مبروكة خذير – داكار – السنغال – كوسموس ميديا
يوم الاثنين 1 سبتمبر 2025، انطلق في السنغال منتدى نظم الغذاء في أفريقيا 2025، الذي يعد محطة مهمة في جهود تطوير نظم الغذاء بالقارة. تحت أجواء واضحة، اجتمعت وفود من مختلف الدول، خبراء، ومسؤولون حكوميون، إلى جانب شباب مهتمين بالقطاع الزراعي، لإعادة التأكيد على قدرة أفريقيا على إدارة ملفها الغذائي.
تأسس المنتدى عام 2006، وبمرور الوقت أصبح منصة للحوار والتعاون حول قضايا الغذاء في أفريقيا. بدأ المنتدى بشكل محدود، لكنه توسع ليشمل أكثر من 40 شريكاً من القطاعين العام والخاص، من مؤسسات إقليمية ومنظمات غير حكومية وشركات ومجتمعات ريفية.
في 2025، أصبح المنتدى أداة مؤثرة في توجيه السياسات وتحفيز الاستثمارات، مع تركيز خاص على دور الشباب كعنصر أساسي في تطوير القطاع الزراعي.
ويقول أمثلة باتي سين، المدير العام للمنتدى: «الشباب الأفريقي هم عامل رئيسي للتغيير، ويجب أن نجمع جهودنا ومواردنا لجعل نظم الغذاء جزءاً من تنمية أفريقيا».
السنغال، المستضيفة للمنتدى، تحتل موقعاً استراتيجياً بسبب تاريخها الزراعي وتحدياتها المناخية، وهي تمثل نموذجاً لأفريقيا في تعزيز الزراعة كقاعدة للتنمية الاقتصادية.
وخلال الافتتاح، شدد الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فايي على أن أفريقيا تمتلك الإمكانيات لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي ويمكنها إطعام العالم، مشيراً إلى أهمية اعتماد القارة على نفسها في هذا المجال.
يشمل المنتدى جلسات نقاش، ورش عمل، وعروضاً للابتكارات في الزراعة، مسلطاً الضوء على دمج العلوم والسياسات مع الخبرات المحلية والتقنيات الحديثة المستدامة.
ويمثل الشباب نسبة كبيرة من سكان أفريقيا ويتبوؤون مركزاً مهماً في المنتدى، حيث يُنظر إليهم كجهة فاعلة قادرة على تأثير النظام الغذائي.
أكد بول كاغامي، رئيس رواندا، على ضرورة مشاركة الشباب بنشاط والتزام، مشدداً على أن الدعم موجود من الحكومات، لكن المبادرة والعمل الفعلي يعودان إليهم.
بهذا الشكل، يشكل منتدى نظم الغذاء في أفريقيا 2025 منصة عملية للتباحث حول تطوير الأمن الغذائي وتنمية القارة.
التزام جماعي لمواجهة التحديات الغذائية في أفريقيا: نحو سيادة غذائية تحلم بها القارة
و رغم الأرض الخصبة والثروات الزراعية الهائلة التي تزخر بها أفريقيا، لا تزال القارة تستورد سنويًا ما يقرب من 70 مليار دولار من الغذاء. مؤشرات تؤكد أن الخسائر بعد الحصاد تصل إلى نسب مخيفة بين 30 و40%، وأن الإنتاج المحلي لا يتجاوز تغطية 60 إلى 70% فقط من الاحتياجات الأساسية للسكان. واقع غذائي يطرح تساؤلات ملحة حول أمن القارة المستقبلي.

في هذا السياق، يطلق حيلماريام ديساليني، رئيس وزراء إثيوبيا السابق ورئيس مجلس إدارة AGRA، إنذاره الحاد: «لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر، يجب أن ننتقل من الخطط إلى أفعال. تحويل استراتيجية CAADP3 إلى واقع ملموس ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية، نحن مدينون بذلك لـ300 مليون أفريقي يعيشون تحت وطأة الفقر، لشبابنا الباحثين عن فرص عمل، ولنساءنا اللاتي يصنعن صمود مجتمعاتنا.»
أما في منتدى نظم الغذاء في أفريقيا 2025، فتتلاقى الإرادات السياسية مع الابتكارات والالتزام المدني في منصة واحدة تُجسد أمل أفريقيا بالتحول. ليس مجرد اجتماع عادي، بل مسعى جاد نحو إرساء نظم غذائية قادرة على منح الكرامة والازدهار والاستقلال القاري في مجال الغذاء.
السنغال تمثل نموذجًا يشعّ بالإصرار والاستثمار الحكيم، حيث تؤكد دورها المحوري في دفع عجلة التغيير. يدعو المنتدى جميع الأطراف، من الفلاحين الشباب إلى صانعي القرار، إلى تجاوز مرحلة الكلام إلى وضع الأسس لبناء منظومات مستدامة ومرنة ومبتكرة تضمن الغذاء للجميع.
ويُعد يوم انطلاق المنتدى نقطة فصل حاسمة، حيث تحمل الكلمات رؤى تتحول إلى أفعال. وكما أكد الرئيس بول كاغامي: «مستقبل أفريقيا يعتمد على التزامكم.» اليوم، تتحد أفريقيا في عزيمة صلبة تغذيها الفخر والتضامن، لتكتب صفحة جديدة في تاريخها، حيث تطعم نفسها بثقة واعتماد ذاتي.
رحلة عبر ثروات وابتكارات القارة الزراعية
في قلب داكار، عاصمة السنغال، انطلقت فعاليات منتدى نظم الغذاء في أفريقيا 2025، ليشكل مساحة نادرة تجمع ثروات القارة الزراعية وتطلعاتها المستقبلية في معرض حي متكامل أقيم بمركز CICAD & DIAMNIADIO. المنتدى لم يكن مجرد تجمع تقليدي، بل كان منصة نابضة بالابتكار والجهود الأفريقية المتنوعة لتعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.
تجول الزوار بين أجنحة المعرض التي كشفت عن تنوع هائل من المحاصيل الأفريقية؛ من الحبوب التي تشكل القاعدة الغذائية في العديد من البلدان، إلى الفواكه الاستوائية الغنية بالنكهات، والخضروات التقليدية ذات الأصول العميقة، وصولاً إلى منتجات محلية وأخرى عضوية تعكس حرفية وتقاليد متجددة. كل جناح كان يعبر عن قصة فريدة من نوعها حول إبداع الأفارقة في استثمار مواردهم الزراعية وتسويقها بطرق عصرية، مما جسد بأبهى تشكيلاته ثراء القارة وعمق ثقافتها الزراعية.
أما في القسم المخصص للثروة الحيوانية، فقد برزت سلالات متكيفة مع مناخات أفريقيا المتنوعة، وتقنيات تربية حديثة تُظهر كيف تتطور هذه الصناعة الحيوية لتصبح أكثر استدامة وكفاءة. التقاء المنتجين وخبراء الصحة البيطرية ورجال الأعمال أتاح حواراً مفتوحاً حول تحسين الإنتاجية ودور الثروة الحيوانية في دعم الدخل الريفي وتعزيز الأمن الغذائي.
وينتمي إلى منصة الابتكار أيضًا ركن المعدات الزراعية الذي استعرض أحدث الحلول التكنولوجية الموجهة للمزارعين الأفارقة، من الجرارات المتطورة إلى أنظمة الري الذكية والطائرات بدون طيار، وصولاً إلى حلول رقمية دقيقة لمتابعة المحاصيل وتقنيات التخزين بعد الحصاد. وكان الهدف واضحًا: تحديث الزراعة الأفريقية لتصبح أكثر مرونة في مواجهة التغيرات المناخية وتقليل الفاقد، إذ تبين الاهتمام الكبير بتبني التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية والاستدامة.
المنتدى جمع بين مئات العارضين من مختلف أنحاء أفريقيا، من إثيوبيا ورواندا إلى نيجيريا وكينيا، ومن كوت ديفوار وغانا إلى المغرب وجنوب أفريقيا، ليشكل بذلك فسيفساء من الخبرات والابتكارات التي حثت على تبادل التجارب وخلق شبكة تعاون قارية متطورة تعزز الاندماج وتعالج تحديات القارة المشتركة.
في المجمل، شكّل معرض منتدى نظم الغذاء في أفريقيا 2025 نافذة حية على مستقبل نظم الغذاء الأفريقية—حيث يلتقي التراث بالحداثة، وتتشابك المعرفة مع الابتكار، لينبثق أمل جديد في تعزيز الأمن الغذائي والتنمية الزراعية المستدامة عبر القارة.