبر: كيف تُسهم الصحافة العلمية في بناء مجتمعات مرنة؟

وفي مداخلة قدمتها الإعلامية راغدة الحداد اكدت انه في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه العالم العربي، يبرز دور تسليط الضوء على إنجازات العلماء العرب كخطوة محورية لتعزيز الوعي الجماهيري وبناء مستقبل أكثر استدامة. إذ لا يقتصر أثر هذه الإنجازات على نقل المعرفة العلمية والتقنية فقط، بل يمتد إلى تحفيز المجتمعات على تبني حلول علمية مبتكرة لمشكلات مثل التغير المناخي والتصحر والتلوث.

من خلال إبراز إسهامات العلماء العرب في مجال البيئة، يبدأ الجمهور في تبني ثقافة جديدة قائمة على المسؤولية الفردية والجماعية تجاه البيئة، حيث تتحول المعرفة إلى سلوكيات وممارسات تحمي الموارد الطبيعية وتحافظ على توازن النظام البيئي. هذا التحول يحدث بفضل الإعلام العلمي الذي يعمل كجسر يربط بين البحث العلمي والقضايا الحياتية اليومية للمواطنين.

وجاء في مداخلة للإعلامية المتخصصة في المجال البيئي راغدة حداد ان:”الاهتمام بإنجازات العلماء في تحفيز الروح الابتكارية داخل المجتمعات العربية، بعيدًا عن النسخ الأعمى للحلول الخارجية، لتطوير مبادرات محلية تلائم ظروف البيئة العربية وتحدياتها الخاصة. ويتجلى ذلك في تشجيع التعاون بين العلماء وصانعي القرار والمجتمع المدني لتطبيق حلول بيئية مستدامة تستند إلى المعرفة المحلية.”

اما على مستوى السياسة، فيلعب الإعلام العلمي دورًا فعالًا في تعزيز التفاعل بين العلم وصناعة القرار، ما يسرع من تبني استراتيجيات بيئية مدعومة بأدلة علمية واضحة. وهنا يتضح دور الإعلام في مد الجسور بين الباحثين والمسؤولين، مؤكدًا أهمية دمج نتائج البحث العلمي في صياغة سياسات تحمي البيئة وتدعم التنمية المستدامة.

وفي النهاية، لا يمكن إغفال الجانب الرمزي المهم لهذا التسليط الضوء، الذي يعزز من انتماء المجتمعات العربية لتراثها العلمي ويشجعها على استكمال مسيرة العلم والابتكار، لخلق واقع بيئي مستدام يعود بالنفع على الأجيال القادمة.

بهذا، يصبح بناء الوعي الجماهيري من خلال إبراز إنجازات العلماء العرب أداة استراتيجية لا تقل أهمية عن الجهود التقنية والسياسية في مواجهة التحديات البيئية المستعصية.

زر الذهاب إلى الأعلى