سليديرمقالات

واقع منظومة الغابات في تونس: قوانين تبيح الانتهاكات!

كوسموس ميديا- تعتبر الغابة درعا ضد التغيرات المناخية حيث تحد من الاحتباس الحراري وتحمي التربة من الانجراف بالإضافة إلى ما توفره من تنوع بيولوجي. كما أنها تساهم في التنمية الاقتصادية من خلال توفير مواطن شغل في الحراسة وفي الحماية المدنية وفي استغلال الثروات الحيوانية والنباتية.…

وفي تونس تقدر المساحة الجملية للغابات بـ 4.6 مليون هكتار أي ما يعادل 34 ٪ من مساحة التراب الوطني، وتتمركز أساسا في جهات الشمال الغربي والوسط الغربي كما يسكنها حوالي 800 ألف ساكن وتقدر قيمتها الاقتصادية بحوالي 932 مليون دينار.
  
ولكن بالرغم من ثراء وتنوع  المنظومة الغابية في بلادنا، إلا أنها خلال السنوات الأخيرة تتعرّض إلى العديد من الانتهاكات التي باتت تهدد وجودها، نتيجة التوسّع العمراني والاستحواذ على الأراضي الغابيّة دون وجه حق إلى جانب الحرائق التي تلتهم في كل سنة الآلاف من الهكتارات الغابية كما باتت تطرح عديد الأسئلة حول الأسباب الحقيقية التي تؤدي إلى اندلاعها في كل مرة.

قوانين غير منصفة؟!

“يقطن ما يقارب 8 بالمائة من سكان تونس المناطق الغابية دون قوانين منصفة تسمح لهم بالتصرف في موارد هذه الغابات بالرغم من إعطاء هامش قانوني أكبر لأشخاص من خارجها لاستغلال خيراتها وثرواتها، وهو ما يعمّق يوما بعد يوم الإحساس بالظلم والغبن لدى هؤلاء السكان”.. هكذا استهل المختص في الاستراتيجيات البيئية حلمي التومي حديثه عن منظومة الغابات في البلاد التونسية وتحدياتها الراهنة، ضمن برنامج “كوسموس” البيئي في حلقة بثت يوم 21 مارس الجاري بمناسبة اليوم العالمي للغابات.

وذكر التومي على سبيل المثال متساكني غابات خمير ومقعد والذين تمنعهم مجلة الغابات من استغلال خيرات الغابة -رغم ثراء منتجها الطبيعي- استغلالا تجاريا، وتسمح لهم فقط بالاسغلال المنزلي وهو ما لا يتجاوز جمع الفقاع والحشائش والحطب المتساقط على الأرض، مشيرا إلى الوضعية الهشة التي يعيشها هؤلاء السكان فيما يتعلق بتملك المساكن التي يقطنونها باعتبارها ملكية تابعة للدولة إلى جانب نسبة البطالة والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المسجلة، حسب قوله.

وشدد ضيف فقرة “كوسموس لوديبا” على ضرورة تنقيح مجلة الغابات مع مراعاة كل الجوانب المتعلقة بمتساكني الغابات، مفيدا بأن عديد الجمعيات التي اشتغل معها في هذا الإطار كانت قد تقدمت بمقترحات لوزارة الفلاحة تتمثل أساسا في الاعتماد على التمييز الإيجابي في علاقة بالصفقات العمومية خاصة من خلال الترفيع في نصيب الفرد في الاستغلال للثروات الموجودة، إضافة إلى اعتماد نظام النقاط للترفيع من إمكانيات المنافسة بين المتساكنين وكبار المقاولين الذين هم بالأساس غرباء عن الغابة، أيضا الترفيع في نسبة تشغيل أبناء الغابة من قبل هؤلاء المقاولين إلى 60% على الأقل.

الحرائق وإتلاف النسيج الغابي.. إلى متى؟

اعتبر رئيس جمعيتي “تونس كلين آب” و”سولي غرين” حسام حمدي أن موضوع الحرائق المسجلة سنويا في مختلف الغابات التونسية موضوع متشعب جدّا، قائلا: “نحن ضحية أنفسنا، ضحية قوانينا، ضحية قلة وعينا وقلة إمكانياتنا.. لأنه عندما تجتمع كل هذه العوامل من غير المعقول أن تسجل 86% من الحرائق ضد مجهول”.

وانتقد حمدي في ذات السياق تقصير الدولة، إما بسبب قلة الامكانيات أو عدم وضع استراتيجيات مدروسة، في حماية الغابات سواء من الحرائق أو عمليات التحوّز اللاقانونية على الملك الغابي والقيام باعتداءات غير مقبولة البتة على الثروة النباتية والغابية عموما.

وعما إذا كانت حملات التشجير المسجلة من قبل الجمعيات والمؤسسات وحتى الأفراد كافية لتعويض الخسائر الغابية الناجمة عن الحرائق والاتلاف، قال حسام حمدي إن الأمل يبقى قائما مادامت هناك مبادرات مماثلة، مشددا على أهمية أن تكون عمليات التشجير مدروسة من حيث الصنف والكم على أن تكون مفتوحة للمواطنين الراغبين في المشاركة باعتبارها فرصة للتوعية والتحسيس بكيفية التعامل مع الغابة والحفاظ على ثرواتها وسلامتها.

وتجدر الإشارة إلى أن جمعية “سولي غرين” ساهمت إلى غاية سنة 2019، في غراسة 600 ألف شجرة حول مناطق الجمهورية التونسية على أمل بلوغ مليون شجرة نهاية سنة 2023 الحالية.

غياب مشروع للدولة…

وعن تقييمه لأداء الدولة في علاقة بحماية الغابات والحفاظ عليها، اعتبر الناشط البيئي حسام حمدي أن المسألة لا تتعلق بالتقصير بقدر ما تتعلق بمشروع الدولة ككل، مفسرا بالقول: “إن المشكل في القطاع الغابي مشابه تماما لمشاكل القكاع الفلاحي والمتمثلة بالأساس في كثرة الوسطاء بما يؤثر سلبا على المردودية الاقتصادية وعلى إمكانية حماية تلك الأراضي من الاستغلال العشوائي، وبالتالي فإن المشكل الحقيقي هو المنوال التنموي في تونس”.

وفيما يتعلق بالعقوبات المسلطة على مثل هذه التجاوزات والخروقات القانونية، لفت الخبير في الاستراتيجيات البيئية حلمي التومي إلى تواصل الاعتماد على تشريعات قديمة جدا تنص على عقوبات وخطايا لا ترتقي إلى حجم الخروقات المرتكبة حتى تجعل مرتكبيها يتعضون فهو سيحقق الأرباح والمكاسب حتى وإن مُسك بحمولة حطب مهربة عندما لا تتعدى العقوبة خطية مالية بين 3د و100د، حسب قوله.

وفي إجابة على سؤال الصحفية مبروكة خذير حول أسباب تأخر تنقيح مجلة الغابات التي تساهم بشكل أو بآخر في تعميق المشاكل الغابية وخسارة آلاف الهكتارات منها سنويا خاصة في ظل التغيرات المناخية المسجلة، اشار التومي إلى أن الاعتماد على مبدإ التشاركية في المشاورات المتعلقة بتنقيح الفصول بقدر ماهو إيجابي بقدر ما يستغرق وقتا في الخروج بنتائج ملموسة، مشددا على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجيات المتبعة من قبل الدولة في كل ما يتعلق بالبيئة على غرار “الكربون المنخفض”، قائلا إن الغابة لا بد أن تكون جزءا من هذه الاستراتيجية”.

تحرير: أمل الصامت

زر الذهاب إلى الأعلى