سليديرمقالات

بغداد تستضيف مؤتمر الإعلام العربي: “الإنذارات المبكرة” على طاولة النقاش لإنقاذ الشعوب من التّطرف المناخي

مبروكة خذير/بغداد /كوسموس ميديا: في خضم عصر يشهد “تطرفًا مناخيًا” متصاعدًا، افتتحت العاصمة العراقية بغداد فعاليات مؤتمر الإعلام العربي يوم الحادي والعشرين من مايو الجاري، بتركيز لافت على أنظمة الإنذار المبكر ومناقشة قضايا المناخ الملحة. تأتي هذه الدورة في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى اليقظة لمواجهة الآثار المتفاقمة للتغير المناخي، التي باتت تهدد الشعوب وتستدعي تضافر الجهود لإنقاذها.

يستعيد المؤتمر صدى مبادرة عالمية أطلقتها الأمم المتحدة، تعود بداياتها إلى صباح يوم عاصف من شهر مارس 2022، حين وقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ليعلن عن مبادرة تحمل في طياتها وعدًا جديدًا للبشرية: “الإنذارات المبكرة للجميع”. لم يكن هذا الإعلان مجرد خبر عابر، بل كان بمثابة تدشين لحقبة جديدة من التعاون الدولي في مواجهة الكوارث الطبيعية التي باتت تطرق أبواب الجميع بلا استثناء.

تخيلوا معي أسرة صغيرة في قرية نائية على ضفاف نهر، لا تملك سوى دقائق معدودة للفرار من فيضان مفاجئ. أو صيادًا في جزيرة صغيرة، يواجه عاصفة استوائية دون سابق إنذار. ليست هذه القصص مجرد خيال، بل هي واقع يتكرر كل يوم، مخلفًا خسائر بشرية ومادية فادحة، خاصة في الدول الأقل نموًا والدول الجزرية الصغيرة، حيث لا تصل أنظمة الإنذار المبكر إلا إلى قلة محظوظة. من هنا جاءت مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع” لتضع حدًا لهذا الواقع المرير.

وفي إطار مؤتمر الإعلام العربي الذي تتواصل أشغاله في العاصمة العراقية بغداد، قدم الدكتور مصطفى مهدي من الاتحاد الدولي للاتصالات مداخلة هامة أمام المؤتمرين، سلط فيها الضوء على مبادرة الإنذارات المبكرة، التي تقودها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث. وأكد الدكتور مهدي أن هذه المبادرة الطموحة تهدف إلى أن يحصل كل شخص على وجه الأرض على حماية من خلال نظام إنذار مبكر فعّال بحلول عام 2027.

مؤتمر الإعلام العربي

ويتضح من خلال العرض والورشة التي أقيمت في مستهل مؤتمر الإعلام العربي أن النماذج التي تم طرحها لنظم الإنذارات المبكرة ليست مجرد طموح، بل هي خطة عمل واضحة تستند إلى أربع ركائز رئيسية: معرفة المخاطر، والرصد والتحليل، ونشر التحذيرات، والتأهب للاستجابة. وفي قلب هذه المبادرة يكمن مبدأ بسيط لكنه بالغ الأهمية: الإنذار المبكر ينقذ الأرواح.

دور المجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية…

في خطوة حاسمة نحو بناء عالم أكثر استعدادًا لمواجهة الكوارث، تتزايد الأدلة على أن أنظمة الإنذار المبكر الشاملة هي “الكنز” الذي يمكن أن ينقذ الأرواح والممتلكات. فالتقارير الحديثة تكشف أن الدول التي تتمتع بتغطية كاملة للإنذار المبكر تسجل معدلات وفيات أقل بثماني مرات مقارنة بنظيراتها التي تفتقر لهذه الأنظمة.

ومع تسارع وتيرة تغير المناخ وتزايد شدة الكوارث الطبيعية، بات الإنذار المبكر “الثمرة الدانية” في مجال التكيف مع هذه التحديات. فهو ليس مجرد أداة فعالة، بل هو أيضًا وسيلة منخفضة التكلفة لحماية البشر وممتلكاتهم. لكن السؤال الأهم يبقى: كيف تتحول هذه الإنذارات إلى أفعال على أرض الواقع؟

هنا يتجلى الدور المحوري للمجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية. ويبرز الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر كقوة دافعة في هذا المجال، حيث يقود جهود التأهب والاستجابة، ويضمن وصول التحذيرات إلى “آخر ميل” في القرى والمناطق النائية. فالمعرفة بكيفية التصرف عند تلقي الإنذار هي مفتاح تحويل التنبيهات إلى حماية فعلية.

ولضمان وصول الرسائل التحذيرية إلى الجميع دون استثناء، توصي المبادرة باستخدام جميع قنوات الاتصال الممكنة. فمن الرسائل النصية التي تصل إلى الجوالات، مرورًا بالراديو والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى صفارات الإنذار التقليدية، يجب تسخير كل وسيلة لضمان الانتشار الواسع. ويعتمد ذلك على بروتوكول الإنذار المشترك الذي يضمن توحيد الرسائل وسرعة انتشارها، ليصبح الإنذار صوتًا واحدًا لا يخطئه أحد.

واليوم، تتسارع الخطى نحو تحقيق الهدف المنشود، فمع انضمام أكثر من 22 دولة إلى حلقات العمل الوطنية للمبادرة، يتشكل عالم لا يفاجئه الخطر، بل يستعد له ويواجهه بوعي و إستعداد.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور مصطفى مهدي من الاتحاد الدولي للاتصالات، أن مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع” لا تمثل مجرد مشروع، بل هي “قصة أمل وتضامن عالمي، تكتب فصولها بالتعاون والتكنولوجيا والإرادة الإنسانية“.

وختم الدكتور مهدي حديثه بتأكيد حاسم: “قد لا نستطيع منع الكوارث الطبيعية، لكننا نستطيع أن نمنعها من التحول إلى مآسٍ إنسانية.” هذا هو جوهر المبادرة، وطموحها اليوم هو ألا يبقى أحد دون حماية، مهما كان مكانه أو ظروفه. ففي عالم مترابط، تصبح الحماية مسؤولية مشتركة، والإنذار المبكر هو أولى خطواتها.

مؤتمر الإعلام العربيتضافر الجهود العالمية: شبكة أمان تُبنى لإنقاذ الأرواح في زمن الكوارث

في عالم يزداد تعقيداً وتغيراً، وتتفاقم فيه وطأة الكوارث الطبيعية بفعل التغيرات المناخية، تبرز مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع” كشعلة أمل وحل عملي لحماية الأرواح والممتلكات. بيد أن نجاح هذه المبادرة لا يُنسب إلى جهود فردية، بل هو حصيلة تضافر واسع بين قطاعات متعددة، يضطلع كل منها بدور حيوي في نسج شبكة أمان عالمية.

في صميم هذا التعاون، يقف القطاع الحكومي كحجر الزاوية. فالحكومات الوطنية والمحلية هي من يقع على عاتقها مسؤولية صياغة السياسات وتنفيذ أنظمة الإنذار المبكر، فضلاً عن تنظيم خطط التأهب والاستجابة التي تحصّن المجتمعات من المخاطر. إنها الجسر الذي يربط بين التكنولوجيا والناس، لتضمن وصول التحذيرات إلى كل زاوية في البلاد.

وليس بوسعنا الحديث عن هذه المبادرة دون الإشارة إلى منظمات الأمم المتحدة والهيئات الدولية، التي تتصدر الجهود وتوفر الدعم الفني والمالي اللازم. تُعد المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ومكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، شركاء أساسيين يعملون على توحيد المساعي وتنسيقها على الصعيد العالمي، لضمان فعالية هذه الشبكة المتنامية.

أما القطاع الخاص والتكنولوجي، فيُشكل القوة الدافعة وراء الابتكار. فشركات التكنولوجيا الكبرى تُسهم بحلول متقدمة، كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما يعزز من دقة التنبؤات ويُسرع من وتيرة نشر الإنذارات. كما تلعب شركات الاتصالات دوراً محورياً في إيصال هذه التحذيرات إلى المناطق النائية، عبر شبكات الهاتف المحمول، لضمان شمولية التغطية.

مؤتمر الإعلام العربيو لا يقل دور المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية أهمية، فهي الجسر الذي يوصل التحذيرات إلى “الميل الأخير” في القرى والمناطق النائية. على سبيل المثال، يعمل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على بناء قدرات المجتمعات المحلية، وتدريبها على كيفية الاستجابة السريعة عند تلقي الإنذارات.

من جهة أخرى، يُسهم القطاع الأكاديمي والبحثي بجهود حثيثة في تطوير أدوات وتقنيات جديدة تُعمّق فهم المخاطر، وتُحسن من نظم الرصد والتنبؤ، مما يجعل الإنذارات أكثر دقة وفعالية. كما يلعب شركاء التنمية والتمويل دوراً أساسياً في دعم البلدان الأقل نمواً، وتمويل مشاريع بناء وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر، لضمان شمولية الحماية للجميع.

إن هذا التعاون متعدد القطاعات ليس مجرد شبكة عمل، بل هو نسيج متكامل يهدف إلى بناء نظام إنذار مبكر عالمي، يضمن ألا يبقى أحد دون حماية. ففي زمن تتزايد فيه التحديات، يصبح التضامن والتكامل بين القطاعات هو السبيل الوحيد لبناء مستقبل أكثر أماناً واستدامة للجميع.

وتشير التقارير إلى أن البلدان التي تتمتع بتغطية شاملة للإنذار المبكر تسجل معدلات وفيات أقل بثماني مرات مقارنة بتلك التي تفتقر لهذه الأنظمة. ومع تغير المناخ وتزايد شدة الكوارث، أصبح الإنذار المبكر “الثمرة الدانية” في مجال التكيف مع المناخ، فهو وسيلة فعّالة ومنخفضة التكلفة لحماية البشر والممتلكات.

لكن كيف تتحول الإنذارات إلى أفعال؟ هنا يظهر دور المجتمعات المحلية والمنظمات الإنسانية، التي تقود جهود التأهب والاستجابة، وتضمن أن تصل التحذيرات إلى “آخر ميل” في القرى والمناطق النائية، وأن يعرف الناس كيف يتصرفون عند تلقي الإنذار. ولضمان وصول الرسائل التحذيرية إلى الجميع، توصي المبادرة باستخدام جميع قنوات الاتصال الممكنة: من الرسائل النصية إلى الراديو والتلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي وحتى صفارات الإنذار التقليدية، مع اعتماد بروتوكول الإنذار المشترك الذي يضمن توحيد الرسائل وسرعة إنتشارها.

واليوم، ومع انضمام أكثر من 22 دولة إلى حلقات العمل الوطنية للمبادرة، تتسارع الخطى نحو تحقيق الهدف المنشود: عالم لا يفاجئه الخطر، بل يستعد له، ويواجهه بوعي واستعداد. وكما أكد الدكتور مصطفى مهدي من الاتحاد الدولي للاتصالات في مداخلته، فإن مبادرة الإنذارات المبكرة تمثل قصة أمل وتضامن عالمي، تُكتب فصولها بالتعاون والتكنولوجيا والإرادة الإنسانية. واختتم حديثه قائلاً: “قد لا نستطيع منع الكوارث الطبيعية، لكننا نستطيع أن نمنعها من التحول إلى مآسٍ إنسانية. هذا هو جوهر مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع”؛ الطموح اليوم هو ألا يبقى أحد دون حماية، مهما كان مكانه أو ظروفه.”

 “الكوارث لا تنتظر”: غياب أنظمة الإنذار المبكر يدفع ثمنه الإنسان والإقتصاد

الكوارث الطبيعية لا تفرق بين بلد وآخر، لكن الفارق يكمن في مدى استعداد الدول لمواجهتها. ففي العديد من البلدان، لا تزال أنظمة الإنذار المبكر غائبة أو ضعيفة، ما يجعلها عرضة لخسائر بشرية واقتصادية فادحة، ويدفع سكانها ثمنًا باهظًا في الأرواح والممتلكات.

لم يكن إعصار دانيال الذي ضرب ليبيا مؤخرًا سوى تذكير مؤلم بهذا الواقع. فغياب التحذيرات المسبقة والأنظمة الفعالة أدى إلى كارثة إنسانية، حيث ابتلعت المياه أحياء بأكملها، وأودت الأرواح بالآلاف الذين كان بالإمكان إنقاذهم لو توفرت شبكات إنذار مبكر فعالة. المشهد ذاته يتكرر في دول عربية وأفريقية عدة، حيث تعاني الأنظمة من ضعف في القدرات والتجهيزات، ونقص في المنشآت الرادارية، ما يعيق قدرتها على التنبؤ بالكوارث أو إصدار تحذيرات في الوقت المناسب.

هذا النقص الحاد يجعل هذه الدول أكثر هشاشة أمام غضب الطبيعة، ويزيد من معدلات النزوح والهجرة القسرية الناتجة عن الظواهر الجوية القاسية. ويؤدي غياب هذه الأنظمة إلى فقدان الوقت الثمين الذي يحتاجه السكان لإخلاء المناطق المعرضة للخطر أو اتخاذ تدابير وقائية، ما يفاقم حجم الأضرار ويؤثر سلبًا على قطاعات التنمية المختلفة، من صحة وسكن وبنية تحتية.

الأرقام لا تكذب. تشير التقارير إلى أن البلدان التي تفتقر إلى أنظمة إنذار مبكر متكاملة تسجل معدلات وفيات أعلى بستة أضعاف تقريبًا مقارنة بالدول التي لديها تغطية شاملة. وهذا ليس مجرد خسائر في الأرواح، بل يمتد أثره إلى تدمير الاقتصاد، وزيادة الفقر، وتعطيل التنمية المستدامة. لذا، فإن الاستثمار في هذه الأنظمة أصبح ضرورة ملحة لا تقبل التأجيل.

الإذاعة: صوت الأمل في زمن الكوارث

في خضم هذا التحدي، تبرز الإذاعات كلاعب محوري في إيصال الرسائل التحذيرية بسرعة وفعالية، خاصة في المناطق التي قد تفتقر إلى وسائل اتصال حديثة أو الإنترنت. فقد أكدت تجارب الإذاعيين في عدة دول أن البث الإذاعي التقليدي يظل وسيلة موثوقة للوصول إلى شرائح واسعة من السكان. فبصوت واضح ومباشر، يمكنهم نقل رسائل الإنذار وتوجيهات دقيقة تساعد الناس على اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.

من هنا، يلعب اتحاد الإذاعات الآسيوية، الذي يضم عددًا كبيرًا من المحطات الإذاعية في المنطقة، دورًا حيويًا في تعزيز قدرات أعضائه في مجال الإنذار المبكر. يركز الاتحاد على تدريب الإذاعيين على صياغة الرسائل التحذيرية بطريقة بسيطة وواضحة، مع مراعاة حساسية الثقافات المحلية واللغات المتعددة، لضمان وصول الرسالة وتأثيرها على المستمعين. كما يشجع الاتحاد على استخدام بروتوكول الإنذار المشترك (CAP)، وهو صيغة موحدة تسمح بإرسال تحذيرات متسقة عبر مختلف القنوات، بما في ذلك الراديو، ما يسهل تنسيق الجهود بين الجهات الرسمية ووسائل الإعلام. هذا التكامل يضمن أن تصل الإنذارات إلى أكبر عدد ممكن من الناس وبأسرع وقت، ما يقلل من الخسائر البشرية والمادية.

علاوة على ذلك، تعتمد أفضل الممارسات في نشر الإنذارات المبكرة على نهج متعدد القنوات، يجمع بين البث الإذاعي، الرسائل النصية، وسائل التواصل الاجتماعي، والتلفزيون، لضمان شمولية التغطية، خاصة للفئات الضعيفة والمهمشة. وقد أثبتت تجارب عدة دول، مثل الإمارات العربية المتحدة التي طبقت منظومة إنذار مبكر عبر الهواتف المحمولة بالتنسيق مع الإذاعة والتلفزيون، فعالية هذا النهج في تعزيز الاستعداد المجتمعي وتقليل الأضرار.

زر الذهاب إلى الأعلى